بقلم : محمـد علوش
بندر بن سلطان بن عبد العزيز لم ينطق عن الهوى ، فتصريحاته الأخيرة تعكس لسان حال النظام السعودي إزاء القضية الفلسطينية ، وما تفوه به خلال الأيام الماضية هي وجهة نظر راسخة ورسمية ضمن سياسة النظام السعودي والتي اختلفت كثيراً بعد وصول محمـد بن سلمان إلى موقع ولي العهد ، والتحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة العربية وما يجري من هرولة وتسابق عربي حميم لإقامة وتوثيق العلاقات مع دولة الاحتلال .
بندر بن سلطان رئيس جهاز المخابرات السعودي السابق وأحد أهم الدبلوماسيين السعوديين ، والذي أقام علاقات وطيدة مع الولايات المتحدة وشغل مهمة السفير فوق العادة للنظام السعودي في واشنطن ، وما صرح به من مواقف حول القضية الفلسطينية وقضايا الأمن السعودي والعلاقات العربية يدلل على سياسات سعودية جديدة ومختلفة للتنكر تدريجياً من العبء الفلسطيني ، فقد آن الأوان أن يحل كل بلد مشاكله بمنأى عن الآخر ، فقضايا الإصلاح الداخلي والأمن القومي السعودي أهم من قضية فلسطين التي أسهم النظام السعودي في مراحله السابقة بدعمها في جوانب مادية وفي مواقف سياسية واضحة ومعلنة .
أقوال بندر بأن القيادة الفلسطينية تأتي إلى السعودية فتأخذ المساعدات ولا تسمع المشورة وتعمل عكسها ، وأنها تذهب في علاقات مع إيران ومع تركيا وتدير ظهرها للسعودية وللدول العربية التي تسير في موجتها أقوال ليست دقيقة وغير واقعية على الإطلاق بدليل أن العلاقات الرسمية بين الجانب الفلسطيني والسعودية هي علاقات راسخة وهناك تواصل مستمر وتشاور على أعلى المستويات بين الرئيس الفلسطيني والعاهل السعودي وكل خطوة تخطوها القيادة الفلسطينية تتم في إطار التنسيق العربي وخاصة مع السعودية .
فماذا تغير على الساحة السياسية حتى يطلق بندر بن سلطان تصريحاته النارية التي خلطت الأوراق على أكثر من مستوى ؟؟
هل من جديد في أروقة السياسة السعودية وعلى مستوى صانعي القرار فيها ؟؟
العلاقات العربية الفلسطينية ومنذ بدايات ما تم تسميته بالربيع العربي تراجعت ، جرت مياه كثيرة تحت النهر ، واختلفت الحكومات وتبدلت الأنظمة وتسارعت الأحداث ، ولم يعد هناك مواقف عربية موحدة ، ولو بالقول .. كما كان عليه الوضع سابقاً ، والجامعة العربية فقدت قيمتها كممثل للأمة العربية وقضاياها ، ولم تعد هناك شعارات ولافتات كبيرة كالعمل العربي المشترك .. الأمن القومي العربي .. السوق العربية المشتركة .. الدفاع العربي المشترك .. القضية الفلسطينية قضية كل العرب .. القضية المركزية للأمة العربية .
أختلف الوضع كثيراً وكل بلد أو نظام رسمي عربي بات يبحث عن طريق خاص يسلكه ، ليحقق مصالحه ويتقرب أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية ويحظى بدعمها حفاظاً على عرشه وكيانه السياسي الهش ، وهذا هو واقع الحال ، وهو ما جعل عدداً من الدول تسلك مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بقرار أمريكي ، وهذا ما جعل دولاً عديدة تتراجع عن مواقفها التاريخية اتجاه القضية الفلسطينية ، وجعل أنظمة عديدة توقف دعمها المالي للشعب الفلسطيني ، وكل ذلك من اجل الضغط على الشعب الفلسطيني وقيادته للاذعان والركوع أمام المشاريع التصفوية الأمريكية – الإسرائيلية التي تعبر عنها صفقة القرن الأمريكية وفي صميمها سياسة الضم بعد ما أقدمت عليه أمريكا بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وإعلان أراضي الجولان العربي السوري تحت السيادة الإسرائيلية .
لا ننتظر مواقف ثورية من بندر بن سلطان ولا من تلك الأنظمة الهشة التي لا تملك قرارها المستقل ، ولا نتوقع منهم أن يكون لهم أي موقف خارج إطار الموقف الأمريكي لأنهم في الأساس أدوات للإدارة الأمريكية وعصا تضرب بها هنا وهناك .
بعدما ضعف حالنا الفلسطيني وباتت أوضاعنا مرهونة هنا وهناك في إطار العباءة العربية الممزقة ، علينا استخلاص العبر والدروس التاريخية وإعادة ترتيب أوضاع البيت الفلسطيني وتصليب الجبهة الفلسطينية ومواجهة التحديات بإرادة وتصميم لدحر كل المشاريع المشبوهة والتصفوية فكلما اشتدت الأزمة سيكون طريقها إلى الانفراج أقرب .
فاشتدي أزمة تنفرجي ..
فلسطين ليس في جيب أحد وقضيتها أكبر من هذا العبث وهذا الخراب وهذا الاستفزاز الصبياني الذي لا يساوي قطرة حبرٍ واحدة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت