قراءة في نتائج اجتماع الأمناء العامين [رام الله – بيروت – 3/9/2020]

بقلم: علي فيصل

علي فيصل
  •  علي فيصل

   عضو المكتب السياسي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

وعضو وفدها إلى مؤتمر الأمناء العامين في بيروت

يشكل اجتماع الأمناء العامين، والرئيس محمود عباس، في حلقتين، في رام الله وبيروت (3/9/2020) حدثاً سياسياً مهماً. فقد انعقد في ظل سياقات سياسية ودولية وإقليمية وتطورات عربية وفلسطينية شديدة الأهمية، أخلت بالعديد من المعادلات، وأسقطت العديد من النظريات، وكشفت هشاشة الرهانات الهابطة، وصعوبة، بل إستحالة، التهرب من المواجهة الحتمية، وأكدت بالمقابل صحة المواقف التي دعونا وناضلنا في سياقها من أجل إنهاء الوضع الشاذ، المتمثل بمشروع أوسلو، والشروع في تطبيق جاد لقرارات المجلسين الوطني  والمركزي، وإنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الداخلية، وإطلاق مقاومة شعبية بكل أشكالها المتاحة، تقود إلى تفجير إنتفاضة شعبيته الشاملة على طريق التحول إلى العصيان الوطني، في مجابهة صفقة ترامب نتنياهو، وإسقاط خطة الضم، وتفكيك الإستيطان، ودحر الإحتلال، والفوز بالحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا، في تقرير المصير، والإستقلال والعودة.

في محاولة أولية لتقييم الحدث التاريخي الذي شهدته القضية الوطنية الفلسطينية، يمكن لنا أن نسجل التالي:

 

أولاً: على الصعيد السياسي

1) انعقد الإجتماع القيادي، في الوقت الذي مازالت فيه الإدارة الأميركية تدفع باتجاه تطبيق «رؤية ترامب»، بتحقيق مكاسب تعتقد أنها توفر لها عناصر قوة إضافية في معركة تجديد ولاية الرئيس ترامب في 3/11/2020، في ظل أوضاع أميركية تنحاز لصالح منافسه الديمقراطي جو بايدن، إن في فشل ترامب وإداراته في مكافحة كورونا، أو في منع التراجع في الميزان الإقتصادي للبلاد، بما في ذلك انضمام الآلاف من الأميركيين لجيش العاطلين عن العمل، أو في الحد من تصاعد الحملة ضد سياسات التمييز العنصري والممارسات الدموية للشرطة في أكثر من ولاية، أعادها المراقبون إلى سياسة التحريض التي اتبعها ترامب ضد الملونين في الولايات المتحدة، وضد المهاجرين، ولصالح إعلاء قيمة «الرجل الأبيض» بمنطق فاشي، ينسجم ومبادئه ومفاهيمه القائمة على تقديس المنفعة الشخصية، على حساب المصالح العامة، والإستخفاف بالرأي العام، واعتماد لغة غاية في الجلافة واللؤم في مخاطبة خصومه ومعارضيه، زاد من الطين بلة، حالة الإنفصال التي شهدتها إدارته، وما تلاها من فضائح سياسية وشخصية، لعل آخرها ما أصدره مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون، وابنة شقيقه، من كتب أثارت الرأي العام ضد ترامب، وأضعفت موقعه.

لذلك يحاول ترامب أن يعوض خسائره في الداخل عبر معارك في الخارج، إن في التصعيد ضد الصين، وروسيا، كوبا، وفنزويلا، وسوريا، وإيران، وغيرها، أو في الدفع نحو خطوات تطبيقية «لرؤيته» في منطقتنا، على محوريها الإقليمي والفلسطيني، بتوفير الدعم والإسناد السياسي والمالي والعسكري لدولة الإحتلال، من جهة، ودفع الأنظمة العربية لفك الحصار عن دولة الإحتلال، والدخول في شراكة معها، وتحويل الحصار ضد القضية الوطنية لشعبنا، وحقوقه الوطنية المشروعة.

2) انعقد الإجتماع القيادي وقد خطا النظام السياسي لدولة الإمارات العربية المتحدة خطوة خطيرة في 13/8/2020 تمثلت في الإعلان في بيان ثلاثي أميركي إسرائيلي إماراتي عن معاهدة سلام بين أبو ظبي وتل أبيب، وفق المعيار الإسرائيلي، والقائم كما قال نتنياهو، على «السلام مقابل السلام» في خطوة وصفت بأنها طعنة بخنجر مسموم في ظهر الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وفي إنتهاك فظ وفاقع لمبادرة بيروت (2002) للسلام مع إسرائيل التي رهنت العلاقة مع إسرائيل بالإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة في عدوان حزيران 67، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على حدود 4 حزيران 67 وعاصمتها القدس المحتلة، تلا ذلك تطورات لا تقل خطورة تمثلت في سماح كل من العربية السعودية والبحرين للطيران الإسرائيلي بالعبور في أجوائها بشكل دائم، ما يعتبر شكلاً موارباً من أشكال التطبيع ومقدمة لخطوات لاحقة، تماثل خطوة نظام الإمارات، ولكن في اللحظة المناسبة كما تسعى الإدارة الأميركية.

كما تلا ذلك الحديث الواضح عن استعداد دول عربية أخرى للإلتحاق بنظام الإمارات، كما هو حال البحرين، وقطر، وعمان.

إن خطوة نظام الإمارات ليست، كما توصف تطبيعاً للعلاقات مع دولة الإحتلال. هذا الإدعاء بالتطبيع يشكل تزييفاً للحقائق والوقائع والمفاهيم والقيم الوطنية، القومية وقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية فالعلاقات «الطبيعية» بين الدول العربية ودولة الإحتلال، وبموجب مبادرة بيروت (2002) وقرارات الشرعية الدولية وقرارات القمم العربية والمسلمة، يجب أن تقوم على المقاطعة مع إسرائيل وفرض الحصار عليها، وعزلها دولياً، ونزع الشرعية عن ممارساتها، وإحتلالها للأرض الفلسطينية والعربية، ومساءلتها عن جرائمها ضد شعبنا وضد الإنسانية، أمام محكمة الجنايات الدولية، ودعوة الدول الصديقة للوقوف إلى جانب شعبنا وقضيته.

أما ما أقدم عليه نظام الإمارات، فهو خطوة تتجاوز حدود التطبيع نحو إقامة حلف إقليمي وتحالفات سياسية وإقتصادية وأمنية، تأخذ المنطقة العربية، ودولها وشعوبها، نحو حالة بديلة، يفرض فيها الحصار على شعوبها وإستغلالها والتحكم بها، والقضاء على القوى والأحزاب والمؤسسات والجماعات والقيم الوطنية القومية والحداثية، ونشر ثقافة الإلتحاق بالمشروع الأميركي الإسرائيلي، إن على مستوى الجماعات والأنظمة والمؤسسات، أو على مستوى الأفراد، لدوافع نفعية وإنتهازية، محلية وإقليمية.

3) انعقد الإجتماع القيادي في وقت بدأت فيه قيادة السلطة الفلسطينية تتحسس بشكل واضح وملموس خطورة التحول العربي؛ وخطورة انكشاف موقفها عربياً. فعدا عن خطوة نظام الإمارات، وخطوة العربية السعودية والبحرين، والوعود العربية بخطوات مماثلة نحو الإنفتاح والتحالف مع إسرائيل، طغت على الحالة في المشرق والمغرب مواقف الترحيب بالخطوة الإماراتية وتأييدها، وكان خافتاً إلى حد كبير الموقف العربي الرسمي الرافض، بحيث  اكتفت العواصم العربية الرافضة للخطوة بإعلان تأييدها للقضية والحقوق الفلسطينية دون أن  تحمل نفسها عناء الدخول في إشتباك مع السياسة الأميركية ومع الإمارات.

وكان بارزاً ومقلقاً إلى حد كبير، تجاهل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية الدعوة الفلسطينية لإجتماع عاجل لمجلس الجامعة، وهو ما يحصل للمرة الأولى، ما يحمل في طياته إشارات شديدة الخطورة على المنحى السياسي الذي باتت فيه الجامعة العربية تنزلق نحو السياسات المكشوفة، والمغطاه في الوقت نفسه من قبل العواصم العربية الأكثر نفوذاً في المنطقة.

وكان مرئياً للجميع الموقف الذي عبر عنه الرئيس عباس في كلمته أمام الأمناء العامين، حين أكد إصراره على طرح مسألة التطبيع في مجلس الجامعة في 9/9/2020، خاصة وأن الرئاسة الدورية هي لفلسطين، في وقت يتوقع فيه الجميع أن تشكل هذه القضية عنصر توتير في أوضاع الجامعة، مع احتمالات شتى، خاصة إذا ما حزمت الدول الرافضة للتطبيع أمرها ووقفت إلى جانب فلسطين.

4) انعقد الإجتماع القيادي، بعد أيام قليلة على اجتماع الرباعية الدولية التي انفصل فيها المندوب الأميركي عن باقي الأعضاء، ورفض  أن تجدد الرباعية الدولية جهودها لإستئناف المفاوضات، بناء لطلب الطرف الفلسطيني، بموجب «مرجعية الشرعية الدولية والمبادرة العربية»، ودعا بدلاً من ذلك إلى إعادة النظر بمهام الرباعية، لصالح رعاية مشاريع تنموية وإنسانية في المنطقة (عملاً بتوصيات ورشة البحرين) وتشجيع الأطراف العربية على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، أي تنفيذ صفقة ترامب «ورؤيته». الرد الروسي كان واضحاً حين أكد أن الرباعية الدولية مفوضة فقط لرعاية المفاوضات، وليس لمهام أخرى تتعلق بالتطبيع وغيره. الموقف الأميركي تمترس خلف الدعوة لمفاوضات فلسطينية – إسرائيلية بموجب «رؤية ترامب» بإعتبارها الورقة الوحيدة المؤهلة للوصول إلى حل. ما يعني في السياق أن دعوات السلطة الفلسطينية ورهانها على إستئناف المفاوضات تحت رعاية الرباعية الدولية دونه صعوبات وعراقيل أميركية وإسرائيلية (وعربية)، من شأنها أن تبقى السلطة الفلسطينية في حالة من المراوحة، والإنتظار، الأمر المقلق سياسياً، خاصة وأن خطة ترامب – نتنياهو، تتحرك بشكل حثيث، الأمر الذي يتطلب البحث في مخرج جديد، لن توفره للحالة الفلسطينية سوى العودة إلى أحضان م.ت.ف وإعادة الإعتبار لها، من خلال إنهاء الإنقسام، وإستعادة الوحدة الداخلية وإنتهاج سياسة أخرى، تعوض الإنكشاف السياسي العربي، وتعوض فشل الرهان على الرباعية، وتصون أوضاع م.ت.ف من الإنهيار، إذا ما بقيت على رهانها على إتفاق أوسلو ومشروعه للتسوية.

في هذا السياق انعقد الإجتماع القيادي، وفي هذا السياق ولدت قراراته كما تمثلت في البيان الختامي. فماذا في هذه القرارات، وما هي أهميتها وأي مدى حققته إيجاباً لصالح الحالة الوطنية؟.

في مراجعة للبيان الختامي يمكن لنا أن نسجل التالي:

 

أولاً: على الصعيد السياسي

تميز البيان الختامي بتماسك ملحوظ في جانبه السياسي بما يتعلق بالقضية الفلسطينية والحقوق الوطنية.

 • فقد أعاد التأكيد على وثيقة الوفاق الوطني (غزة 26/6/2006)، في تعريفها للحقوق الوطنية الفلسطينية في تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة على حدود 4 حزيران 67، وعاصمتها القدس المحتلة. وحل قضية اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها وعلى أساس القرار 194، وهي وثيقة الإجماع الوطني الفلسطيني دون استثناء.

البارز هنا أن البيان تجاهل مسألة «حل الدولتين»، وهو أمر إيجابي يعيد الإعتبار للبرنامج الوطني بكل عناصره.

كما فسر العودة إلى« الديار التي هجروا منها» ولم يتركها غامضة حمالة أوجه وتفسيرات قد تلتقي مع الحلول البديلة لحق العودة، كما حصر مرجعية حق العودة بالقرار 194 ، ولم يأت على ذكر مبادرة السلام العربية (كما في مرات سابقة) والتي أسقطت عمليا حق العودة من سلامها المعروف. وهذا كله يندرج في الجانب الإيجابي.

شدد على الموقف الوطني الجامع في رفض صفقة ترامب ــ نتنياهو، وخطة الضم، ورفض كل المشاريع الهادفة إلى تصفية القضية الوطنية ( البديلة لحق تقرير المصير والاستقلال والعودة) والتمسك بالقدس (عاصمة الدولة الفلسطينية) وإدانة كل مظاهر التطبيع مع الاحتلال، (في إشارة بالنص للبيان الأميركي الإسرائيلي – الإماراتي) باعتبارها طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية .أي أن البيان حسم النقاش حول البرنامج الوطني الواجب اعتماده في المواجهة الوطنية، ووضع حداً للنقاش الدائر في بعض الأوساط، وجدد الالتزام بالبرنامج الوطني ( البرنامج المرحلي ) باعتباره هو الوحيد الذي يستجيب، في ظل الظروف والموازين الراهنة، لمتطلبات النضال والقضية الوطنية الفلسطينية.

  •  أشار بوضوح إلى التغيير في «قواعد الاشتباك مع الاحتلال» مستندا إلى حق شعبنا «في ممارسة الأساليب النضالية المشروعة(..بما في ذلك) تطوير وتفعيل المقاومة الشعبية كخيار أنسب للمرحلة. المقاومة باعتبارها حقا كفلته المواثيق الدولية من حق الشعوب مقاومة الاحتلال».

ما يعني في السياق التراجع عن الدعوة إلى المقاومة الشعبية «السلمية»، ما يلتقي مع موقفنا ونضالنا من أجل مقاومة شعبية بكل أساليب النضال المتاحة ونحو انتفاضة شاملة وعلى طريق التحول إلى عصيان وطني شامل لدحر الاحتلال.

ويعتبر هذا بشكل واضح، خطوة إلى الأمام في الخطاب الرسمي الفلسطيني، يعكس مدى تأثير المتغيرات على قرارات وتوجهاته ومدى تأثير الضغط الجماهيري عليها لتعديلها وتغييرها وتطويرها، إذا ما قورن هذا الخطاب على سبيل المثال، بالتصريحات الرسمية وبيانات اللجنة التنفيذية في الأسابيع السابقة التي لم تكف عن التمسك بالدعوة لاستئناف المفاوضات تحت رعاية الرباعية الدولية والدعوة لمقاومة شعبية سلمية.

 لقد أعاد البيان الختامي التأكيد على ما يسمى بالثوابت الوطنية الفلسطينية وأنهى حالة من البلبلة السياسية  التي كانت تتحمل مسؤولياتها السياسة التكتيكية للسلطة الفلسطينية والدعوات العبثية لبرنامج بديل للبرنامج المرحلي.

 

ثانياً على الصعيد التنظيمي والمؤسساتي

حمل البيان الختامي ثلاثة قرارات مهمة

1) الأول: إنهاء الإنقسام وتشكيل لجنة معنية بتقديم التوصيات المطلوبة إلى المجلس المركزي في دورته القادمة (خلال خمسة أسابيع) للشروع في خطوات إنهاء الإنقسام بين حركتي فتح وحماس، بما في ذلك، وكما جاء في كلمة الجبهة الديمقراطية، استعادة حكومة السلطة الفلسطينية لمهامها في قطاع غزة.

إن إنهاء الإنقسام هو الخطوة الملحة والضرورية لإنجاز الوحدة الداخلية من جهة، ولضمان وحدة المسار السياسي النضالي بين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، خاصة في ظل التطورات الأخيرة التي شهدها القطاع، بما في ذلك الوصول إلى التهدئة مع الجانب الإسرائيلي مقابل تلبية عدد من مطالب حركة حماس. وقد أكد البيان على هذه المسألة حين أكد أنه «لا دولة في غزة، ولا دولة في الضفة، ولا دولة بدون غزة».

2) الثاني: أنه قرر تشكيل قيادة وطنية موحدة للمقاومة من الجميع أي في الداخل والخارج، بما يوفر للحراك الشعبي الناهض الغطاء السياسي من جهة، ويزيل حواجز الشك وضعف اليقين بجدية السلطة لدى صف واسع من المواطنين، ويعزز الثقة بإنتقال القضية من المراوحة التكتيكية إلى طريق المواجهة الشاملة، ويوحد بين الداخل والخارج، بعد أن تحول الخارج، في ظل أوضاع م.ت.ف، وسياسات السلطة المعروفة إلى مجرد جبهة خلفية، تقتصر مهامها على اسناد الداخل ودعمه، وليست شريكاً فاعلاً في النضال.

«في الداخل والخارج»، أي استنهاض حركة اللاجئين، في الدفاع  عن حقوقهم المدنية والاجتماعية، وفي مواجهة تقصيرات وكالة الغوث، وفي رفض التوطين، والوطن البديل، والتمسك بحق العودة، ما يعني المزيد من التفاعل والتفعيل لدائرة شؤون اللاجئين في م.ت.ف.

«الداخل والخارج» أي استنهاض أوضاع الجاليات، بعدما أغرقتها دائرة المغتربين بالحروب الداخلية، وتوفير الصيغ النضالية التي توحد نضالاتها ونضالات مؤسساتها، على أسس ديمقراطية، وإعادة الإعتبار لمفاهيم التحالفات والشراكة الوطنية على أسس ديمفراطية.

«الداخل والخارج» أي استنهاض الدور السياسي للقوى السياسية والمؤسسات والإتحادات الشعبية، وإعادة صياغة جديدة للعلاقات الدبلوماسية والسياسية، على المستوى العربي، مع القوى والأحزاب العربية وعلى المستوى الدولي مع القوى والدول الصديقة والمؤيدة لقضيتنا وشعبنا وحقوقه، وعلى قاعدة «نتحالف مع من يدعم قضيتنا بذات القوة التي يدعم بها القضية».

3) الثالث: الدعوة لدورة جديدة للمجلس المركزي يحضرها، هذه المرة، الأمناء العامون لكافة الفصائل الفلسطينية بما يعزز من أجواء التقارب والتفاهم، ويشكل الخطوة الثانية المهمة التي تلي اجتماع الأمناء العامين في 3/9/2020، بما يفترض أن يصدر عن هذه الدورة من قرارات نوعية وجديدة، تستجيب لنداءات ودعوات وقرارات إنهاء الإنقسام، وإنهاء مشروع أوسلو وإلغاء إتفاقاته، واعتماد المقاومة الشعبية بكل أشكالها  في الإشتباك مع الإحتلال.

في هذا السياق، من المفترض أن يكون بند «إعادة بناء مؤسسات م.ت.ف»، بنداً رئيسياً على جدول الأعمال. ما يفسح في المجال لإعادة التأكيد على وجهة نظرنا وإقتراحنا القائل بضرورة الإنتخابات الشاملة، للرئاسة، وللمجلسين التشريعي والوطني بنظام التمثيل النسبي الكامل، مع الإستدراك بإعادة التأكيد على فشل خمس محاولات لإجراء هذه الإنتخابات، إلى حين توفر الفرصة والظروف لإجراء الإنتخابات. وحتى لا تبقى الحالة الوطنية تراوح في مكانها، ندعو للجوء إلى حل توافقي يقوم على توسيع اللجنة التنفيذية بعضوية حماس والجهاد، وإستعادة، الجبهة الشعبية - القيادة العامة والصاعقة لمقعديهما، وتفعيل مقعد الجبهة الشعبية.

كما يشكل انعقاد المجلس المركزي فرصة لإصلاح أوضاع الصندوق القومي، بإنتخاب رئيس للصندوق، من بين المستقلين، يكون عضواً في اللجنة التنفيذية وتشكيل مجلس لإدارة الصندوق، يلتزم قرارات المجلس وينهي حالة التفرد بقرارات الصندوق، وينهي سياسة فرض الحصار المالي على الفصائل ومناضليها ، كلما احتدمت الخلافات السياسية.

■      ■      ■

هذه الجرعة من التفاؤل، لا تتجاهل إطلاقا التجارب السابقة في تعامل المؤسسة الفلسطينية مع قرارات دورات الحوار الوطني، والمجلسين الوطني والمركزي، والتي ما زال قسم كبير منها معلقا على مشجب الانتظار والرهانات على متغيرات لن تأتي، بل تؤكد الوقائع أنها تسير عكس الرهانات.

لكن هذه الجرعة من التفاؤل لا تتجاهل في الوقت نفسه ما شهدته القضة الوطنية مؤخرا من تطورات، وما لهذه التطورات من تداعيات كبرى على الحالة الوطنية، بأطرافها جميعا دون استثناء، وبما يشبه الصدمة وخاصة لسياسات الرهانات والمراوحة التكتيكية، والتهرب من استحقاقات المواجهة الاستراتيجية.

 

من هنا يتوجب تأكيد التالي:

  1. إن قرارات الاجتماع القيادي هي في الواقع سلاح جديد بيد الحالة الوطنية، يقوي تماسكها، ويعزز حالتها المعنوية، ويفتح الأفق نحو خطوات، تحدث نقلات، وبالتراكم ، نحو حالة جديدة في الأوضاع العامة، كما في السياسات والسلوكيات أو في التحالفات ومبادئ الائتلاف والشراكة الوطنية.
  2. إن قرارات الاجتماع القيادي تستجيب إلى حد كبير، بل وتكاد تتطابق مع دعواتنا ومواقفنا وسياساتنا ومهماتنا النضالية وتفتح الأفق لتطويرها بما يستجيب، ولمدى أعمق، لسياساتنا الوطنية ودعواتنا ونضالاتنا لإصلاح أوضاع م.ت.ف، وتقويم مبادئ الائتلافات والشراكة الوطنية، ما يضع عموم الحالة الوطنية أمام واجبات كبرى، في مقدمها النضال من أجل العمل سريعا على تنفيذ القرارات، عبر ورشة عمل وطني واسعة، واستنهاض الحالة المعنوية لقوانا الوطنية وعموم الحالة الشعبية.

إن قرارات الاجتماع القيادي من شأنها أن تشكل سلاحا سياسيا إذا أجيد استعماله ، أن يرفع من وتيرة الصوت الفلسطيني، وأن يؤكد صدقيته في مواجهة الإنحراف في سياسات أنظمة حاكمة عربية، وأن تشكل أساساً لإستنهاض أوسع حالة شعبية عربية في دعم القضية الوطنية وإسناد نضالات شعبنا مع التأكيد على التالي: في ظل التطورات المتلاحقة والتساوق بين إجراءات الضم، وخطوات التطبيع والتحالفات الحاكمة العربية والإسرائيلية، لم يعد يكفي أن نتحدث عن دور للحركة الشعبية العربية، حدوده التضامن مع شعبنا وإسناده في مقاومته، بل بات من الضروري التأكيد على إنتقال الحركة الشعبية العربية من موقع الإسناد والتضامن العربي إلى موقع الشراكة في المقاومة والمجابهة على محور التطبيع العربي الإسرائيلي، خاصة في الدول التي خطت مثل هذه الخطوات، للضغط عليها للتراجع، أو على الأقل لتقصير خطوات التطبيع، ومع الدول التي رشحت للتطبيع للضغط عليها لعدم الإقدام على مثل هذه الخطوات، وللدول التي أعلنت رفضها التطبيع لتحويل مواقفها السياسية إلى سياسات عملية، في المنظومة العربية الرسمية، وفي دعم القضية والحقوق الوطنية لشعبنا.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت