في اليوم الدولي لمكافحة الفقر (17 تشرين أول) .. التمكين الاقتصادي في دولة فلسطين مقاربة إبداعية لمكافحة الفقر

بقلم: باسم دودين

باسم دودين
  • بقلم: المهندس باسم دودين
  • المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي

أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1992 عن  17 تشرين الأول "اليوم الدولي للقضاء على الفقر"،  و زخرت أدبيات الأمم المتحدة بأهمية القضاء على الفقر، وتجلى ذلك في الأهداف الانمائية للألفية (Millennium Development Goals) وأهداف التنمية المستدامة (Sustainable Development Goals)، حيث إحتل موضوع مكافحة الفقر المكانة الأولى في هذه الأهداف.  برغم ذلك، وعلى أرض الواقع، لا تزال أعداد الذين يعانون من الفقر المدقع (يعيشون على أقل من 1,9 دولار في اليوم) تعد بمئات الملايين وفي تزايد خاصة في الدول النامية.
وفي دولة فلسطين، لا تزال نسب الفقر والبطالة تشكل معضلة حقيقية وتضم بشكل متسارع فئات مجتمعية قادرة على العطاء والمساهمة في التنمية كالشباب والنساء وذوي الاعاقة.  والجميع يدرك أن الاحتلال الاسرائيلي يشكل عائقاً في طريق التنمية المستدامة في دولة فلسطين، حيث يتحكم الاحتلال في معظم مفاصل حياتنا الاقتصادية بما يحول دون تحقيق الاستقلال الاقتصادي الذي نطمح إليه، و يحول دون الشعب الفلسطيني في إستغلال مصادره الطبيعية والتي ستؤدي حتماً إلى تقليل نسب الفقر والبطالة.   وبرغم ذلك، من المفترض أن مكافحة الفقر تأتي كمحصلة لنمو الاقتصاد الوطني والذي يجب أن ينعكس على الفئات الفقيرة من خلال خلق فرص عمل جديدة.   وفي دولة فلسطين، لم يؤدي هذا النمو إلى تقليل نسب الفقر والبطالة بالدرجة المطلوبة بحيث تواكب الازدياد السنوي في السكان وفي أعداد الخريجين، وما نسب النمو العالية في الاقتصاد الفلسطيني في سنوات كثيرة إلا أرقام مضللة لا تعكس نمواً حقيقياً في الاقتصاد الوطني.   وهذا يؤشر  إلى أن هناك خللاً في توزيع الثروة،  وأن هذا النمو لم يصب في تحقيق درجة أعلى من العدالة الاجتماعية.  كذلك، يجب أن يظل ماثلاً امام أعيننا أن برامج الحماية الاجتماعية الحالية، على أهميتها، ليست كافية لتحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية.
وبالرغم مما سبق، توجد مساحة نستطيع التحرك من خلالها للمساهمة في تقليل نسب الفقر وفتح الآفاق أمام فئات مجتمعية مؤهلة للإندماج في عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.   حيث أن المسار الآخر لمكافحة الفقر، إضافة إلى النمو الاقتصادي على المستوى الوطني، هو الاستهداف المباشر للفئات الفقيرة من خلال التمكين الاقتصادي.  وفي دولة فلسطين، وإذا تم تحليل خارطة الفقر، نجد أن فئات مهمة من الممكن أن تغادر مربع الفقر من خلال تمكينها إقتصادياً.   وتتنوع إستراتيجيات التمكين الاقتصادي حسب الفئات المستهدفة والسياقات الجغرافية المتنوعة.  وبناء على تجربة المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي والتي كانت برنامجاً تحت مظلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، يمكن الاشارة إلى أن الاستراتيجيات التالية كانت فعالة في مكافحة الفقر:
1.    المشاريع الصغيرة المدرة للدخل:  وهذه المشاريع تعمل على أساس المزاوجة بين قدرات العنصر البشري المستهدف والمصادر المتوفرة لهذا العنصر (طبيعية أو معرفية أو إجتماعية) والتي يكملها القدرة للوصول إلى مصدر التمويل المناسب (قروض ميسرة أو منح).  وتجربة فلسطين في هذا المجال بحاجة إلى تقييم لتعظيم الايجابيات ومحاصرة السلبيات.   ومن خلال التجربة الميدانية، فإن بناء الشراكة مع المستفيد من خلال إعداد جدوى إقتصادية حقيقية للمشروع وبناء وتطوير قدراته في إدارة المشروع هي خطوات أساسية للنجاح.  حيث لا يجب أن تكون العلاقة مع المستفيد هي علاقة مقرض ومقترض تحكمها الضمانات المالية وإنما الحاجة وإمكانية تنفيذ المشروع على أرض الواقع.  
2.    البرامج التي تعتمد على نقل المعرفة: إن برامج تسليح الفئات المستهدفة بالمعرفة (التمهير والتدريب) المؤدية إلى الدخول في سوق العمل أثبتت فعاليتها إن هي صممت بطريقة صحيحة من خلال البناء على الاحتياج للإسواق، وعدم الاعتماد على نقل معرفة ليست مطلوبة في سوق العمل.  لهذا، فإن برامج التدريب المهني  والبرامج الجامعية بحاجة دائماً إلى تحديث  وتطوير لمواكبة إحتياجات السوق.
3.    إحتضان وتسريع الأفكار الريادية:  وهذه الاستراتيجية في التمكين تعمل على إحتضان وإيجاد البيئة الممكنة والتمويل المطلوب للأفكار الريادية لدى الفئات المستهدفة لترجمتها إلى مشاريع مدرة للدخل.  وقد كان للمؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي تجارب ناجحة في هذا المجال بالشراكة مع العديد من الجامعات الفلسطينية، حيث أوجدت بعض المشاريع للرياديين أكثر من 10 فرص عمل للمشروع الواحد وحصل بعضها على جوائز دولية.
4.    تحريك الاحتياجات التنموية الكامنة: وهذه الاستراتيجية في التمكين ساعدت على إيجاد فرص عمل من خلال تحريك بعض الاحتياجات التنموية وإخراجها إلى حيز الوجود.  ومثال ذلك، بناء وحدات نظم المعلومات الجغرافية (GIS) في العديد من البلديات والتي تم من خلالها ملامسة إحتياجات تنموية مهمة ساهمت في خلق فرص عمل جديدة للخريجين.
5.    تحريك المصادر الطبيعية غير المستغلة: يوجد الكثير من المصادر الطبيعية وتحديداً الأراضي الزراعية غير المستغلة وجزء منها تملكه مؤسسات أو تملكه الدولة.  وهذه المصادر يمكن تحريكها من خلال إيجاد علاقة ثلاثية بين المالك والفئات المستفيدة وجهة التمويل بما يضمن الفائدة لكل الأطراف.  ويوجد العديد من الأمثلة الناجحة على هذه الاستراتيجية في التمكين.
6.    المشاريع المجتمعية (Social Enterprises): يوجد من الفئات الفقيرة المستهدفة من هم غير قادرين على إدارة مشاريعهم الخاصة لعدة أسباب، لكن لديهم قدرات يمكن أن تستثمر من خلال مظلة مؤسساتية لها بعد خيري، حيث يستطيع المستهدفون من العمل وتحسين دخلهم تحت هذه المظلة.  وهناك العديد من التجارب الناجحة لمثل هذه المشاريع والتي أوجدت دخلاً للمستفيدين والمؤسسات الحاضنة لهذه المشاريع.
7.    العمل عن بعد: يمكن فتح أسواق خارجية أمام الفئات المستهدفة المؤهلة يتم من خلالها إستجلاب مهام وأعمال يتم إنجازها محلياً لجهات خارجية.  وتوجد العديد من المؤسسات التي عملت على هذا المسار التمكيني وساهمت في خلق مئات من فرص العمل.  وقد كان للمؤسسة الوطنية للتمكين الاقتصادي تجارب ناجحة في هذا المجال وخصوصاً في قطاع غزة.
8.    الشراكة مع القطاع الخاص: إن الانتقال من المشاريع الصغيرة إلى المشاريع المتوسطة والكبيرة يمكن أن يشكل رافعة تمكينية للفئات المستهدفة.  وهذا النموذج في التمكين بحاجة الى الشراكة مع القطاع الخاص الذي يمتلك المعرفة والقدرات التسويقية، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة بناء هذا النموذج بطريقة تحفظ حقوق الفئات المستهدفة.  ونورد في هذا السياق نموذج مصنع البطاطا المفرزة (تحت الانشاء) في منطقة طوباس والذي سيعطى الفرصة للفئات المستهدفة للعمل أو تملك أسهم في هذا المصنع.  وفي سلسلة القيمة في هذا المشروع، سيتم زراعة مئات الدونمات من تقاوي البطاطا الخاصة بهذا المنتح والتي ستتيح الفرصة لتمكين صغار المزارعين ومساعدتهم على تسويق منتجاتهم.
هذه نماذج لإستراتيجيات التمكين التي تستهدف الفئات الفقيرة والمهمشة، مع الاشارة، إلى أنه يمكن دائماً نحت وإستحداث  إستراتيجيات جديدة في سياقات معينة.
وتجدر الاشارة إلى أنه لا زال هناك مصادر طبيعية هائلة تتمثل في الأراضي الحكومية والتي يمكن تحريكها في إتجاه تمكين الفئات المستهدفة.  فعلى سبيل المثال، تبلغ مساحة الأراضي الحكومية في منطقة أ و ب في الأغوار حوالي 73,000 دونم، وما هو مصنف كأراضي عالية أو متوسطة القيمة الزراعية يبلغ حوالي 51,000 والتي يمكن إستثمارها لصالح مكافحة الفقر وزيادة الانتاجية الزراعية.   إن تطوير برامج تنموية بالشراكة مع الجمعيات التعاونية أو القطاع الخاص لإستغلال هذه المصادر يمكن أن يشكل مدخلاً مهماً لمكافحة الفقر والبطالة.
أخيراً، إن مكافحة الفقر والبطالة في فلسطين تشكل هاجساً وطنيا يجب إعطاءه الأولوية خاصة إذا علمنا أن عدد الوظائف أو فرص العمل التي نحتاج إلى إيجادها سنوياً في الفترة 2020-2025 تزيد عن 60,000 فرصة سنوياً لنواكب الزيادة في طالبي العمل.  وهذا يتطلب تعاضداً بين القوى المجتمعية المختلفة من قطاعات حكومية وأهلية وخاصة تسير على خطى إستراتيجية وطنية لمكافحة الفقر تشارك هذه القطاعات في إعدادها وإخراجها إلى حيز الوجود.

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت