- عبدالحميد الهمشري
ترامب يتفاخر دوماً وبالفم المليان، أنه الرئيس الأميركي الأجرأ في تاريخ الولايات المتحدة بالنسبة لليهود، مع أنه في كل خطواته التي خطاها تؤكد سيره على درب من سبقوه من الرؤساء الأمريكيين في دعم الصهيونية واغتصاب الأرض الفلسطينية وفرض الإرادة الصهيو أمريكية على العرب، ابتداء من ويلسون واضع المبادئ الأربعة عشر لأسس السلام العالمي والمنشئ الحقيقي لعصبة الأمم التي أنشئت على نهجها هيئة الأمم المتحدة ، فترومان فجونسون فكارتر فالبوشين الأب والابن فكلينتون فأوباما وغيرهم من الرؤساء الأمريكيين الذين لم ترد أسماؤهم.
ترامب يتفاخر ويقول أنه الرئيس الأمريكي الأوحد الذي وعد اليهود وتعهد لهم وأوفى بكامل وعوده وتعهداته التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، من الاعتراف بضم الجولان وحتى الاعتراف بالقدس عاصمة لها وبشرعنة الاستيطان والمستوطنات وإلغاء حق عودة اللاجئين ووقف الدعم عن الفلسطينيين وإضعاف الأونروا تمهيداً لإلغائها ، والموافقة على ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية ، وأنه وفق قوله صنع ما صنع دون أن يصادف أي اعتراض على ما اتخذه من قرارات ، أو ما ينغص على العدو الصهيوني صفو أمنه أو ترك أي أثر سلبي على العلاقات الأمريكية العربية ، دافعاً الأميركيين لأن يستمروا في حب اليهود أكثر .
في المقابل نتنياهو يتفاخر بما حققه من إنجازات للكيان العبري على الصعيد السياسي والدولي والإقليمي حيث تحقق له ما أراد بفعل جهوده التي بذلها للحصول على صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهي بذات الصيغة التي اعتمدها نتنياهو تبناها ترامب ، حقق وفق ما يرى طموحات الحركة الصهيونية وفق ما اعتمده مؤتمر بال في سويسرا عام 1897، حيث صنع لبني جلدته من اليهود ما لم يتمكن من صنعه أي زعيم سياسي في الدولة العبرية منذ إنشائها في العام 1948 ، فكرس كل همه على رفض أي حل يقضي بوجود دولتين ما بين البحر والنهر ، وتمكن بحنكته وخبثه من الحصول على اعتراف واشنطن بالقدس كعاصمة أبدية للكيان الصهيوني والاعتراف بالمستوطنات القائمة كجزء من الدولة العبرية ، كما تمكن من إذابة الجليد الذي كان يكتنف علاقات كيانه الهش ويقف عائقاً أمام تطوير تلك العلاقات بالرسمية العربية رغم قمعه المتواصل للفلسطينيين وإجراءاته ضد القدس العربية أرضاً وسكاناً ومقدسات ، وإقدامه على تنفيذ خطوات من جانب واحد تفضي للقضاء على حل الدولتين المتبنى من الرسمية العربية .. إلى جانب تطوير علاقات الكيان العبري بالدول الإفريقية وعلى حساب من يجاملونه من العرب خاصة في وحدة وادي النيل.
ومع أن الأول أدرك حجم الكارثة التي أقدم عليها من إلحاقها الضرر بصدقية بلاده في المحافل الدولية وتناقضها وأسس العلاقات الدولية التي رسمها ويلسون ومن خلفوه من رؤساء أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية والمواثيق والعهود الدولية، فهو يحاول الآن التملص من قرارات اتخذها تخدم اليمين الصهيوني المتطرف من الآيباك وحتى فلسطين المحتلة ، ونأى بنفسه الآن عن تداول الموضوع بسبب الكورونا وقضايا أخرى تهم المجتمع الأمريكي والسيادة الأمريكية والتي أفشلت جهوده على الصعيد المحلي الأمريكي في ترتيب أوراقه من جديد بانتخاباته القادمة ، فلم يسارع لمنح نتنياهو الفرمان الذي يمنحه الحق في التصرف في الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية ، وأضعفت موقف حلفائه في المنطقة العربية التي أصبحت بفعل السياسة الأمريكية الخرقاء أرضها رمال متحركة لا يمكن التكهن وقتياً بما ستؤول إليها الأمور مستقبلاً أمام التدخلات الصهيو إيرانية تركية بظلال أمريكية التي باتت تعبث بالمنطقة العربية جواً وأرضاً وبحراً وتتهدد سلامة بنى كل دولة من دوله وأكبر دليل على ذلك ما يجري في لبنان والعراق وليبيا وسوريا والسودان واليمن من اعتداءات وتدمير وتجويع وحراكات وما تتعرض لها مصر والسودان من تهديد في حجب مياه النيل عنهما ستؤول في حال تنفيذها بالشكل المرسوم صهيونياً لعطش وتصحر أراضيهما وتجويع الشعب العربي فيهما وكل هذا يجري والعرب في غياهب التجاهل النسيان.
الآن نتنياهو شديد الحرص على تنفيذ ما منحته إياه الصفقة وهو يتخذ إجراءاتها بصمت وما يرغب فيه هو الحصول على شرعية إجراءاته بفرمان ترامبي جديد يفرض على العرب عض الطرف عما قام به وما سيقوم به من إجراءات ضد الفلسطينيين مستقبلاً لهذا يتهم ترامب بعرقلة مخططات الدولة العبرية في الضفة الغربية ، لهذا فإنه أي نتنياهو لا يمانع في الوقوف ضد أمريكا الحليفة له في المنطقة، لا سيما في ظل عرقلة مخططات الضم التي يسعى إلى تمريرها لضمان بقائه في السلطة ، مؤكداً أنه كان واضحا من البداية أن تطبيق السيادة لن يتم إلا بالاتفاق مع الولايات المتحدة، ولولا ذلك، لكان قد فعلها منذ فترة وفقا لـ"جيروزاليم بوست" العبرية ، متهماً ترامب إنه مشغول حاليا بأمور عديدة، لكنه لا يفكر في تنفيذ خطة فرض السيادة اليهودية على الضفة الغربية معرباً عن أمله في أن تتمكن الدولة العبرية في المستقبل القريب من المضي لتطبيق السيادة.
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت