- حمادة جبر
لقد بدأت حالة التراجع في التضامن العالمي مع الفلسطينيين وقضيتهم بشكل ملحوظ وتدريجي منذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، الذي قدم اسرائيل للعالم كدولة طبيعية وشرعية، وطالبة للسلام بمباركة عربية وفلسطينية. اللافت، أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 والقاضي بمساواة الصهيونية بالعنصرية الصادر قبل 45 عاماً وتحديدأ في العاشر من نوفمبر/تشرين ثاني 1975، قد تم الغاؤه بقرار رقم 86/46 بعد 45 يوماً فقط (نعم بعد 45 يوماً فقط) من انعقاد مؤتمر مدريد للسلام.
اللافت أيضاً، أنه بينما كان الجنوب أفريقيون في طريقهم لإنهاء نظام التمييز العنصري (الذي بدأ أيضاً في عام 1948!!) في بلادهم، كان الفلسطينيون ممثلون بمنظمة التحرير الفلسطينية، بقصد أو بدونه، يشرعنون النظام العنصري ببلادهم بتوقيعهم على اتفاق "أوسلو" المشؤوم، ليعفوا بذلك إسرائيل من وصمها بالعنصرية، ومن كلفة احتلالها، وليديروا شؤون الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بالنيابة عن الاحتلال من خلال انشاء جهاز السلطة الفلسطينية. الجديد، أن "مهندس أوسلو" ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس "أبو مازن"، اعترف مؤخراً وفي عدة مناسبات بنتيجة وحقيقة ما وصلت اليه الأمور، أبرز اعترفاته هي ما قاله في خطابه أمام مجلس الأمن الدولي في شباط/فبراير 2018: "نحن بنشتغل عند الاحتلال، نحن نعمل عند الاحتلال".
اليوم، ولإفشال حقيقي للتحدي الأكبر الذي يواجهه الفلسيطينيون لتصفية قضيتهم المتمثل بصفقة القرن. وبعد أن وصلت حالة التراجع في التضامن العالمي مع الفلسطينيين وقضيتهم إلى العرب، يُقابلها نجاحات دبلوماسية اسرائيلية غير مسبوقة. وفي ظل افتقار القيادة الفلسطيينة لأدوات الضغط والتأثير، وفشل استراتيجية التدويل وعزل إسرائيل، والتآكل المتسارع في شرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للفسطينيين في نظر فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة الذي انخفض من 69% في عام 2006 إلى 54% فقط في عام 2019، حسب استطلاعات المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.
وأيضاً، في الوقت التي تصارع فيه السلطة للبقاء واحتمال انهيارها، وما يمكن أن يتلوه من فوضى وفلتان أمني وصراع مسلح تكون فيه إسرائيل في موقع المتحكم في الأمور لدرجة أنها قد تستغل هذا الوضع بارتكاب نكبة ثانية بحق الشعب الفلسطيني يكون مسرحها الضفة الغربية. بل إن اسرائيل كدولة قد لا تكون مشاركاً رئيسياً في النكبة الجديدة بترك الأمر للمستوطنين الذين تزايدت اعتداءاتهم في السنوات الأخيرة ووصل عددهم في الضفة الغربية إلى أكثر من 600 ألف مستوطن موزعين على أكثر من 140 تجمع استيطاني على طول وعرض الضفة الغربية لا ينقصهم السلاح لارتكاب نكبة جديدة بحجة الدفاع عن النفس في أجواء الفوضى والفلتان الأمني التي من المرجح أن تنشأ عقب انهيار السلطة. وكذلك لإزالة الصراع الفلسطيني-الفلسطيني عليها (السلطة) المتمثل بالانقسام ولتفادي مزيداً من الصراعات التي نشهد بوادرها، وكذلك لإستعادة الثقة بين الشعب والقيادة وقطع الطريق عن أي محاولة لخلق قيادة أو قيادات بديلة. على القيادة الفلسطينية التي تتحمل مسؤولية الفشل المتراكم، وكما يفعل متسابق السرعة بالرجوع خطوة للوراء للانطلاق بقوة وكما يُسحب السهم للوراء قبل إطلاقه، على القيادة الآن ودون تردد أو انتظار أن تقوم بخطوة للوراء لمحاولة إرجاع الأمور إلى ما كانت عليه قبل مؤتمر مدريد للسلام واتفاق أوسلو، لإستنهاض واطلاق طاقات كل الفلسطينيين بالدفاع عن قضيتهم وحقوقهم وللكشف مجدداً عن وجه اسرائيل العنصري المتستر بأوسلو والسلطة الفلسطينينة الناتجة عنه. لقد حان الوقت للاعتماد على أنفسنا فقط في فرض ما نريد ضمن خطة وطنية، والاستثمار في المواقف العربية والدولية ما أمكن، ولكن كعوامل مساعدة وليست أساسية. وذلك من خلال المبادرة بالقيام بالخطوات التالية:
(1) الإعلان عن حل السلطة الفلسطينية لتحميل إسرائيل كلفة احتلالها على الأقل من خلال رفع التكلفة الأمنية حيث أعلنت إسرائيل في 2010 عن أقل عدد لجنودها وآلياتها في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الأولى. وكذلك الإعلان عن سحب الاعتراف باسرائيل، وانتهاء حل الدولتين وتبني استراتيجية قيام دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية التي يؤيدها 37% (رغم عدم وجود حزب سياسي فلسطيني واحد يتبنى خيار حل الدولة الواحدة، ورغم شعور الفلسطينيين بضعفهم وعدم قدرة قيادتهم على إجبار الاسرائيليين على قبول حل الدولة الواحدة) من الفلسطينيين مقابل 39% لحل الدولتين حسب استطلاع الرأي رقم 75 في شباط/فبراير 2020 للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. كل هذا بالتوازي مع إعادة الاعتبار لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والاعتذار بشجاعة لعموم الجمهور الفلسطيني عن أخطاء الماضي، لاستعادة ثقة الجماهير بالمنظمة وقيادتها، وكذلك بالتوازي مع دعوة أكثر من 2 مليون فلسطيني يحملون الجنسية الاسرائيلية للانضمام لتحقيق الاستراتيجية الجديدة، الذين يتوقون لممثل حقيقي يعبر عن تطلعاتهم وتطلعات ووحدة كل الفلسطينيين، خاصة بعد إقرار قانون القومية الاسرائيلي العنصري، وفشل وتخبط قيادات الأحزاب العربية في اسرائيل.
(2) بالتوازي أيضاً مع ما سبق، لتحقيق استراتيجية قيام دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية، على القيادة تبني المقاومة الشعبية السلمية المتمثلة أساساً بالمسيرات والاعتصامات الكبرى، والعصيان المدني، والمقاطعة. وإعطاء صلاحيات واسعة للبلديات والمجالس المحلية وتشكيل لجان شعبية في أحياء المدن والقرى لمساندة البلديات والمجالس المحلية في حفظ الأمن الداخلي وقيادة العمل الشعبي المقاوم. وهنا وتعقيباً على دعوة الرئيس في إجتماع "الأمناء العامون" بتاريخ 3 أيلول/سبتمبر 2020 لتشكيل قيادة وطنية للمقاومة الشعبية السلمية، لابد الإشارة إلى أن معظم الفلسطينيين (63%)يؤيدون هذا الشكل من المقاومة ولكن عند سؤالهم عن سبب ضعف مشاركة المواطنين في المقاومة الشعبية تقول النسبة الأكبر (39%)أنه يعود لعدم الثقة بالقيادة حسب استطلاع الرأي العام رقم 67 في آذار 2018 للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. ولا يمكن استرجاع ثقة الجماهير بالقيادة إلّا بقرار بحجم حل السلطة حيث أن حوالي نصف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يعتبرون السلطة عبء ويؤيدون حلها حسب استطلاعات المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، إضافة إلى تهديدات الرئيس المتكررة بحلها التي تدل على استنتاج صحيح بضرورة حل السلطة لكنه يفتقر للإرادة والشجاعة. وبالتالي فإن ثقة الجماهير المسترجعة بالقيادة ستجعلهم مشاركين فاعلين. ولدينا مثالان واضحان على ذلك: أولًا، المقاومة الشعبية الواسعة والناجحة في القدس -حيث لا وجود للسلطة- في صيف 2017 احتجاجًا على البوابات الالكترونية التي حاولت اسرائيل تركيبها على مداخل المسجد الأقصى في البلدة القديمة في ذلك الوقت. والمثال الثاني يتمثل بالمشاركة الجماهيرية الواسعة في مسيرات العودة الكبرى التي بدأت في آذار 2018 على حدود قطاع غزة، حيث لا وجود للسلطة أيضاً. لنتخيل هنا موقف وصورة إسرائيل تجاه مسيرات مشابهة وعصيان مدني في الضفة الغربية والقدس، وفي مناطق ال48 المتعطشة لقيادة تكون جامعة لكل الفلسطينيين تشملهم بعد أن تخلت عنهم قيادة منظمة التحرير رسمياً منذ "أوسلو" وتركتهم لمصيرهم كأقلية مميز ضدها خاصة بعد سن قانون القومية اليهودية لاسرائيل.
وعلى القيادة أيضاً، المبادرة بجمع أسلحة الأجهزة الأمنية وتسليمها لطرف ثالث مثل الأمم المتحدة وذلك لتحقيق ثلاثة أهداف: أولاً، لتفادي محاولة إسرائيل جر الفلسطينيين لسيناريو الانتفاضة الثانية؛ وثانياً، خدمةً لاستراتيجية حل الدولة الواحدة القائمة على المقاومة الشعبية السلمية؛ وثالثاً، لضم المزيد من الاسرائيليين اليهود لمشاركة الفلسطينيين في نضالهم لإنهاء النظام العنصري وقيام دولة ديمقراطية وحقوق متساوية لكل مواطنيها.
(3) دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعادة تفعيل قرارها رقم 3379 الذي اعتبر الصهيونية (اسرئيل) مساوية للعنصرية حيث أن إسرائيل أصبحت اليوم أكثر عنصرية من وقت إقرار القرار المذكور عام 1975 خاصة بعد إقرراها لقانون القومية العنصري عام 2018. وذلك أيضاً بالتوازي مع دعم حركة مقاطعة اسرائيل وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات (BDS)، التي لم تستثمر القيادة انجازاتها، بل كانت تحاول تهميشها بتصريحات غير مسؤولة منها تصريح الرئيس: "نحن لا ندعم مقاطعة اسرائيل"، في كانون أول/ديسمبر 2013 خلال زيارة له لجنوب أفريقيا!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت