- دولة عربية اعترضت على طلبنا عقد اجتماع طارئ ودولة أخرى هددت بتقديم مشروع قرار بديل
- رغبة فلسطين في الحفاظ على الإجماع العربي الظاهري لا يجب تفسيره ضعفا
قال وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي، رئيس الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، "أمام تحديد موعد توقيع اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، أصبح لزاماً علينا أن يصدر عنا موقف رافض لهذا الخطوة، وإلّا سيعتبر اجتماعنا هذا مباركة للخطوة أو تواطؤا معها، أو غطاء لها، وهذا ما لن تقبله دولة فلسطين".
وجدد المالكي في كلمته امام اجتماع مجلس جامعة الدول العربية، التأكيد على أن فلسطين لم تخول أحداً بالحديث عنها، رافضا أن يظهر البعض ويقول قمت بهذا العمل لهذا السبب، مع معرفتنا أن السبب الحقيقي مختلف تماماً، فالضم أوقفناه بموقفنا الشجاع وبمواقف الجميع الذين رفضوا هذه السياسة.
وأضاف: نشكر دولنا العربية التي احتضنت قضيتها الأولى، قضية فلسطين، وكل من دافع عنها، وحماها وساهم في تعزيزها مالياً وغيرها، لكن التحدث باسمها حصر لنا.
وشدد وزير الخارجية على أن رغبة فلسطين في الحفاظ على الإجماع العربي الظاهري لا يجب تفسيرها ضعفا، مؤكدا أننا لا نضعف أمام مبادئنا، وثوابتنا، وحقوقنا وقضيتنا.
وأعرب عن شكره للدول العربية التي رفضت ابتزازات وزير الخارجية الاميركي للهرولة نحو التطبيع مع دولة الاحتلال، إسرائيل، وتفهمه لحجم الضغوطات الهائلة التي تتعرض لها، والتي استكملتها زيارة مستشار الرئيس الأمريكي كوشنير لهذه الدول.
ودعا المالكي مجددا، الدول العربية إلى رفض اتفاق التطبيع الإسرائيلي الإماراتي.وقال "نرفض خطوة التطبيع الإماراتي ونأمل منكم عدم قبولها".
وتابع "كأنه لا يكفينا ما يفعله الاحتلال بنا، والإدارة الأمريكية، حتى يخرج إعلان التطبيع (الإماراتي الإسرائيلي) المجاني (..)الإعلان الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي، كان ذلك الزلزال، وبدلاً من استرضاءنا عربياً أمام ذلك التراجع الذي عكسه الإعلان، وجدنا حالنا ندافع عن أنفسنا، وعن قضيتنا، وانقلب الوضع بحيث أصبحنا المشاغبين، ومَنْ يوجه لهم اللوم لأنهم".
وأوضح أن فلسطين طلبت عقد اجتماع طارئ لبحث الاتفاق التطبيعي، لكن دولة عربية (لم يذكرها) اعترضت وطلبت الاستعاضة عنه بالدورة العادية.
وأضاف "عندما وافقنا على ذلك، نتفاجأ من جديد بذات الدولة تعترض على طلبنا إضافة بند على ما يُستجد من أعمال، فيما دولة أخرى تُهدد بتقديم مشروع قرار بديل".
وانتقد المالكي، عدم تنفيذ الدول العربية، لقراراتها الخاصة بفلسطين.
وقال في هذا الصدد "عجزت الكلمات عن تفسير أسباب عدم الالتزام وتنفيذ القرارات المتعلقة بفلسطين، أكان ذلك مالياً مرتبطاً بتوفير شبكة الأمان المالية، أو بالمواقف السياسية من الإدارة الأمريكية، بدءاً بنقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وانتهاءً بصفقة القرن".
وجدد المطالبة بالالتزام بمبادرة السلام العربية، لعام 2002، والتي تربط بين التطبيع والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967.
وأضاف "في هذه الحالة، ما هو ردنا على من يخرقها (المبادرة العربية) ولا يلتزم بها؟ أهي للعرض أم للفرض؟ فإذا هي للعرض وجب المعرفة لكي نُقرر ماذا نعمل، وإذا هي للفرض، فما هو الإجراء المفروض على من يخرج عنها؟ وعلى من يتجاهلها ويعمل بعكسها؟"، في إشارة لدولة الإمارات.
نص الكلمة الوزير رياض المالكي:
من قلب رام الله النابض بالحياة رغم المعاناة، من مدينة القدس، مدينة الصعود والمعراج التي تئن من هول الأسرلة والخنق، من غزة المحاصرة التي لا زالت تنادي، من أعالي جبال نابلس النار التي تختنق يومياً، من خليل الرحمن، التي تتمرد برغم الإستيطان، من قرانا ومدننا وريفنا ومخيمات لجوء شعبنا لأشقائنا العرب، رسالة أخوّة خالصة، من فلسطين الكبرياء، فلسطين الصمود، فلسطين التحدي، وفلسطين الامل.
تستلم دولة فلسطين هذه المسؤولية اليوم من شقيقتها سلطنة عُمان، التي أمّنت لنا قيادة حكيمة وإنتقال سلس، كل الشكر لجارتنا سلطنة عُمان، والتهنئة لزميلي معالي السيد بدر البوسعيدي.
نستلم هذه المسؤولية اليوم ودولتكم فلسطين ترزح تحت وطئة الاحتلال منذ 53 عاماً، تقاوم، تقاتل، تعاني، تبني، تزرع، تموت، تحيا، تصرخ، تئن، ومع ذلك تصرفت بمسؤولية عالية وإلتزام كبير فيما يخص شأننا العربي وإلتزاماتنا الدولية.
وجاهدنا ألّا نكون عبئاً على أحد رغم تراكم المعاناة وعمق الألم. كأنه لا يكفينا ما يفعله الاحتلال فينا، من قتل وتشريد وهدم وإعتقال ومصادرة وتدمير، من حرمان للحقوق الأساسية لشعب تحت الاحتلال، من مصادرة لمصادره الطبيعية وثرواته، من سلبه عاصمته الأبدية، من إعتداء على مقدساته وحصار قطاعه، ومصادرة حقه في حريته وإستقلاله على أرضه وفي دولته ضمن حدود عام 1967، ويُضاف عليها مصادرة أمواله وحجزها كأداة إبتزاز وضغط، بهدف إخضاع قيادة الشعب الفلسطيني لإملاءاتهم والقضاء على المشروع الوطني بالدولة والإستقلال. كأنه لا يكفينا إجراءات الإدارة الأمريكية العقابية السياسية والمالية، وتبنيها للمواقف والسياسيات الإستعمارية الإحلالية الإسرائيلية بالكامل، كما تمثلت في إعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي نقل سفارتها إليها، أو في صفقة القرن المشؤومة التي رفضتموها بالكامل، وما تمخض عنها من سياسة الضم المستمرة تدريجياً وبهدوء من خلال فرض الامر الواقع الإستيطاني أو الفرض القانوني السيادي، في تحدي كامل لقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية والإجماع الدولي على رفضه الضم. كأنه لا يكفينا إنتشار جائحة الكورونا والإهمال الكبير الذي تبديه دولة الاحتلال في حماية مواطنينا في القدس الشرقية، أو في تعطيل وصول المساعدات من أجهزة تنفس والمسحات المطلوبة لإجراءات فحص فيروس كورونا للضفة الغربية وقطاع غزة.
وكأنه لا يكفينا توقف الدول عن تقديم الدعم المالي لدولة فلسطين، وتبجح الإدارة الأمريكية أنها من يقف وراء هذا القرار، بما في ذلك عدم تفعيل شبكة الأمان المالية العربية. وكأنه لا يكفينا كل ذلك وأكثر، يخرج علينا إعلان ثلاثي يشرّع التطبيع مجاناً، ويُحيي صفقة القرن بعد أن أفشلناها، كما ويعترف البيان بالقدس المحتلة كأرض إسرائيل. كنا نفضل أن نستلم هذه المسؤولية في ظروف أفضل، على الأقل في إطار إنسجام عربي كامل، حتى لو كان ظاهرياً أو شكلياً كما كان عليه حالنا. لكن نعدكم ان نكون عند حسن ظنكم بنا، وكما عهدتمونا دائماً، صلابة السيف وحدته في الدفاع عن مصالحنا العربية وفي حماية قراراتنا جميعها.
تنعقد دورتنا العادية هذه في ظروف غير عادية، ونجتمع اليوم وأمامنا تحديات جسام لم نعهدها من قبل، تحديات خارجية متراكمة منذ فترة عجزنا عن معالجتها عربياً، وتحديات داخلية مستجدة تزعزع هذا البنيان وتُحدث فيه شرخاً. وكنا نعتقد دائماً أن القضية الفلسطينية فوق كل الخلافات، فهي كانت دوماً نقطة الجمع وليست نقطة الفرقة.
في العمل العربي المشترك، وحدة الموقف تتجلى بمدى إلتزام الجميع بثوابتهم التي أجمعوا عليها، ومدى تنفيذهم لقراراتهم التي إحتكموا لها. ولم يكن هناك إستثناءاً لأحد في هذه الثوابت، وبشكل خاص الموقف من قضية فلسطين. وطغت جملة العرب التي نطق بها خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، وكررها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وجلالة الملك عبد الله بن الحسين وكافة الملوك والرؤساء العرب: (نقبل بما يقبل به الفلسطينيون، ونرفض ما يرفضونه). ما يقولونه هؤلاء القادة أن هناك إجماع عربي تلقائي وثابت من القضية الفلسطينية وإلتزام بثوابتها المعلنة، ما يقولونه هؤلاء القادة أن القرار هو لدى القيادة الفلسطينية حصراً، ويحظى بدعم وإسناد عربي مهما كان. هذا ما كان وهذا ما سيكون، ولن يكون غير هذا الموقف.
كنا دوماً نواجه في عملنا إنتقادات لاذعة من شعوبنا العربية، التي كانت تُشكك بقراراتنا، وتدّعي أنها للعرض وليست للفرض، من أجل إظهار صورتنا الجميلة ولإخفاء حقيقة الجمود في العمل العربي المشترك. وكانت هذه الشعوب تتحدانا أن نَصْدُقَ قراراتنا، بتنفيذ البعض منها، وكنا دوماً نهبّ مدافعين عن عملنا في بيت العرب، الجامعة العربية، متأملين أن يتغير الحال. وفعلاً ومع مرور الوقت كان يتغير الحال، لكن ليس للأفضل. وعجزت الكلمات عن تفسير أسباب عدم الإلتزام وتنفيذ القرارات المتعلقة بفلسطين، أكان ذلك مالياً مرتبطاً بتوفير شبكة الأمان المالية رغم عديد القرارات الخاصة بها، أو بالمواقف السياسية من الإدارة الأمريكية، بدءاً بنقل السفارة والإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإنتهاءاً بصفقة القرن التي ليس فقط تجافي الحقوق الفلسطينية، وإنما تسلبها تماماً وتنهي الدولة بمكوناتها من حدود وسيادة، وتسلب عنها عاصمتها القدس الشرقية بمقدساتها. وأصبحنا نشعر بثقل هذه المسؤولية وهذا الموقع، فلا إلتزام بقرارات تؤخذ ولا إحترام لها، خاصةً وأن عديد المسؤولين في دول كثيرة وتجمعات إقليمية مختلفة كانوا يبلغونا أن ما يسمعونه في الغرف المغلقة من بعض العرب غير ما يصدر عنا من قرارات ومواقف. وبالتالي كانت قراراتنا رغم ظاهرها المؤيد لقضية فلسطين، مصدر تشكيك واسع من قبل عديد الدول. هذا كله كان يضعنا في موقف محرج مع هذه الدول عندما كنا نتباهى أمامهم بالقرارات العربية، ليؤكدوا لنا أنها لا تعدو كونها حبر على ورق لإرضاء الفلسطينيين.
ومع كل ذلك، حافظنا على الشكل في العلاقة، حماية لهذا الجهد التراكمي عبر السنين والمتمثل بجامعة الدول العربية، وبذلنا كل جهد لتعزيزها وصونها وتدعيمها لعل وعسى أن تحدث المعجزة، لكن المعجزات في أيامنا إنتهت. رغم ذلك، إيماننا بالعمل العربي المشترك كان دوماً يحظى بالرعاية والإهتمام، حتى جاء الإختبار الأخير، الزلزال الذي ضرب ذلك البنيان وأظهر هشاشته ومعه هشاشة ذلك الحلم الذي كنا نعمل، مع غيرنا من الدول، أن يغدو حقيقة.
الإعلان الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي كان ذلك الزلزال، وبدلاً من إسترضاءنا عربياً أمام ذلك التراجع الذي عكسه الإعلان، وجدنا حالنا ندافع عن أنفسنا، وعن قضيتنا، وإنقلب الوضع بحيث أصبحنا المشاغبين، ومَنْ يوجه لهم اللوم لأنهم، أي نحن، تجرأنا أن نقف في وجه الزلزال كما وقفنا في وجه الإدارة الأمريكية عندما إعتدت على حقوقنا، ودعونا لإجتماع طارئ لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري. أليس ما حدث من زلزال يستدعي عقد اجتماع طارئ، لنتفاجأ هذه المرة أن دولة عربية تعترض على طلبنا (طلب دولة فلسطين) عقد إجتماع طارئ وتطلب الإستعاضة عنه بالدورة العادية، وعندما وافقنا على ذلك، نتفاجأ من جديد بذات الدولة تعترض على طلبنا إضافة بند على ما يُستجد من أعمال، فيما دولة أخرى تُهدد بتقديم مشروع قرار بديل. كيف نفسر هذه الخطوات؟ هل هو تحديد لما أصبح مقبولاً أو مرفوضاً طرحه على أجندة مجلس الجامعة؟ ومن الذي يُحدد ذلك؟ هل هم أصحاب النفوذ والمال أم ماذا؟ وهل تمادت دولة فلسطين كثيراً في طلبها عقد إجتماع طارئ أو حتى إضافة بند على ما يُستجد من أعمال؟ وهل تخطت خطوط حمر كانت مرسومة لكن دون الإعلان عنها؟ أصبحنا بحاجة لمعرفة هذه الخطوط الحمر الجديدة لنقرر إذا ما أردنا أن نكون جزءاً منها أم لا.
نحن لا نُريد الخوض في التفاصيل، وسنتركها للباحثين والأكاديميين لينهلوا المعرفة منها، ولكن ما يهمنا كدولة عضو في الجامعة العربية نقطتان لا أكثر. الأولى تتعلق بمبادرة السلام العربية، حيث نسأل هنا إن كانت قراراتنا بخصوصها قائمة أم لا؟ وإذا ما زلنا ملتزمين بها كما جاءت وأُعتمدت في قمة بيروت عام 2002؟ من فهمنا المتواضع ومما سمعناه من تأكيدات وما قرأناه من مشاريع قرارات مقترحة، أننا كجامعة عربية، وكدول أعضاء فيها، لا زلنا ملتزمين بمبادرة السلام العربية كما جاءت وأُعتمدت في قمة بيروت. في هذه الحالة، ما هو ردنا على من يخرقها ولا يلتزم بها؟ أهي للعرض أم للفرض؟ فإذا هي للعرض وجب المعرفة لكي نُقرر ماذا نعمل، وإذا هي للفرض، فما هو الإجراء المفروض على من يخرج عنها؟ وعلى من يتجاهلها ويعمل بعكسها؟ وأمام إعلان البيت الأبيض عن تحديد موعد توقيع إتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، مما يعني أن دولة الإمارات ماضية قدماً في قرار التطبيع رغم مخالفتها لمبادرة السلام العربية، وقرارات القمم العربية، وعليه أصبح لزاماً علينا أن يصدر عنا موقف رافض لهذا الخطوة، وإلّا سيعتبر إجتماعنا هذا مباركة للخطوة أو تواطؤ معها، أو غطاء لها، وهذا ما لن تقبله دولة فلسطين، ونأمل بعدم قبولكم لها أيضاً.
أما النقطة الثانية التي تعنينا، فهي طلبنا المتكرر ألّا يتحدث أحد بإسمنا، فنحن لم نخوّل أحداً بهذا الدور. نعم نقدم كل الشكر لدولنا العربية التي إحتضنت قضيتهم الأولى، قضية فلسطين، وكل الشكر لكل من دافع عنها، وحماها وساهم في تعزيزها مالياً وغيرها، لكن التحدث بإسمها، فهذا حصراً لنا، مع إحترامنا للجميع. أمّا وأن يظهر البعض منا ليقول قمت بهذا العمل لهذا السبب، مع معرفتنا أن السبب الحقيقي مختلف تماماً، فلا نقبل به. فالضم أوقفناه بموقفنا الشجاع وبمواقف الجميع الذين رفضوا هذه السياسة. مع معرفتنا أن إسرائيل قد قررت الإنتقال من الضم المعلن إلى الضم غير المعلن التدريجي الهادئ. وإلّا كيف نفسّر ما صدر عن دولة الاحتلال مؤخراً من مصادقة لوزير الطاقة الإسرائيلي لمشروع ربط المستوطنات في الضفة الغربية بشبكة الغاز الطبيعي في إسرائيل، بحيث يتم تطبيق القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية المحتلة، أو مخطط بناء مدينة إستيطانية جديدة في منطقة غور الأردن، وحسب اللواء غيرشون هكوهين من حركة أمنيين، أن هذه فرصة لنتنياهو لإنشاء مدينة في غور الأردن كجزء من تعزيز السيادةـ أو النقاش الدائر بين الإئتلاف الحكومي الإسرائيلي مع البيت الأبيض لبدء البناء في البلدات العربية المحيطة بمدينة القدس المحتلة مثل الطور وعناتا والعيزرية، ضمن المنطقة المسماة E1 ضمن مشروع القدس الكبرى كنقطة بداية في عملية الضم وتطبيق رؤية الرئيس ترامب. أو الإستماع لما قاله نتنياهو ان مخططات الضم لا زالت مدرجة لكن يتم العمل عليها بهدوء وبشكل ذكي لمنع أية ردود فعل، أو الإستماع إلى تصريحات السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان الذي أوضح أمام رئيسه ترامب أن الضم قد عُلّق ولم يُلغ وسيتم تفعليه لاحقاً. أو مستشار الامن القومي الأمريكي الذي إدعى أن تعليق الضم لا يمنع فرض السيادة.
امام كل هذه التصريحات الرسمية نتساءل حقاً، ما الذي حققناه في هذا الموضوع تحديداً؟ أم أنها مجرد ستار دخاني لشيء آخر؟
يُدهشنا حقاً الإدعاء بالقول أن خيارات الدول الأعضاء بتحديد علاقاتها مع الدول هو من صميم أعمال السيادة الوطنية، فإذا كان الحال كذلك فما معنى تقديم مشاريع قرارات سياسية وإعتمادها على مستوى الجامعة، إذا كانت تلك القرارات غير نافذة ومرفوضة من نشأتها لأنها تتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية؟ لماذا نبذل كل هذا الجهد إذا كانت هذه القرارات لا تعني لنا شيئاً وغير ملزمة لأحد لانها من حيث المبدأ تنتقص من مفهموم السيادة الوطنية؟ إذن لا داعي من حيث المبدأ أن نناقش أي مشروع قرار ونعتمده لأن أية دولة يمكن أن تدعي تعارضه مع مبدأ السيادة الوطنية لديها. هل حق الشعب الفلسطيني في دولته على حدود 1967 والقدس الشرقية عاصمته يتعارض مع مبدأ السيادة لأية دولة؟ وهل حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال الإستعماري (الكولونيالي) العنصري الإسرائيلي هو إعتداء على مبدأ السيادة الوطنية لهذه الدول؟ إذا إعتمدنا هذا المبدأ الجديد في عملنا، وجب علينا مراجعة كافة قراراتنا وحتى إلغائها لأن الأصل سيكون في هذه الحالة هو مبدأ السيادة الوطنية وليس قرارات الجامعة العربية. والإختبار الأول لهذا التداخل الفظ هو في الموقف من القضية الفلسطينية، التي إعتقدنا أنها فوق كل المبادئ وفوق كل الأصول السيادية، لنكتشف أننا كنا مخطئين. وأمام هذا الأمر الجلل، وأمام هذا التحلل في الموقف العربي المشترك من قضايانا المصيرية والمركزية، نتساءل وبنفس المنطق ماذا إذا أعلنت أية دولة منا في أي لحظة عن موقف مختلف بخصوص قرارات صدرت عنا مرتبطة بأراضي وجزر عربية محتلة، تحت ذات المبرر وهو أن هذا من أصول السيادة الوطنية؟ فماذا سيكون موقفنا؟ وأين هي الخطوط الحمراء التي تقف أمامها إدعاءات مفهوم السيادة الوطنية؟ وما هي؟ هل يُمكننا القول أن أراضينا العربية المحتلة تعتبر خطوط حمر أمام إدعاءات السيادة الوطنية أم ماذا؟ هذا إستعراض مرفوض من جذوره، ولا يجوز حتى الحديث فيه، حتى لو كان لمجرد الدعابة أو الإستفزاز، وإلّا لإنتهى بيننا ما يجمعنا، وليذهب كل منا يبحث عن سيادته الوطنية ليطبقها في مكان آخر.
رغبتنا في الحفاظ على هذا الإجماع العربي الظاهري لا يجب تفسيره ضعفاً منا، فنحن لا نضعف أمام مبادئنا، وثوابتنا، وحقوقنا وقضيتنا. رغبتنا أن فلسطين تبقى نقطة لقاء وليست نقطة خلاف، نقطة إجماع وليست نقطة إنقسام. لكن هذه الرغبة يجب أن تجد تجاوباً لها وتقديراً لها، وإلّا سنصطدم بأسرع مما نتوقع بعمق الخلاف الناشئ عن شعور زائف للبعض بروح التفوق.
نشكر الدول العربية التي رفضت إبتزازات وزير الخارجية الأمريكي للهرولة نحو التطبيع مع دولة الإحتلال، إسرائيل، ونتفهم حجم الضغوطات الهائلة التي تتعرض لها، والتي إستكملتها زيارة مستشار الرئيس الأمريكي كوشنير لهذه الدول. الإدارة الأمريكية الحالية ورئيسها ترامب أصحبت الوكيل الحصري للتطبيع مع دولة الاحتلال، وهو يعتقد أن التطبيع مع إسرائيل سينقذه من هزيمة الانتخابات الأمريكية. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تحاول تكليف مقاولين بالباطن لإستكمال عملية التطبيع مع دولة الاحتلال او في نقل سفاراتهم إلى القدس المحتلة. إن رفض التطبيع يجب أن يبقى موقفنا حتى تُغيره قرارات جديدة، حتماً لن نكون جزءاً منها، وأولى قرارات التطبيع لمن يملك الجرأة على ذلك يجب أن يكون بإلغاء مبادرة السلام العربية، لأنها نقيض التطبيع حتى زوال الإحتلال الإسرائيلي. ويُمكن بعد ذلك التطبيع لمن يُريد، ولكن ليس قبل إلغاء المبادرة.
إهتمامنا بالشأن الفلسطيني لم يمنعنا أبداً أن نُحافظ على مبدأين أساسيين في الشأن العربي، المبدأ الأول هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية والإمتناع عن أخذ أي موقف بشأن أية خلاف عربي عربي، حيث تُريد فلسطين أن تبقى نقطة جمع. والمبدأ الثاني أننا دوماً نقف مع الأشقاء العرب في خلافاتهم غير العربية. من هذا المنطلق نحن مع وحدة سوريا، وأهمية إيجاد حل سياسي لما يدور فيها، والحال كذلك في ليبيا، ونبارك الجهود المغربية الحالية لصياغة توافقات تسمح بوحدة ليبيا وعودة الإستقرار والأمن لها. وفي اليمن الذي نتمنى له كل الخير والأمن والإستقرار. ونُومن أن أية جهود وتدخلات لهذه الأزمات في سبيل معالجتها سياسياً وجب أن تكون عربية. نحن نقف مع الدول العربية في مساعيها لتحرير أراضيها المحتلة، وستبقى فلسطين ملتزمة بهذا المبدأ، كما نُجدد تضامننا العميق مع جمهورية السودان جراء تعرضها للفيضانات التي أسفرت عن عشرات الضحايا وآلاف المشردين، متمنين للسودان تجاوز هذه المحنة وتخطي آثارها، ونبارك الإتفاقيات الأخيرة للحفاظ على وحدة السودان وأرضه ومقدراته. وفي نفس الوقت نتمنى للجمهورية اللبنانية أن تتجاوز الآثار الكارثية التي عصفت بها جراء إنفجار مرفأ بيروت، أملين للبنان تخطي تداعيات ذلك الحادث الأليم، وأن يعود لبنان لإستقراره وإزدهاره. كما نؤكد دعمنا لجهود جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان في بذل كل جهد ممكن للتوصل إلى إتفاق مع الجارة أثيوبيا في إقتسام مياه نهر النيل بما يحفظ مصالح الجميع وليس على حساب أحد، وأذكّر هنا أن الجامعة وقفت بوضوح دعماً لهذه الجهود. مع جمهورية مصر العربية في حربها على الإرهاب، وندعم جهودها لحماية مواطنيها ونُبارك الإنجازات العظيمة التي تحققت فيها وفي عديد القطاعات.
سعداء بالإنجاز الذي حققته جمهورية العراق في دحر الفكر الإرهابي الداعشي وفي نهضة بلادهم. نتمنى للحكومة التونسية الجديدة كل التوفيق في تحدياتها الكبيرة.
نُؤمن بالعمل العربي المشترك ونسعى لتطوير أداء وعمل ومهام ووظيفة الجامعة العربية نحو التكامل العربي، على الرغم من المعيقات القائمة. نُريد من الجامعة ألّا تكون ظلاً نحتمي به فقط، وإنما سنداً نتكئ عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،