تهدئة كورونا

بقلم: جبريل عودة

جبريل عوده
  •  بقلم : جبريل عوده*

كانت جولة من معركة مستمرة , شكلت فيها وسائل المقاومة الشعبية " البالونات الحارقة " قوتها الضاربة بحماية غرفة العمليات المشتركة للمقاومة , التي رسخت قاعدة " القصف بالقصف" كقانون يحكم ميدان المواجهة في قطاع غزة حين حاول الإحتلال تغييرها , يعلم العدو جيداً أن المقاومة كانت جادة في كل تصريح وموقف , الأوضاع في غزة كانت أقرب إلى الإنفجار والمواجهة الشاملة مع الإحتلال في معركة كسر الحصار الصهيوني الظالم على قطاع غزة .
 منذ بداية "أغسطس آب" الماضي قامت وحدات الشباب الثائر بإستئناف إطلاق البالونات الحارقة إتجاه مستوطنات غلاف غزة , وقف الإحتلال عاجزاً عن إيقاف إطلاق البالونات الحارقة والمتفجرة رغم إعلانه إدخال منظومة الليزر التي تسمى " لهيب الضوء " من إنتاج وزارة الحرب الصهيونية , وقد أثبتت الأحداث فشلها في أداء مهمتها , مع إستمرار إندلاع مئات الحرائق في مستوطنات غلاف غزة خلال الموجة الأخيرة .
 سعى الإحتلال لتغيير معادلات الإشتباك التي رسختها المقاومة في الجولات القتالية السابقة , من خلال محاولته إيقاف البالونات الحارقة والمتفجرة عبر قصف مواقع وأهداف المقاومة داخل قطاع غزة , إلا أن غرفة العمليات المشتركة أطقلت صواريخها نحو مستوطنات غلاف غزة رداً على عمليات القصف الصهيونية , تدخل الوسيط المصري ولحقه به الوسيط القطري , وقد فشلت جهودهما لتهدئة الأوضاع الميدانية لتعنت الإحتلال برفضه لمطالب المقاومة المتعلقة بكسر الحصار عن غزة.
 الدخول في معركة كسر الحصار, حاز الإجماع الفصائلي والشعبي , وإستعدت المقاومة بكافة أطيافها لهذه المعركة عبر غرفة العمليات المشتركة , وسط إلتفاف شعبي كبير وتأييد ملحوظ من النخب الفكرية والثقافية لهذه المعركة , فلم يعد أحد يطيق الصمت على هذا الحصار الذي يخنق الحياة في غزة وأثاره الكارثية ماثلة في كل زاوية من القطاع الصامد.
المستجد على ساحة قطاع غزة , ظهور حالات مصابة بفيروس كورونا داخل المجتمع, وبذلك يكون وباء كورونا قد وجد طريقه لشوارع وأزقة مدن ومخيمات غزة المكتظة بأعلى كثافة سكانية في العالم , ليصبح الخطر داهم وحقيقي , ويحتاج لكل الجهود وكافة الإمكانيات والطاقات المادية والبشرية لوقف تمدده داخل المجتمع , وهذا ما استدعى إعلان حالة الإستنفار العام في كافة الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسة الأمنية والشرطية , التطور الوبائي المفاجئ وتغلغله للمجتمع الغزي ,كان له الأثر في ترتيب أولويات المقاومة في قطاع غزة .
 لم يتوقف إطلاق البالونات الحارقة والمتفجرة بعد إكتشاف الحالات المصابة بالكورونا داخل غزة , وأبدت المقاومة عبر بيانات فصائلها وتصريحات قادتها عزمها على الإستمرار في معركة كسر الحصار, ولعل أبرز هذه التصريحات للسيد إسماعيل هنية بتاريخ (30-8) عندما قال " إن قرار الشعب الفلسطيني وقرار حركة "حماس" المضي في إنهاء الحصار الظالم بمختلف أشكاله عن قطاع غزة، مؤكدا أن المشكلة الأساسية هي في الاحتلال وتعنته، ورفضه التعاطي مع مطالب الشعب الفلسطيني العادلة" , وعبرت وحدات الشباب الثائر عن تناغمها مع هذا الموقف عبر تكثيف إطلاق البالونات والحوامات الحارقة والمتفجرة وقد زادت أعداد الحرائق اليومية , بل وصلت بالونات غزة إلى مناطق أبعد عن مستوطنات الغلاف , وأصبحت تشاهد وهي تطير فوق مدينتي بئر السبع وأسدود المحتلتين .
عادت الوساطة القطرية من جديد وبين يديها مستجد كورونا مع إصرار المقاومة على مطالبها بإنهاء الحصار الصهيوني عن غزة , كانت المفاوضات ليست سهلة والخيارات تحسم بعناية بإتجاه المصلحة العليا لشعبنا بغزة , تم التفاهم من خلال الوساطة القطرية على إتفاق للهدوء, من خلال هذا الإتفاق المرهون تطبيقا خلال شهر واحد كمهلة أعطتها المقاومة للإحتلال من أجل تنفيذ خطوات كسر الحصار عن غزة , من أبرزها إنهاء أزمة الكهرباء عن طريق الخط "161" وكذلك إمداد محطة توليد الكهرباء بالغاز , إلى جانب مشاريع التشغيل والبنية التحتية وتطوير المناطق الصناعية داخل قطاع غزة مما قد يساهم بالحد من مشكلة البطالة التي يعاني منها القطاع, كما شمل الإتفاق إدخال كافة المعدات الطبية والأدوية لمواجهة تفشي وباء كورونا داخل غزة ,ومساعدات إغاثية عاجلة للمتضررين من الوباء.
في إعتقادي أن العامل الرئيسي لإنتاج هذا الإتفاق هو ظهور فيروس كورونا الخطير داخل قطاع غزة , فالمقاومة قد تهيأت لمعركة كسر العظم في ملف الحصار , وكانت ستمضي في المعركة حتى كسر الحصار وإنهائه إلى الأبد, ولعل مهلة الشهر من أجل تطبيق ما جاء في التفاهمات , قد يكون صاعق التفجير للمعركة القادمة , فالإحتلال لن يلتزم بأي إتفاق أو تفاهم وسرعان ما يفشله ويتجاهل إستحقاقاته , ولن تطول الأيام حتى تدخل غزة معركة كسر حصارها الجائر كخطوة إستراتيجية على طريق التحرير والإستقلال .
 كاتب وباحث فلسطيني 1-9-2020م

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت