- د. هاني العقاد
بمجرد ان اعلن ترمب التوصل لاتفاقات تطبيع بين اسرائيل وكل من الامارات والبحرين بدأت تتضح خارطة التطبيع العربي الاسرائيلي رويدا وبدات عجلات قطار التطبيع المنطلق من دبي ترسم هذه الخارطة دون ان يكترث احد بان هذا القطار يسير علي جماجم الشهداء الفلسطينين ويدمر سبل التوصل لحلول عادلة وشاملة للصراع علي اسس حددتها الشرعية الدولية , ودون ان يعير المطبعين اي اهتمام انهم يشيعوا مبادرة السلام العربية بيروت 2002 ودون ان يعرفوا ان الفلسطنيين تاكدوا ان العرب لم يصبروا علي حالهم ولم يكن بمقدورهم العمل علي حماية كياناتهم التي بدات تهترئ وتتهاوي لولا الاسناد الامريكي والاسرائيلي وكان اسرائيل وامريكا تقف معهم بالمجان وبلا اثمان . لم يكن بمقدورهم دعم النضال الفلسطيني حتي يحرر الفلسطينين ارضهم ويعلنوا دولتهم ويستعيدوا مقدساتهم ,هرولوا لاسرائيل ومكنوها من الدخول لصفوفهم وقصورهم من خلال عرابين ساقطين نفذوا اوامر الصبي كوشنر فهو من يهندس العلاقات الدبلوماسية بين العرب واسرائيل حسب خارطة التطبيع التي رسمها سيد البيت الابيض زاعمين ان هذا لاجل السلام والازدهار في المنطقة .
الغريب ان بعض القادة العرب مازالوا يصروا انهم متمسكون بمبادرة السلام العربية التي ماتت يوم توقيع اتفاق الامارات البحرين واسرائيل ولم يعد منها سوي الاسم ولا اعتقد بالمطلق ان تكون يوما من الايام علي طاولة اي مفاوضات قادمة لان الامريكان والاسرائيلين لم يعترفوا بها كمرجعية من مرجعيات التسوية السلمية . لعل ما تحدث به الامين العام لجامعة الدول العربي السيد احمد ابو الغيط في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الاخير حول مبادرة السلام العربية علي انها لا تزال الخطة الاساس المتفق عليها عربيا لتحقيق السلام ليس اكثر من حديث اعلامي مفرغ لا يرتبط بالحقيقة ولا ما يجري علي الارض وخاصة ان قرارات القمم السابقة تقول ان التطبيع مع اسرائيل عمل غير شرعي قبل اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وحذرت قرارات هذه القمم من لجوء اي دول عربية للتطبيع علنا او سراً مع اسرائيل لانه يدمر افق عملية السلام ويقوض فرص التسوية علي اساس مبادرة السلام العربية ومبدأ حل الدولتين .
اتمني ان تكون جامعة الدول العربية اكثر شجاعة ويخرج السيد احمد ابو الغيط ويعلن ان مبادرة السلام العربية لفظت انفاسها الاخيرة مع اول اتفاق تطبيع عربي اسرائيلي ويعلم انه لم يعد منها اي شيء والتحدث فيها امر يقلل من شأن المتحدثين واعلان التمسك بها شيئا كمن يتمسك بكومة دخان سرعان من يفتح يده فلا يجد شيئ .الحقيقة ان خارطة التطبيع التي يرسمها صبيان البيت الابيض تقول ان مبادرة السلام العربية لم يعد لها وجود في جامعة الدول العربية ولا علي طاولة الامريكان او الاسرائيلين لانهم لم يعترفوا بها من قبل فكيف ستكون علي طاولتهم , والاكثر تاكيدا ان اتفاقات التطبيع لم تتحدث ولو بكلمة واحدة عن التسوية المستقبلية للقضية الفلسطينية بل ان الحديث في تلك الوثائق التي كتبها فريق البيت الابيض يدور حول مفهوم السلام والازدهار والتعايش مع الاحتلال ليس اكثر والتفاهم بين الشعوب , السلام الاقتصادي الذي يؤسس لدخول مليات الدولارات للخزينتين الامريكية والاسرائيلية ويبقي العرب خداما ينقلوا تلك الاموال علي ظهورهم كالعبيد دون ان يملكوا منها قرشا واحدا .
ان مبادرة السلام العربية شبعت طعنا بخناجر اللهثين وراء مؤخرة اسرائيل قبل اعلان الامارات واسرائيل ولم يعد منها سوي جسد ممزق متهتك ولم تعد من الثوابت العربية حتي جاء اتفاق الامارات البحرين واسرائيل ليعلن تشيعها الي مثواها الاخير لتتربع صفقة القرن علي الطاولة بدلا منها ويفتخر العرب بها ويتفاوتوا فيما بينهم لتقبل اقدام من اعدها , فالتطبيع احد اهم خطط هذه الصفقة فبمجرد ان اعطي ترمب الضوء الاخضر لفريقه ليجري مباحثات حول التطبيع وافق العرب دون قيد او شرط وبقي التوقيت للبيت الابيض ليعلن متي يلتقي الفريقان ليوقعوا في حديقة البيت الابيض ليصفق لهم وينصرفوا . اليوم ترك العرب المشهد بلا مرجعيات علنية سوي مرجعية الصفقة الامريكية الاسرائيلية التي باتت علي الطاولة وليس المطلوب منهم ان يدافعوا عن مبادرة ميتة كالمبادرة العربية بل المطلوب منهم ان يكونوا اكثر وضوحا مع شعوبهم ويعلنوا قبول صفقة ترمب كمرجعية بديلة ويعلنوا رسميا انهم اوقفوا كل اشكال الدعم المادي والمعنوي والسياسي والمالي عن الفلسطينين لانهم رفضوها ويحاربوا من يقبلها وعليهم ان يصارحوا انفسهم ايضا ويعترفوا ان خناجرهم هي التي قتلت المبادرة العربية كما ويعلنوا انهم تناسوا كل قرارات الشرعية الدولية التي اتفق عليها العالم كاساس لحل الصراع العربي الاسرائيلي .
اليوم بعد تشيع مباردة السلام لمثواها الاخير نستطيع ان نقول ان شرعيات حل الصراع دفنت لدي بعض العرب والمرجعات استبدلت بمرجعيات صناعة امريكية اسرائيلية صهيونية بامتياز والثوابت العربية اصبحت كورق المراحيض بيد الامريكان ليس اكثر والمعايير قلبت والمبادئ الوطنية مسحت من دفاتر التاريخ , ليس هذا فقط بل ان كرامة العرب التي كانت في قضيتهم اهانها حكام دبي والمنامة وعمان والخرطوم وغيرهم حتي باتت تدوس علي كبريائها عاهرات تل ابيب التي تستقبل الان ومنذ ذلك الحين الاف الجلابيب التي تتراقص طربا في شوارع تل ابيب ومواخيرها تبذر الاموال تحت اقدام الراقصات وتعود خاوية الي بلدانهم وهكذا يكون الازدهار والسلام وهكذا يكون العرب قد ساهموا في وضع لبنات الدولة اليهودية الكبري علي الارض العربية .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت