شهدت الولايات المتحدة علامة فارقة كئيبة أخرى يوم الثلاثاء، لتصبح الأولى في العالم التي أبلغت عن أكثر من 200 ألف حالة وفاة بكوفيد-19.
وبينما يشعر الناس في جميع أنحاء البلاد بالحزن على فقدان أحبائهم، انتقد خبراء الصحة طريقة تعامل الحكومة الفيدرالية مع الوباء، وحثوا المسؤولين على التفكير الجاد في الإخفاقات، في وقت تلوح فيه التحديات الجديدة في الخريف والشتاء، والجدول الزمني للقاح فيروس كورونا لا يزال غير واضح.
-- الاستجابة تواجه الانتقادات
كانت هناك 200005 حالات وفاة بسبب فيروس كورونا حتى ظهر الثلاثاء، بينما تجاوز عدد الإصابات 6.8 مليون، وفقا لإحصاءات جامعة جونز هوبكنز. وكلا الرقمين يمثل ما يقرب من خمس الإجمالي العالمي، في حين أن عدد سكان الولايات المتحدة يعادل أقل من 5 في المائة من سكان العالم.
قال أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، في مؤتمر افتراضي استضافته شبكة ((سي أن أن)) يوم الثلاثاء، إن "حقيقة وفاة 200 ألف، أمر مُحزن وصادم في بعض الجوانب".
ورفض فاوتشي، وهو خبير الأمراض المعدية البارز في البلاد، وعضو فريق عمل البيت الأبيض المعني بالاستجابة ضد فيروس كورونا، تصنيف كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الوباء، لكنه قال إن الأرقام تتحدث عن نفسها. وأضاف "ألقِ نظرة على الأرقام وستعرف بنفسك"، و"لسنا بحاجة إلى مقطع صوتي مني. ألق نظرة على الأرقام".
تعتبر الولايات المتحدة حاليا أكبر بؤرة لأزمة الصحة العامة، ولكنها لم تكن أول من شهد تفشي المرض. كانت السلطات الصحية الأمريكية قد أبلغت عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا في الـ20 من يناير، وأول حالة وفاة في أواخر فبراير.
رغم ذلك، ولأسابيع وحتى أشهر، حاول كبار المسؤولين الحكوميين التقليل من خطر الفيروس على عامة الناس بالبلاد، وفقدوا بذلك وقتا ثمينا كان يمكن استغلاله في الاستعداد والتعبئة، رغم التحذيرات المبكرة والمتكررة من المجتمع الدولي والخبراء الصحيين.
لقد نشر توم فريدن، المدير السابق للمراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، تغريدة على تويتر تقول إنه "لم يكن من الضروري أن يحدث هذا. كان من الممكن منع عشرات الآلاف من الوفيات".
بعد تفشي الفيروس على نطاق واسع، اتخذت الحكومة الفيدرالية الأمريكية سلسلة من الإجراءات لكبحه، لكنها قوبلت بانتقادات بسبب تأخرها أو عدم قوتها بما يكفي. لقد كانت رسائلها حول الوباء تحت سيطرة السياسيين أكثر بكثير من رأي العلماء المختصين الذين أظهرت استطلاعات الرأي أن الأمريكيين يثقون بهم أكثر. على سبيل المثال، لم يدعم البيت الأبيض استخدام أقنعة الوجه لكبح انتشار الفيروس حتى شهر يوليو، رغم أنه إجراء اتفق الخبراء على أنه يمكن أن يساعد في تقليل العدوى وإنقاذ المزيد من الأرواح.
وفي بعض الأحيان، حاول البيت الأبيض تهميش أو تغييب دور مسؤوليه وعلمائه الذين يميلون إلى التحدث بصراحة عن الوباء، وسعى في الوقت نفسه لممارسة الضغوط السياسية على الوكالات الصحية، بل وتدخل في عملها، مما تسبب في إحداث ارتباك، وإضرار بثقة الناس.
كتب توم إنغليسبي، مدير مركز الأمن الصحي في كلية بلومبرغ للصحة العامة بجامعة جونز هوبكنز، على تويتر "للأسف رأينا العلماء ومسؤولي الصحة العامة ووكالات العلوم الحكومية يتم تجاهلهم بشدة"، و"لقد شهدنا أن التوصيات العلمية يتم تغييرها من خلال عملية سياسية".
في غضون ذلك، سعى البيت الأبيض إلى إبعاد اللوم عن نفسه طريق الانخراط في حروب كلامية مع مسؤولي الولايات وإعادة تشكيل الروايات المتعلقة باستجابته تجاه الوباء. وتجاوزت لعبة إلقاء اللوم الحدود. في يوليو، أبلغت الولايات المتحدة منظمة الصحة العالمية، رسميا، بانسحابها من هذه الوكالة الأممية المتخصصة، وهي خطوة تعرضت لانتقادات شديدة وعرضت الحرب العالمية ضد الوباء للخطر.
وفقا لمسح جديد لمركز ((بيو)) للأبحاث، شمل 13 دولة، فإن معدل 15 في المائة فقط ممن شملهم الاستطلاع قالوا إن الولايات المتحدة قامت بعمل جيد للتعامل مع تفشي المرض. في المقابل، أعرب معظم الذين شملهم الاستطلاع عن وجهات نظر إيجابية تجاه استجابة منظمة الصحة العالمية، وفي جميع الدول تقريبا، أعرب الناس عن آراء إيجابية لتعامل دولهم مع الأزمة، وكانت الولايات المتحدة استثناءً ملحوظا.
-- تحديات جديدة قادمة
بعد ذروات في الصيف شهدت ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا يوميا إلى أكثر من 70 ألفا بالولايات المتحدة، انخفض عدد الإصابات الجديدة يوميا بشكل عام، ولكن في الأسبوع الماضي، كان لا يزال هناك ما لا يقل عن 33 ألف حالة تشخيص ومئات الوفيات في يوم واحد. وأبلغت العديد من ولايات الغرب الأوسط الأمريكي مؤخرا عن أعداد قياسية من الإصابات في يوم واحد.
وكتب فريدن على تويتر في وقت سابق "نشعر جميعا بالسخط والإرهاق من الوباء، ولكن للأسف لم يتعب كوفيد من جعلنا هكذا. ما زال موجودا، والكثير من الناس يصابون بعدواه، والفيروس لا يزال مُهلِكا"، و"لم نخرج من الغابة. وقد يموت 100 ألف شخص آخر بحلول نهاية العام، ما لم نحسّن استجابتنا".
وحثت ليانا وِن، الأستاذة الزائرة للسياسة والإدارة الصحية بمعهد ((ميلكن)) للصحة العامة بجامعة جورج واشنطن، الناس على عدم التخلي عن حذرهم، وكتبت على تويتر أن "إجراءات الصحة العامة التي ناقشناها طوال الوقت هي نفسها لا تزال أفضل حماية لنا".
وبينما يحضر معظم الطلاب فصولهم الدراسية افتراضيا هذا الخريف، يعود آخرون في بعض أجزاء الولايات المتحدة إلى المدارس. وانتشرت مؤخرا أخبار حول انتشار عنقودي لفيروس كورونا في هذا الحرم الجامعي أو ذاك، تباعا، مما أحبط الجهود المحلية لتسطيح منحنى الإصابات، وعرقل التقدم في إعادة فتح الاقتصاد والمجتمعات.
قال ستانلي بيرلمان، أستاذ علوم الأحياء الدقيقة والمناعة في جامعة أيوا، لـ((شينخوا)) "لقد أدى موسم العودة إلى المدارس إلى إصابات جديدة في الكليات والجامعات على مستوى البلاد. وستستمر حالات الإصابة بفيروس كوفيد -19 بين الطلاب والأطفال في الارتفاع".
لقد أبلغت أكثر من 150 كلية وجامعة في الولايات المتحدة عن 100 حالة إصابة بفيروس كورونا على الأقل خلال فترة الوباء، بما فيها عشرات شهدت طفرات في الأسابيع الأخيرة، وفقا لاستطلاع أجرته صحيفة ((نيويورك تايمز)).
قالت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ورابطة مستشفيات الأطفال في تقرير صدر يوم الإثنين إن ما مجموعه 587948 طفلا في البلاد ثبُتت إصابتهم بالمرض حتى 17 سبتمبر، مضيفة أنه تم الإبلاغ عن 74553 حالة جديدة بين الأطفال في الفترة من 3 سبتمبر إلى 11 منه، بزيادة 15 في المائة خلال أسبوعين.
أشار الخبراء أيضا إلى أن تداخل وباء فيروس كورونا مع موسم الإنفلونزا، الذي بدأ في الخريف، يمكن أن يسبب إرهاقا لقدرة الرعاية الصحية، ما يجعل الأشهر القادمة صعبة جدا.
وقالت مراكز ((CDC)) على موقعها الإلكتروني إنه "بسبب وباء كوفيد-19، فإن الحد من انتشار أمراض الجهاز التنفسي، مثل الإنفلونزا، في موسمي الخريف والشتاء هذين، أكثر أهمية من أي وقت مضى"، و"توصي مراكز ((CDC)) بأخذ لقاح الإنفلونزا في سبتمبر أو أكتوبر، ولكن التطعيم في أي وقت خلال موسم الإنفلونزا يمكن أن يساعد في حمايتكم".
وكتب علي نوري، عالم الأحياء الجزيئية ورئيس اتحاد العلماء الأمريكيين، وهو مركز أبحاث سياسات مكرس لمعالجة الأوبئة والمخاطر العالمية الأخرى، على تويتر قائلا "إن الجميع بحاجة إلى خطة واستعداد لأشهر الشتاء"، محذرا من أنه "بدون احتياطات، فإن قضاء المزيد من الوقت في الداخل، وغالبا في أماكن مزدحمة وسيئة التهوية، سيؤدي إلى تفاقم الوباء".
-- جدول مواعيد اللقاح غير واضح
قال بيرلمان إنه يعتقد أن "أعداد الحالات قد ترتفع في الخريف والشتاء" في الولايات المتحدة، لكنه يأمل أنه "بالإجراءات المناسبة وربما اللقاح، ستكون الزيادة أقل مما نخشاه". مع ذلك، فإن الجدول الزمني للقاح كوفيد-19 لا يزال غير واضح ومُحيّر.
لقد ظل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسعى لإعادة انتخابه هذا العام، يضغط من أجل توزيع اللقاح قبل يوم الانتخابات في مطلع نوفمبر القادم، في وقت يعتبر فيه الوباء موضوعا رئيسيا في حملته الانتخابية، في حين أن الانتقادات الموجهة لاستجابة إدارته تجاه الوباء قد فرضت ضغطا على آفاق الولاية الثانية للرئيس الجمهوري.
في وقت سابق من هذا الشهر، دعت مراكز ((CDC))، مسؤولي الولايات للاستعداد لتوزيع اللقاح على المجموعات ذات الأولوية القصوى في وقت مبكر قريب من الأول من نوفمبر. لكن مونسيف سلاوي، رئيس مركز علمي تابع للبيت الأبيض يركز على مهمة تسريع تطوير اللقاح، قال إنه "ممكن، ولكن من غير المحتمل تماما" أن يكون اللقاح جاهزا للتوزيع بحلول ذلك الموعد.
وخلال جلسة استماع مع لجنة فرعية بمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، قال روبرت ريدفيلد، مدير مراكز ((CDC))، إن اللقاح ربما لن يكون متاحا على نطاق واسع لعامة الأمريكيين، حتى "أواخر الربع الثاني، الربع الثالث من عام 2021".
لكن ترامب رفض تصريحات ريدفيلد ووصفها بأنها "معلومات غير صحيحة". وقال ترامب للصحفيين الأسبوع الماضي "أعتقد أنه ارتكب خطأ عندما قال ذلك"، و"اتصلت به ولم يخبرني بذلك. أعتقد أنه فهم الرسالة بشكل ملتبس، وربما قيلت بشكل غير صحيح".
وقال فاوتشي يوم الثلاثاء إن "الناس يمكن أن يكون لديهم توقعات لما يعتقدون أنه قد يحدث"، لكن لا أحد يعرف حقا متى سيكون اللقاح جاهزا.
وأوضح قائلا إن "النظام عبارة عن نظام مزدوج التعمية يتم التحكم فيه وهميا - ما يعني أن هناك لجنة مستقلة لمراقبة البيانات والسلامة لا علاقة لها بالسياسة أو السياسيين، ولا علاقة لها أساسا بالشركة، أو إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، أو الأشخاص الذين يجرون التجربة"، و"لا أحد يعرف ما هي تلك البيانات، لأنه لا أحد يطلع عليها. إنها في تعمية".
إضافة لذلك، لا يوجد تأكيد لمدى الفعالية التي سيكون عليها لقاح كوفيد-19 في النهاية. قالت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في يونيو إنها ستسمح بإعطاء اللقاح إذا كان آمنا وفعالا بنسبة 50 في المائة على الأقل، في الوقاية من المرض أو تقليل شدة العدوى. واعترف فاوتشي في وقت سابق بأن فرص العلماء في ابتكار لقاح عالي الفعالية "ليست كبيرة".
نشر لورنس غوستين، أستاذ قانون الصحة العالمي ومدير معهد أونيل لقانون الصحة الوطني والعالمي بجامعة جورج تاون، تغريدة على تويتر بأن "هناك الكثير يمكن أن يحدث بالخطأ" مع لقاح كوفيد-19، ومنه موافقة إدارة الغذاء والدواء، والإمدادات الكافية، والتوزيع العادل للقاح والتردد بشأنه، إضافة إلى "المخاوف بشأن المسؤولية والتعويض العادل لأية مشاكل ناجمة عن اللقاح".