القضية الفلسطينية والتطبيع العربي الإسرائيلي من بيريس إلى نتنياهو

بقلم: معتصم حمادة

معتصم حمادة
  • معتصم حمادة

■ مع انطلاقة مؤتمر مدريد في خريف 1990، لاحت في الأوساط الغربية، الدعوة لإقامة «شرق أوسط جديد» يقوم على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة بعدوان 5 حزيران، وحل القضية الفلسطينية، ودمج إسرائيل في المنطقة، وإنهاء المقاطعة العربية لها، بحيث يسود السلام في المنطقة، وينتقل الشرق الأوسط، من كونه إحدى مناطق التوتر والحروب في العالم، إلى واحة للسلام، بعد أن تكون إسرائيل قد توصلت مع الدول العربية المعنية (الأردن، وسوريا- ولبنان، وفلسطين) إلى معاهدات سلام.

وقد ترجمت «مبادرة السلام العربية»،  في مؤتمر القمة العربية في بيروت (2002) هذا الأمر، حين دعت إسرائيل إلى الإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة حتى حدود 4 حزيران 67، مقابل التطبيع العربي الإسلامي معها، مع إشارة واضحة إلى التخلي عن حق اللاجئين في العودة، مقابل «حل بديل متفق عليه» مع إسرائيل.

وقد راجت عبارة «الشرق الأوسط الجديد»، على أوسع نطاق، بعدما أصدر شمعون بيريس، وزير خارجية إسرائيل، ونائب رئيس الوزراء في حكومة رابين، عام 1993، كتابه الشهير « في زمن السلام»، والذي ترجمت أجزاء منه إلى العربية بعنوان آخر هو «الشرق الأوسط الجديد»، وصار مشروع «الشرق الأوسط الجديد» مقرونا بشمعون بيريس شخصياً، باعتباره أول من حاول أن يرسم هذا «الجديد» في كتابه.

استند بيريس في رؤيته هذه إلى وصول المفاوضات مع الجانب الفلسطيني إلى اتفاق أوسلو، كمشروع للحل في زمن أقصاه خمس سنوات. وإلى معاهدة وادي عربة، مع الأردن، وإلى استعداد إسرائيل للانسحاب (المشروط) إلى الحدود الدولية (حدود 1923) في الجولان العربي المحتل.

على الصعيد الفلسطيني بنى بيريس رؤيته للحل مع الفلسطينيين وفق معادلة سياسية، رأى فيها حلاً للصراع، في سياقها تتخلى إسرائيل عن مشروعها لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، على كامل الأرض الفلسطينية بحدودها الانتدابية، فتنسحب من قطاع غزة، وأجزاء من الضفة الفلسطينية، مع الاحتفاظ بالقدس، و«بحدود آمنة»، مقابل أن يتخلى الفلسطينيون عن حلم العودة، وعن «تحرير كامل الأرض الفلسطينية»، مقابل «دولة فلسطينية» في (أجزاء من) الضفة الفلسطينية، وقطاع غزة، تكون عاصمتها «القدس العربية»  [أبو ديس  والعيزرية وغيرها من البلدات العربية المجاورة للقدس المحتلة يعاد بناؤها لإقامة القدس الجديدة].

وفقاً لهذه المعادلة، قدم بيريس تصوره للشرق الجديد، المزدهر، الآمن، المستقر، الخالي من الصراعات والحروب، كما قدم تصوره لموقع إسرائيل المميز في هذا الشرق.

وقام تصوره على معادلة رسمها في كتابه يمكن تلخيصها بالتالي:

تشكل منطقة الشرق الأوسط واحدة من أهم المناطق في العالم، بسبب من موقعها الاستراتيجي (تربط بين ثلاث قارات) وثرواتها الباطنية من نفط وغاز ومعادن، وغنية بالمياه (النيل والفرات والأردن وغيرها) غنية بالسكان، تجمع بين ثلاث أنواع من الدول: دول فقيرة مالياً، لكنها غنية بالمياه والأرض الزراعية والكفاءة البشرية واليد العاملة، كما هو حال مصر على سبيل المثال، ودول غنية بالنفط والثروات المالية، لكنها فقيرة بالسكان، كدول الخليج بشكل عام، ودول غنية بالكفاءات العلمية والتكنولوجيا وهي إسرائيل حصرياً. وإذا ما التقت هذه العناصر الثلاثة: اليد العاملة، مع الثروة المالية، مع العلم، يمكن إقامة منطقة رخاء، زراعياً، وصناعياً، وتكنولوجياً، في إطار من التكامل.

في ظل هذه المعادلة لم يخفِ بيريس نزعته العنصرية (رغم ما بذله في كتابه من محاولات جادة لتقديم رؤيته بلغة طافحة بالسلام وعبارات التسامح) إذ قدم الحالة العربية باعتبارها اليد العاملة، ومصدر التمويل، بينما قدم إسرائيل باعتبارها العقل المفكر، والعلم، والتكنولوجيا والرافعة المعنية بالانتقال بالمنطقة إلى مرحلة جديدة، أي باعتبارها محور المشروع.

وعلى هذه القاعدة تناول بيريس عناصر الحل وعناصر الرؤية في فصول الكتاب، مستنداً إلى المبدأ الذي يقول إن الممر الإجباري للتطبيع مع العرب، وبناء الشرق الجديد، هو الوصول إلى حل للصراع مع الجانب الفلسطيني، على أن يتلو ذلك عقد معاهدات سلام مع الدول العربية، كل دولة على حدة. إذ كانت الحالة العربية في وضع متماسك (نسبياً) في مواجهة إسرائيل، وكان ثمة إجماع على ضرورة حل القضية الفلسطينية، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة كشرط للاعتراف بإسرائيل ودمجها في المنطقة. وعلى قاعدة هذا الاجماع، تبلور موقف غربي يرى الرؤية نفسها، وينظر إلى القضية من منظار تطبيق قرارات الشرعية الدولية( خاصة  242 و338) ومبدأ الأرض مقابل السلام. وبالتالي، كانت معادلة بيريس تقوم على قراءة موازين القوى في الحالة العربية، وحالة التماسك الفلسطينية، والتزام المجتمع الدولي بقرارات الأمم المتحدة، دون أن يعني ذلك غياب التلاوين في تفسير دول الغرب، خاصة الولايات المتحدة، لهذه القرارات.

 من هنا تؤكد المعلومات التي توفرت آنذاك، أن بيريس كان أكثر حماسة من رابين في الاندفاع نحو مفاوضات أوسلو(والالتفاف على مفاوضات واشنطن) وأنه بذل جهوداً كبرى لتحرير رابين من التردد في إقدامه على اتفاق أوسلو. يومها قالت الصحافة الإسرائيلية إن بيريس كان يحلم بحل استراتيجي، يعتقد أنه لابد لإسرائيل أن تقدم بعض «التنازلات» لتحقيقه، بينما بقي رابين محكوماً بمعادلة «المصالح الأمنية»،  وهذا ما دفع رابين بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، للإخلال بتعهداته، منذ المحطة الأولى، حين عطل تطبيقات 13/12/1993، كما نص عليها الاتفاق، بدعوى أن معيار التطبيق هو أمن إسرائيل، وفي ظل هذه المعادلة أعلن رابين أنه لا نصوص ولا مواعيد مقدسة في الاتفاق، وأن أي خطوة جديدة في الاتفاق رهن بدراسة نتائج الخطوة السابقة ومدى استجابتها لمصالح إسرائيل الأمنية. وهي ذات المعادلة التي لجأ لها بيريس، عام 1996، عشية الدعوة لانتخابات مبكرة بعد اغتيال رابين، حين «أقنع» الجانب الفلسطيني بتأجيل إطلاق مفاوضات الحل الدائم (أيار1996) إلى ما بعد الانتخابات، والتي أتت، كما هو معروف، بالليكود، وعلى رأسه بنيامين نتنياهو، والذي بدأ يعطل تطبيقات أوسلو، ويجاهر بمعارضته له.

 مع نتنياهو دخلت القضية مرحلة جديدة، فهو يعارض أوسلو بما هو مشروع للوصول إلى حل مع الفلسطينيين لصالح كيان سياسي لهم، يتطلب انسحاباً إسرائيلياً من «يهودا والسامرة» (الإسم الذي بدأ يطلقه على الضفة الفلسطينية التزاماً بالفكر التوراتي). كذلك أطلق العنان لمشاريع الاستيطان، تجاوز بها ما كان قد خطط له حزب العمل في هذا الميدان. وأسقط شعار «الأرض مقابل السلام».

وقد بلور رؤيته للحل بشكل أكثر وضوحاً في رده على المبادرة العربية للسلام، حبن دعا الدول العربية إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتباحث حول المبادرة، والتفاهم على آلياتها، قبل أن يوافق عليها. وفي ظنه أن من شأن هذه الخطوة أن تكسر حاجز الحصار العربي، وأن تتيح لإسرائيل أن تقيم علاقات، ولو «غير رسمية»، مع الدول العربية صاحبة المبادرة، خاصة العربية السعودية، بما تحتله من مكانة مميزة في ميزان القوى في المنظومة العربية.

 وعلى هذه الخلفية عطل نتنياهو كل مبادرات «السلام». ومنها على سبيل المثال: رفض المبادرة السلام العربية، ودعا إلى تعديل آلياتها بإنقلاب سياسي. رفض مبادرة فرنسية لتشكيل مجموعة دعم أولية ترافق المفاوضات مع الفلسطينيين، كما عارض الإقتراح الأوروبي في كانون الأول 2013 لتطوير العلاقات مع إسرائيل والفلسطينيين إذا وقعتا على اتفاق سلام، كما عارض خطة الأمن للجنرال جو ألن الذي عمل مبعوثاً لوزير الخارجية الأميركي جون كيري في 2014. ثم عبر عن مخاوفه ورفضه أن يطرح الرئيس الأميركي باراك أوباما خطة سلام قبل انتهاء ولايته. وقد اعترف كيري، في وصف نتنياهو، في تشرين الثاني 2017 «لا يوجد في إسرائيل زعماء يريدون صنع السلام.. ومعظم أعضاء الكابينت في حكومة إسرائيل الحالية أعلنوا بشكل علني أنهم لن يؤيدوا إقامة دولة فلسطينية».

في 14/6/2009، وفي خطابه في جامعة بار إيلان، أعلن نتنياهو عن معادلته الجديدة «السلام الإقتصادي». وكما يقول أنطوان شلحت في كتابه «بنيامين نتنياهو: عقيدة اللاحل»، فإن خطاب نتنياهو من ألفه إلى بائه، وطريقة تسلل وقائعه (يؤكد) أنه يوجه أساساً ربما حصرياً إلى هذه الإدارة (إدارة أوباما ورداً على خطابه في جامعة القاهرة في 4 حزيران 2009). فقد تجاهل نتنياهو الطرف الفلسطيني بصورة تكاد تكون تامة، وفي حين اختار أن ينوه بمعاهدتي السلام اللتين وقعت عليهما إسرائيل مع كل من مصر والأردن بوصفهما نموذجين مقبولين عليه للتسوية المتوخاة إسرائيلياً مع «الطرف العربي». فإنه لم ينبس ببنت شفة فيما يخص الإتفاقات أو التفاهمات الإسرائيلية الفلسطينية السابقة لئلا يتم تأويل ذلك بأنه يشف عن تسليمه بها. وفي العام 2014 بلور نتنياهو ما تمكن تسميته عقيدة نتنياهو.

وبالعودة إلى شلحت تقرأ أن بن غوريون، وقد حاول تجاوز الصدام مع الفلسطينيين العرب داخل إسرائيل وتهميشهم، وإسقاط حق العودة وتجاوز الدول العربية المجاورة لإسرائيل، بلور رؤية إستراتيجية في الخمسينيات وأساسها إقامة علاقات خاصة وتحالفات على كل المستويات – استراتيجية، واستخباراتية وإقتصادية، مع دول ومجموعات عارضت السياسة العربية التي قادها الرئيس جمال عبد الناصر، نتج عنها ما يسمي آنذاك بـ «تحالف الضواحي»، شمل تركيا وإيران واثيوبيا ومجموعات عرقية ودينية في العراق وتركيا ولبنان وغيرها. وقد ألمح نتنياهو نفسه إلى هذه الإستراتيجية عينها في سياق خطاب ألقاه في وقت لاحق خلال مراسم إحياء ذكرى وفاة بن غوريون في سيدي بوكر في النقب في 27/11/2014. قال نتنياهو إن بن غوريون كان (..) يبحث عن التحالفات والشراكات. وقد رأى وجوب البحث عنها بما يتجاوز طوق العداء المحيط بنا، أي في دول سلكت منذ ذلك الحين طريقاً آخر. أما اليوم فقد نشأت فرص لإقامة الشراكات في الدائرة القربية مع دول تنظر بقلق إلى سعي إيران للحصول على السلاح النووي، وكذلك إلى صعود الجهاد العالمي.

وقد ترجم هذا إلى أربع خطوات مطلوبة شكلت أساساً لسياساته الآن وهي:

1) حدود منيعة مع الأردن، ومع سوريا، ووجود عسكري دائم على نهر الأردن، وحرية حركة لجيش إسرائيل.

2) السيطرة الأمنية الكاملة على الضفة الفلسطينية، مقابل كيان فلسطيني بصلاحيات «سياسية واقتصادية» فقط.

3) تعاون إقليمي بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة، كدول الخليج، وفي المقدمة السعودية.

4) منع إيران من التحول إلى دولة نووية.

أي أن نتنياهو دعا في خطواته الأربع إلى «بناء القلعة الإسرائيلية»، وتحصينها من كل الحدود، وتهميش الوضع الفلسطيني نحو كيان داخل الدولة الإسرائيلية وتحت هيمنتها التامة، مراهناً على دور الزمن في تآكل هذا الكيان وزواله وتحوله إلى «مجرد تاريخ»، وتعاون إقليمي بقيادة إسرائيل، والولايات المتحدة، عبر إعادة صياغة المعادلة بحيث يصبح الإرهاب والسلاح النووي الإيراني هو الخطر على المنطقة وليس الوجود والمشروع الإسرائيلي.

وبذلك يكون نتنياهو هو قد نحى جانباً الموضوع الفلسطيني، وأخرجه من المعادلة السياسية للإقليم، وأحل محله مصالح إسرائيل وأمنها، محوراً رئيسياً، بل المحور الرئيس للعلاقات والتحالفات الإقليمية العربية الإسرائيلية.

كان نتنياهو أكثر وضوحاً في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي يوم 24/10/2014 حين تحدث عن أن «تغييراً بطيئاً، لكنه واضح يجري الآن في الدول المحورية للعالم العربي التي تتطابق نظرتها مع نظرة إسرائيل حيال الكثير من التحديات التي تواجهها». وقد فسر هذه التحديات بأنها تأتي مما سماه «الإسلام المتشدد». أما بما يتعلق بالشأن الفلسطيني فقد قال نتنياهو التالي: «قيل دائماً إن التسوية مع الفلسطينيين ستؤهل الطريق لعلاقاتنا مع العالم العربي. وهناك بعض الحقيقة في الأمر، غير أن هناك حقيقة أخرى وهي أن التسوية مع العالم العربي قد تساعد على تسوية علاقاتنا مع الفلسطينيين». وأضاف مؤكداً رأيه «إن التسوية الإقليمية تصب في مصلحة الجميع (..) إن اتفاقات (..) في مجالات الطاقة والمواصلات والتجارة والزراعة والطب هي اتفاقات واقعية، لا بل إن العمل على تجسيدها قد بات جارياً وهي قد تخدم مصالح إسرائيل والدول المعتدلة في الشرق الأوسط بغية تكوين جبهة مشتركة لاغتنام الفرص وصد الأخطار».

«الواقع الجديد» كما يراه نتنياهو عكس نفسه في رؤية زعيم الليكود إلى مبادرة السلام العربية حين قال لصحيفة جيروزاليم بوست (24/9/2014) أنه «من جراء هذا الواقع الجديد  فإن مبادرة السلام العربية للعام 2002 لم تعد صالحة لتحقيق تسوية كهذه».

ولعل هذا هو واحد من الأسباب الكبرى التي قادت نتنياهو إلى رفض الاستجابة لمقترحات وزير خارجية الرئيس أوباما، جون كيري، الذي أعلن استسلامه أمام تعنت نتنياهو، وأعلن توقف وساطته بين إسرائيل والفلسطينيين ثم أفصح، في زيارة لاحقة له إلى دبي عن اعتقاده أنه لا يوجد في إسرائيل زعماء على استعداد للدخول في السلام.

كان على نتنياهو أن ينتظر رحيل الإدارة الديمقراطية، ومجيء الإدارة الجمهورية برئاسة دونالد ترامب. الذي أعلن عن صفقة القرن في مؤتمر الرياض في أيار 2017 بحضور أكثر من خمسين دولة عربية ومسلمة.

ودون الغوص في تفاصيل «الصفقة» بمحوريها الإقليمي والفلسطيني الإسرائيلي من حق المحلل والمراقب أن يتساءل عن أسباب الشبه والتقارب الشديد بين رؤية نتنياهو التي أعلن عن تفاصيلها بوضوح في العام 2014، وشاركه فيها الاستراتيجي الإسرائيلي الشهير غيورا إيلاند، وعن رؤية ترامب نفسه، للحل في الشرق الأوسط، وعن أسباب الترحيب «العربي» وحتى الفلسطيني بهذه الرؤية. ولعله لم تكن هناك مبالغة في القول إن رؤية ترامب، هي رؤية إسرائيلية (رؤية نتنياهو) لكن صيغت بمفردات أميركية وقدمت على أنها مبادرة أميركية.

من هذا كله نستطيع التوصل إلى الإستنتاجات التالية:

1) هناك فرق شاسع بين «الشرق الأوسط الجديد» الذي كان قد دعا له شمعون بيريس، وذاك الذي يدعو له نتنياهو. بيريس دعا إلى استغلال الحل الإسرائيلي – الفلسطيني للضغط على العرب للتطبيع مع إسرائيل. لذلك منح حبل اهتمامه للوصول إلى حل مع الفلسطينيين، تحت سقف أوسلو، في إطار كيان سياسي، يشكل أمن إسرائيل ومصالحها المعيار الرئيس لتشكيله ومواصفاته وحدود صلاحياته. بينما يدعو نتنياهو إلى منح الأولوية للتطبيع مع العرب، للضغط على الفلسطينيين للقبول بالتسوية التي تحدث عنها، وصاغتها رؤية ترامب لاحقاً. ورغم الفارق الكبير إلا أن الجانبين، بيريس ونتنياهو، اعتبرا مصالح إسرائيل هي المعيار، وأقاما رؤيتهما استناداً إلى موازين قوى دولية وإقليمية وفلسطينية، كل في زمانه.

2) رؤية نتنياهو، سابقة على رؤية ترامب. وما كان نتنياهو يطبقه، قبل صدور رؤية ترامب، كان يندرج في سياق رؤيته الخاصة التي ترجمها ترامب لاحقاً. ما يعني، في السياق، أن تطبيق رؤية نتنياهو، لن يكون رهناً ببقاء ترامب في البيت الأبيض أو رحيله، إذ حين ولو فاز  بايدن، فإن رؤية نتنياهو لن تتغير، فقد أصبحت «رؤية اجماع قومي» في إسرائيل، يلتقي معها الصف العريض من الأحزاب اليمينية، ومنها حزب كاحول لافان. وبالتالي فإن أية سياسة إنتظارية تراهن على تغيير في البيت الأبيض، ما هي إلا مضيعة للوقت. وكذلك تشكل مضيعة للوقت أية رهانات على إنتخابات إسرائيلية مبكرة، فالفائز فيها سيكون نتنياهو. وحتى ولو أبعد الليكود زعيمه نتنياهو، لأسباب قضائية فإن الحكومة التي يتزعمها الليكود وتحالفاته، ستبقى على موقفها بتطبيق رؤية نتنياهو.

3) مما لاشك فيه أن من العوامل التي ساعدت نتنياهو على بلورة رؤيته تلك، التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، وتصاعد التوتر بين محاوره المختلفة، خاصة المحور السعودي – الإيراني، الذي لعب دوراً في إعادة صياغة المعادلات الصراعية في المنطقة، فأسقط معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي، لصالح معادلة الصراع العربي – الإيراني، بكل تمظهراته المفتعلة والمركبة، قومياً (عربي – فارسي) ودينياً (شيعي – سني)، ما وفر الفرصة لإحداث التقاطع في المصالح الإقليمية بين إسرائيل والدول العربية «المعتدلة»، وأفسح في المجال لعلاقات غير رسمية مع عدد من دول الخليج. (البحرين، عمان،  قطر، الإمارات) من ثمارها الخطوة الإماراتية في 13/8/2020.

4) كذلك من الضروري الإشارة إلى ما شهدته المنطقة العربية من تطورات  على مستوى البلد الواحد، ومن تطورات مع مطلع العام 2011 (تونس، مصر، ليبيا، سوريا، اليمن، العراق، ولاحقاً لبنان) وما أدت إليه من تفتيت للهويات الوطنية والقومية، وتشققات في المفاهيم والقيم والثقافات، أدت إلى تشوهات وإنزلاقات خطيرة، تكاد أن تشكل أرضية خصبة لتقبل الدعوات الإقليميةـ ومفاهيم الصراعات المحورية بديلاً للصراع العربي الإسرائيلي.■

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت