تتواصل فعاليات ملتقى فلسطين للقصة العربية في يومه الثاني، حيث نظمت وزارة الثقافة الفلسطينية عبر منصة "زووم" ندوتين أدبيتين الأولى تحت عنوان "القصة القصيرة في الأرض المحتلة: التحدي والأثر" بمشاركة الناقد والكاتب عادل الأسطة من مدينة نابلس، الناقد والكاتب نبيه القاسم من بلدة الرامة في فلسطين المحتلة العام ٤٨، الكاتب عبد الله تايه من مدينة غزة، بإدارة الناقدة والأكاديمية نهى عفونة من رام الله، والثانية بعنوان "أسئلة الكتابة لدى القاص الفلسطيني في الوطن والشتات بمشاركة الكاتب محمد نصار من مدينة غزة، الكاتبة ميس داغر من مدينة رام الله، الكاتب جمعة شنب من العاصمة الأردنية عمان، الكاتبة شيخة حليوي من مدينة يافا، بإدارة الكاتب إياد البرغوثي مدينة الناصرة.
ففي الندوة الأولى التي افتتحتها نهى عفونة قالت إن القصة جنس أدبي كغيره من فنون الأدب، يؤثر ويتأثر كتّابها بما يدور حولهم، بل هي مرآة للواقع بأنواعها المختلفة، سواء القصة القصيرة أو الأقصوصة أو القصة الومضة، فكلها تستمد مادتها من الواقع، وأي واقع يعيشه الفلسطيني على امتداد أحداث متوالية في القرن العشرين.
وتحدث الدكتور عادل الأسطة في مداخلته عن القصة القصيرة في فلسطين المحتلة العام ١٩٦٧ حتى اليوم، وعن صلتها بالقصة القصيرة الفلسطينية منذ نشأتها قبل العام ١٩٤٨، كما تناول الفراغ الأدبي الذي شهدته القصة العربية بسبب هزيمة ونكسة حزيران، ثم تشكل جيل أدبي يكتب هذا الفن دون الاطلاع على تجارب من سبقوه.، وقد أثار أسئلة حول ازدهار القصة القصيرة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ثم ذبولها إلى درجة الانحسار، وتحوّل معظم كتابها إلى كتابة النصوص الطويلة تحديدًا الرواية، وقد تناول تجربة أكرم هنية وخليل السواحري ومحمود شقير وجمال بنورة، بالإضافة إلى الأصوات القصصية الجديدة في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين.
وأشار عبد الله تايه إلى بداية نشأة القصة القصيرة في فلسطين في بدايات القرن الماضي، وشخوصها وأعلامها، ثم انتقل للحديث عن القصة القصيرة في قطاع غزة بعد النكبة والنكسة، والقضايا التي عالجتها، والنماذج المختلفة لها، وأثر ظهور الأحزاب في غزة على الوعي العام وبروز الشعر والقصة القصيرة، ووضح عبد الله التايه رد الفعل المباشر للكتاب والأدباء على نتائج هزيمة حزيران المتمثلة بالرفض والتحدي والمواجهة، ثم ظهور جيل جديد من كتاب القصة الشباب في أوائل السبعينيات، الذين اعتمدوا على تثقيف أنفسهم ذاتيًّا، حيث أوُلوا اهتمامًا بالغًا بالقصة القصيرة، وكان المخيم في مركز اهتمامهم واقعًا ونموذجًا وحالة، وتطرق إلى كيفية تفاعل القصة في الداخل مع الانتفاضة الأولى، ثم الانطلاق نحو الذات ومعالجة القضايا الذاتية والمحلية لدى معظم كتاب قصتنا المحليه منذ أواسط السبعينيات.
بدوره قال نبيه القاسم في مداخلته إن القصة القصيرة لدى كتاب القصة القصيرة في فلسطين المحتلة العام ١٩٤٨ طوال سنوات الخمسينيات كانت عبارة عن قصص متفرقة لأقلام غير موهوبة، وكانت تعالج قضايا محلية، وظلت القصة متراجعة عن مركزيتها، وكان الشعر يحتل المرتبة الأولى حتى الستينيات، حيث بدأت القصة بالازدهار، ثم تحدث عن رد الفعل المباشر للقصاصين الفلسطينيين على نتائج حرب حزيران، وما تركته أحداث أيلول الأسود وأحداث لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا على القصة الفلسطينية في الداخل، وكيف تعاملت القصة القصيرة في الداخل مع الانتفاضة الأولى، ثم الانطواء نحو الذات ومعالجة القضايا الذاتية والمحلية لدى معظم كتاب القصة المحلية منذ أواسط التسعينيات.
أما الندوة الثانية التي افتتحها الكاتب إياد البرغوثي تحدث عن أهمية عقد ملتقى فلسطين للقصة العربية عبر الإنترنت، واستضافة كتاب فلسطينيين رغم الحواجز والجدران التي فرضها الاحتلال وجائحة كورونا، في فترة عدم يقين زاد فيها حضور الأسئلة حول الحياة والمستقبل والكتابة.
بدورها أشارت الكاتبة ميس داغر إلى أن الأسٔلة أو التساؤلات التي يعيشها الكاتب ليست أسئلة بالمعنى النمطي للسؤال الذي يحتمل إجابة كافية وشافية ونهائية له، هذا الشكل من الأسئلة التي تحدثت عنها ليس هنالك بالضرورة إجابات واضحة لها، فإجاباتها قد تحتمل طيفًا واسعًا من الآراء، كُلٌ حسب تجربته وتعريفه لاشتراطات الكتابة الأدبية والإبداع عمومًا. هذه الأسئلة التي تشكّل مصدر توتر فكري متواصل لها ككاتبة، تتحوّل من كونها خارجية في البدايات، إلى داخلية في المراحل الأكثر تقدمًا من عمر الكتابة.
ويشير الكاتب محمد نصار في مداخلته إلى أن الكتابة كجنس أدبي واحدة من الفنون التي تحتاج الكثير من التأمل والتدبر والأسئلة، فلم تعد مجرد حكاية يسردها مَن ملك موهبة القصّ واللغة، وإنها هي تكنيكات تعتمد في بنائها على الكثير من الأسئلة والفلسفة والتجارب التي تؤهل الكاتب للخوض في هذا المضمار. السؤال له من القيمة والأهمية ما جعله واحدًا من ركائز هذه الحياة إن لم يكن أهمها، فكل جيل يحمل أسئلته ويجوب بها بحثًا عن إجابات توائم شروط عصره.
وقالت الكاتبة شيخة حليوي في مداخلتها إن سؤال المكان الذي شغلها هو سؤال الهوية المتشكلة في طفولتها ومراهقتها حيث نشأت في قرية بدوية مسلوبة الاعتراف، فانخلق لديها سؤال الانتماء للمكان والبداوة، فالمكان كان له حضور طاغٍ في كتاباتها الأولى، وهو حضور فرضه جرح الهوية والانتماء، وتوضح بأنها تقول جرحًا وليس مكانًا لأنها كانت ترمم من خلال الكتابة علاقتها بالمكان الذي نبذته حين أرادها، وأنه لم يعد موجودًا حين أرادته كي تربت على كتفه، وحين شعرت بأنها أعادت لكليهما -الكاتبة والمكان- الكرامة، كرامة الاعتراف والوجود، استطاعت بعدها أن تحلق خارج الأمكنة دون خوف أو حرج.
وفي مداخلته تحدث جمعة شنب عن تجربته حول أسئلة الكتابة في الوطن والشتات مستذكراً دخوله الجامعة، وتوجهه إلى كليّة الآداب، بحكم تعلّقه باللغة العربيّة وحبه الكبير لها، فجمعته الصدفة بالمرحوم الدكتور إبراهيم الفيومي، المدرس في كلية الآداب، والذي أشار عليّه بالتوجّه إلى كلية أخرى، والبحث عن تخصّص "يطعمه خبزًا" في المستقبل، ما وضع الكاتب أمام سؤال وجودي متعلق بالمفاضلة بين الرغبة والواقع، بين ما تريد وما عليك أن تفعل. هو الخبز إذًا مبتدأً وخبرًا، وهو الأمر الذي ظل عالقًا في رأسه حتى اليوم، يدافع عنه ولا يخشى فيه لومة لائم، لكنّ الواقع كان يصدمه دائماُ في كل جولة ويخبره أنّ الحياة أوسع من صاج فلافل، وأنّ لينين وستالين وماركس وإنجلز ونيتشة وغوتة وباشلار والحلاج وآدم سميث، والعكوف على قراءتهم، لن يطعمه رغيف خبز.