- بقلم: محمد شريف كامل*
14 سبتمبر 2020
مازال البعض يتصور أن الدولة والشعب شيئ واحد، فيصَور لنفسه ولبعض المتوهمين أن القرارات التى تتخذها الحكومات وأجهزتها الإداريه تمثل رغبات الشعب وإرادته، بل ومصلحته على المدى القصير وعلى المدى البعيد، بل ويتعامل القائمين على شئون الدولة مع كل الأمور وكأنهم يديرون عزبتهم الخاصة.
والفارق كبير بين الدول الديمقراطية وعزب الملوك والرؤساء العرب، والمثال الأكبرهو الفارق بين قرار الخروج من الإتحاد الأوربى (Brexist) وقرارت التفريط فى الموارد والأراضى والمبادئ عند ملاك العزب العربيه، ففى اللأولى تم استفتاء الشعب على الدخول ثم تم أستفتاءه على الخروج، ولم تتغير الإرادة بتغير الحكومة التى سقطت بعد استفتاء الخروج ولكن تعدلت فقط طريقة التنفيذ، وهى عمل إدارى وليس من أعمال السيادة.
أما فى العزب العربيه فالأمر مختلف تماما، فناظر العزبه المسمى أحيانا ملك أو رئيس أو أمير له أن يتصرف فى كل أمور العزبه بل وكل أمور الرعيه حسب هواه، فله أن يتنازل عن الأرض وأن يعيد ترسيم الحدود البرية والبحرية، وبل وله أن يفرط فى الثروات والمبادئ، وله الحق أن يهدم دارك ويخرجك منه ويبعه ويبع أرضك لأى مشترى ويشرد سكانه، وأياك أن ترفض أو حتى أن تتأوه بل عليك فقط التمجيد والتسبيح، بل والسجود لولى الأمر، وأن تشكره لعله يترك لك العراء لتسكنه.
وتعدى الأمر ذلك، فناظر العزبه له أن يفرط فى المستقبل وفى المبادئ، وما ذلك ببعيد عن ذلك التسابق الأحمق على إقامة علاقات علنيه بالكيان الصهيونى المغتصب، ولا لوم على "الإمارات" ولا "البحريين"، فالتنازل بدأ من زمن بعيد منذ باع السادات الإرادة المصريه/العربية حين قدم فى كامب دافيد كل الحق العربى على طبق من فضة للص المغتصب مقابل موكب أنتصار أرتد عليه فى 6 أكتوبر 1981.
ففى عام 1977 عندما قرر السادات أن يزور القدس المحتله ويتحدث أمام مجلس الإغتصاب "الكنيست" كانت ردور الفعل العربيه قويه فقاطعت الدول العربية مصر، وعُلقت عضويتها في الجامعة العربية ونقل مقرها الدائم من القاهرة إلى تونس، وقدّم وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمي إستقالته الذى قال حينئذ إن تلك الخطوة حطمت دور مصر تجاه الفلسطينيين، وعزلت مصر عربياً، كما عزلت السادات داخل بلاده.
ورغم ما قام به السادات وبعد 41 عام من اتفاقية الإستسلام المجحفة التى أهدر بها دماء كل الشهداء العرب، الا أن الغالبيه العظمى من الشعب المصرى و الشعب العربى بشكل عام بكل طوائفه السياسية والدينيه، مازال حتى الأن يرفض تلك الإتفاقيه ويرفض الإعتراف بالكيان المغتصب والتعامل معه الذى يسمونه تطبيع ولكنه لن يكون لأنه ضد الضمير والمنطق.
وعادت الجامعة للقاهره بتمثيلية التصالح التى قادها مبارك وعزب الشرالعربية، ويأتى إتفاق التصنيع المشترك كويز-QIZ Qualified Industrial Zone والذى بموجبه يسمح للمنتَج بدخول الولايات المتحدة بلا ضرائب جمركيه أذا حوى نسبة من المكونات المصنعة فى أسرائيل، وكانت محاولة عمليه لإسقاط المقاطعة العربية وفرض التطبيع.
وتزامن ذلك مع ما يسمى مبادرة السلام العربية التى تزعم أل سعود تقديمها كمرحلة أخرى من الإستسلام المهين والتى تتستجدى المغتَصب لإعطاء أهل الأرض قطعة محدودة منها بالشكل الذى يُرضي المغتصب وليسكت صاحب الأرض مقابل أن تنفتح كل العزب العربيه على الكيان المغتصب، عرض سموه "الأرض مقابل السلام"، وما هو إلا تنازل صاحب الأرض وليس تنازل المُغتصب، عرض قوبل بالإستهزاء من الكيان المُغتصب والذى أعلن مقولته " لن تكون هناك أرض مقابل سلام ولكن سيكون هناك سلام مقابل سلام".
ولا ننسى أن تلك الرسالة كان فى ذات الوقت يتم الترويج لها بين الشعب العربى والاسلامى عن طريق دعاة ممولين من تلك العصابة ومنهم العديد أمثال حمزة يوسف والشيخ بن بيه وغيرهم، لإقناع الشعب العربى أن قبول الإغتصاب ورفع راية السلام "الإستسلام" هى رسالة تسامح دينيه أسلاميه ستجعل العالم يرفع الأسلام من قائمة الارهاب ويجعل المُغتصب يستحي ويتكرم وينعم عليك بجزء من حقك بلا حرب.
ووقفت ما تسمى "بالجامعة العربية" عاجزة عن القيام بأى دور ولم تفى حتى بالدور المُخول لها بحكم الأسم، فكلمة "جامعة" هي كلمة مشتقة عربياً من كلمة "الاجتماع" أي الاجتماع حول هدف، ومن كلمة "جمع" أى لم الشمل، ولم نرى يوما أن الكيان المسمى بالجامعة العربية قد أجتمع على هدف أو جمع شمل ذلك الشعب البائس.
ونجد اليوم عزبتى الإمارات والبحرين يطبقان هذا المبدأ وهما يرتميان فى أحضان المُغتصب ولا مكسب حقيقى لأى منهم سوى رضاء نتانياهو وترامب عن إستمرار حكمهم، وهذا هو غاية المراد، فلا يهم رضاء الشعب فهو خارج المعادلة، فناظر العزبه باقى.
وكل هذا لا يزعجنى، لأن جميعهم على علاقة وثيقة بالكيان الغاصب منذ نشأته ولأنهم لا يمثلون شعوبهم، ولأن خروج الخيانه إلى العلن أكثر أمنا من بقائها حبيسة السرية والإنكار، والأهم من ذلك لأنه لا يوجد أى شيئ على الأرض قادرعلى إسقاط الحق، لا إعتراف الامارات ولا السعودية وتوابعها ولا تهنئة فاشى مصر "السيسي" لهم، فمن عاش ووَرث حلم العودة منذ 1947 حتى الأن لن يسقطه مزاج كل نُظارالعزب، فالشعب لا يعبأ بهم ولسوف ينتصر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت