- بقلم عدنان الصباح
تتداول أوساط الحكومة على ما يبدو فكرة البحث عن عملة بديلة عن الشيكل ويراود البعض حلم اصدار عملة فلسطينية او الانتقال الى عملة اخرى وبعيدا عن الإشكاليات السياسية وتعقيدات اتفاق باريس وتدخل الاحتلال السافر في البنية الاقتصادية الفلسطينية وضعفها ومراوحتها لمكانها وارتباطها الوثيق بالاقتصاد الاسرائيلي بأشكال كثيرة ومعقدة فان الفكرة بحد ذاتها لا تعني شيئا سوى المغامرة غير المحسوبة والذهاب بالاقتصاد الفلسطيني الهش الى حالة من التيه لا يدري احد الى اين سيصل.
الاقتصاد الفلسطيني مرتبط ارتباطا وثيقا باقتصاد دولة الاحتلال ويكفي ان نعرف ان دولة الاحتلال تستحوذ على 80% من الواردات الفلسطينية بقيمة تفوق ال 20 مليار شيكل وهي جميعا تتم بعملة الشيكل والاستغناء عن ذلك يصبح أمرا شبه مستحيل في مثل هذا الواقع وقد تكون فكرة إيجاد عملة بديلة من دول الجوار أمرا صعبا ايضا بسبب ضعف اقتصاديات تلك الدول كما ان فكرة العملة الوطنية بعيدا عن أهميتها كأحد اركان السيادة فإنها تشكل عبء غير بسيط على الاقتصاديات الضعيفة فماذا هو الحال باقتصاد ملحق بدولة العدو كالاقتصاد الفلسطيني ثم ان توفير نقد بديل سيشكل عبء على اقتصاد يسعى للوجود قبل ان يسعى للتطور حين تكون مجبر على الانتقال القسري بين عملتين او ثلاث فلكي تستطيع توفير 20 مليار شيكل بعملة غير الشيكل ثم إعادتها للشيكل كسيولة ضرورية للمعاملات التجارية مع دولة الاحتلال ستوفر للشيكل قدرة اخطر على التداول تعافي اكثر وبين الخطوتين سيخسر المتداول نفسه الفرق لصالح أصحاب العملتين أنفسهم ويصبح وحده الخاسر الوحيد.
الشيكل شر لا بد منه فالتعامل بعملة عربية كالدينار والجنيه المصري في الوقت الحالي صعب وخطر فالأردن نفسها لا تستطيع ان تعطي عملتها لسوق اخرى لا سيطرة لها عليه وهو ما سيشكل إضعاف خطير لها أمام سلطة الشيكل وكذا الحال مع الجنيه المصري الذي يحتاج الى إنعاش وستكون خطوة استخدام الجنيه المصري او الدينار خطوة موجعة للاقتصادين العربيين وبدل خدمة الأشقاء سنحضر لهم بأيدينا ضربة قد تكون موجعة حين تصبح عملة بلدين عربيين تحت سطوة البنك المركزي لدولة الاحتلال.
فكرة العملات الرقمية ايضا هي فكرة من لا فكرة له فأنت تذهب بما لديك على ضآلته من اقتصاد مجزوء ومتعب وغير موحد وغير مستقر وغير ثابت وملحق الى مهب الريح لا معنى حين يصبح اقتصاد فلسطين تائه مرتين وملحق بوهمين وهم العملة الرقمية غير الحقيقية وغير الثابتة وخطر والاحتلال ووهمه وبالتالي سنحكم على كل المنظومة الاقتصادية بالدمار وسنعطي دولة الاحتلال قدرة خطرة على معاودة التلاعب بأوضاعنا اكثر واكثر مما سيكون له كبير الأثر على موضوعة التحرير والاستقلال التي نصر على إبعادها عن الواقع بأيدينا اكثر فاكثر.
فكرة استخدام الدولار ايضا تشبه لعبة القمار فكل الدلائل تشير الى ذهاب الدولار الى حالة من الانهيار القريب وقد يكون العام 2021 عام انهيار تام للدولار الامريكي وحسب ما نشره الخبير الاقتصادي الامريكي ستيفن روتش فان الدولار الامريكي ذاهب الى الانهيار في العام 2021 وحسب أقواله فان " "عجز الحساب الجاري في الولايات المتحدة، وهو أوسع مقياس لاختلال التوازن الدولي مع بقية العالم، عانى من تدهور قياسي في الربع الثاني.
كما سجل ما يسمى معدل المدخرات الوطنية الصافية، وهو مجموع مدخرات الأفراد والشركات والقطاع الحكومي، انخفاضا قياسيا في الربع الثاني عائدا إلى المنطقة السلبية للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية" ومثل هذا التغير الفجائي في اقتصاد لا يمتلك اكثر من 14 مليار شيكل مقابل اقتصاد دولة الاحتلال الذي يقترب من 400 مليار شيكل فمثل هذه المقارنة وحدها تبين لنا مدى قدرتهم على خنقنا ان قمنا بحركات صبيانية خطيرة جدا وقد تلحق أذى لا حدود اقتصادية له بل تتعدى الى الأذى الوطني بشكل عام الاقتصادي والاجتماعي فقد يتعدى دخل العمال الفلسطينيين العاملين في دولة الاحتلال ويتقاضون رواتبهم بالشيكل 40 مليون شيكل يوميا وإذا أضيف له التداولات التجارية الصغير واليومية فان الأرقام تصبح مرعبة ويصبح الحديث عن انفكاك ارتجالي لا يجد دعما على الأرض لا بالقوة الاقتصادية ولا بالسيادة السياسية نوع من الانتحار الذاتي وحسب إحصائيات غير دقيقة فان مدينة مثل جنين يصل إليها أيام السبت حوالي 5000 سيارة من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 ويكفي اعتبار ان كل سيارة ستنفق 1500 شيكل حسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين فان هذا يعني اكثر من سبعة ملايين شيكل ولو أضفنا لها 20% من عدد السيارات لباقي أيام الأسبوع فان العدد سيتضاعف تقريبا أسبوعيا وبالتالي يصبح تداول الشيكل بهدف سياسي خطر على اقتصاد في بنية سياسية ومؤسساتية لا تستطيع تحقيق ذلك بالمعنى اليومي والإداري فالناس وهم المنفذين لخطط حكوماتهم الاقتصادية لن يقبلوا بحجم الخسائر اليومية ان لم يؤسسوا ليصبحوا مدركين للهف الوطني والسياسي ومؤمنين به الى حد يفوق مصالحهم المالية الخاصة.
كل الخيارات في موضوع الاستبدال الارتجالي للشيكل إذن تقود الى الهاوية إلا خيار التحرير والانفكاك الوطني من الاحتلال لا من اقتصاده فقط, فلا استقلال حقيقي دون اقتصاد حقيقي إلا بالحرب ولا حرب هناك في الأفق ولا طبول تقرع ولا قوة عسكرية قادرة على فعل ذلك بالمنظور ولا مقاومة شعبية حية وقادرة على انجاز التحرير, ولذا فان على صاحب القرار الفلسطيني ان لا يدق مسمارا جديدا في نعشنا بمسميات وطنية قد تدق الى جانب مسمار نعشنا مساميرا في نعوش بعض العرب دون ذنب لهم ولا يجوز القفز الأهوج على الحقائق فان علينا أولا ان ننجز التحرير وكنس الاحتلال لنبني طنا على ارض نظيفة من الدنس الذي يطال كل شيء بدل ان نلفي بكل ما نملك على ضآلته تحت بساطير هذا الدنس.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت