- بقلم : صلاح صبحية
بعد طول عناء وانتظار ، وتوسط هنا وهناك ، وخيبات أمل متعددة على مدى فترة طويلة من الزمن ، وبعد ضربة الفأس الإمارتية في الرأس الفلسطينية التي جاءت تتويجاً لصفقة القرن صفقة ترامب - نتن ياهو ، استفاق الوعي الفلسطيني لدى الفصائل الفلسطينية ليأتي الجميع إلى طاولة حوار فلسطينية بلغة فلسطينية من أجل أهداف فلسطينية ، وانعقد مجلس الأمناء العامين لعموم الفصائل والتنظيمات الفلسطينية ما بين داخل الوطن وخارجه وفق تقنيات العصر التكنولوجية ، والذي كان انعقاده محل شك لدى بعض أبناء شعبنا الفلسطيني نتيجة فقدان الثقة بين الشعب الفلسطيني وقياداته .
ما بين بيروت ورام الله انعقد مجلس الأمناء مؤكداً في انعقاده على جوهر مسألة هامة في العلاقات الفلسطينية الداخلية وهي أنّ الفلسطينيين قادرون على الالتقاء مع بعضهم والجلوس إلى جانب بعضهم والتحدث مع بعضهم كما الاستماع إلى بعضهم البعض وذلك دون وسيط بينهم ودون أن تكون أي عاصمة هي مربط خيلهم ، فبيروت كانت تشكل وما زالت نبضاً نضالياً في الجسد الفلسطيني فهي عنوان نضال و صمود ما زلنا نتغنى به على امتداد عقود أربعة ، وبيروت كانت تجسد علاقة الوطني الفلسطيني بالقومي العربي ، وبيروت كانت وما زالت عنوان الحرية السياسية والانعتاق من استبداد الفكر والرأي ، ولم ينسى الفلسطينيون ذلك فأعادوا لها وجهها العروبي حيث كادت تنتحر بانفجار مينائها قبل نحو شهر من الزمان ، فأعاد الفلسطينيون لبيروت مكانها الطبيعي على طاولة العمل القومي حيث تخمرت بالكوفية الفلسطينية من جديد .
في مجلس الأمناء تجسد الحلم الفلسطيني بلقاء الكل الفلسطيني، واللقاء بحد ذاته كان إنجازاً وطنياً لحركتي فتح وحماس خاصة ولعموم الفصائل والقوى الفلسطينية عامة ، انطلاقاً من خطورة المرحلة التي تعيشها المنطقة العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة ، انهيار عربي على جميع المستويات البنيوية والسياسية والعسكرية وحتى الثقافية ، واختراق امريكي صهيوني لعقل الحاكم العربي الذي بات مهيئاً لقبول العدو الصهيوني وما يشكل في المنطقة بأن دولته هي جزء من جغرافية المنطقة العربية، وما دامت كذلك فلم يعد مانعاً لدى البعض العربي أن يطبع علاقاته مع الكيان الصهوني ، بل وصل الأمر بالانهيار العربي إلى عدم أخذ الاعتبار لأي موقف فلسطيني بما فيها المطلب الفلسطيني لانعقاد جلسة طارئة لمجلس الجامعة العربية لمناقشة خطوة دولة الإمارات العربية المتحدة التطبيعية مع العدو الصهيوني ، بل وصل الانهيار إلى مدى أبعد من ذلك وهو الرفض العربي لإدراج ذات الموضوع على جدول أعمال مجلس الجامعة العربية في جلسته التي ستعقد يوم ٢٠٢٠/٩/٩ ومناقشة الموضوع تحت البند العام للقضية الفلسطينية، وإن دلّ هذا على شيء فهو يدل على مدى تراجع القضية الفلسطينية من قضية مركزية لعموم الدول العربية إلى قضية ثانوية لا تستحق الاهتمام بأي تطور يحدث عليها ، ويدل أكثر من ذلك على نفض بعض العرب أيديهم من القضية الفلسطينية، لذلك يجيء انعقاد مجلس الأمناء هذا لتأكيد الاعتبار على أهمية القضية الفلسطينية على الساحة العربية .
وفي مجلس الأمناء تكلم الجميع وعلى مرأى من الكل الفلسطيني والعربي والعالمي كرسالة موجهة إلى العدو الأمريكي الصهيوني أولاً وإلى الدول العربية ثانياً وإلى دول العالم ثالثاً بأنّ الفلسطينيين قادرون على التوحد واتخاذ موقف موحد في اللحظة الحرجة التي تتطلب وحدة الموقف الفلسطيني لصون وحماية الحقوق الفلسطينية ولتأكيد التمسك بمشروعهم الوطني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام ١٩٤٨ وحقهم بتقرير مصيرهم بإرادتهم ، وأنهم كانوا وما زالوا أكبر من كل محاولات شطبهم من الخارطة الجغرافية والسياسية .
لسنا هنا في معرض ماذا قال الأمناء ، أين أصابوا وأخطأوا ، وأين تقدموا وتراجعوا ، لأنّ المطلوب الفلسطيني هو تعزيز شكل ومضمون هذا المجلس بما يجسد من أهمية لقاء الكل الفلسطيني على طاولة حوار فلسطينية ، والمطلوب تعزيز نتائج هذا المجلس بتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية من خلال العمل على إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة والتئام قطاع غزة والضفة والقدس في وحدة سياسية واحدة ، وعودة الحياة إلى المؤسسات الفلسطينية في منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لكل شعبنا العربي الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ، وتشكيل القيادة الوطنية الموحدة لقيادة المقاومة الشعبية في كل أنحاء الوطن .
فالوضع الفلسطيني بحاجة إلى رص صفوفه بعيداً عن أية مناكفات ومماحكات تقوض وحدته الوطنية ، ولا يحتاج وضعنا اليوم إلى التشريح بقدر ما يحتاج إلى الترميم والبناء وإعادة تدفق الدماء في العروق ، وليكن مجلس الأمناء ونتائجه هو دليل نضالنا اليومي ونحن نواجه صفقة القرن ومفرزاتها .
٢٠٢٠/٩/٥ صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت