- أ. رامي الشقرة
- رئيس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية
أصدر مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تقريراً تحدث فيه عن مساعي المصالحة بين حركتي حماس وفتح، وتفاهماتهما في الجمهورية التركية، واستعرض فيه أهم ثلاث مسائل تعجيزية في مسار المصالحة، والتي اعتبرها عقبات خلاف بين الفصيلين في ظل الواقع السياسي للقضية الفلسطينية وما يشهده الحراك التطبيعي لدول عربية تحسب على المعسكر الأمريكي وتحقق رؤياه في المنطقة وما يشكله من خطر على القضية وهي على النحو التالي.
أولا:- المقاومة الفلسطينية واستخدام السلاح.
استعرضت الورقة مسيرة رئيس السلطة محمود عباس، وايمانه بإيقاف كل اشكال العمل العسكري في الصراع مع إسرائيل، واعلانه عن سلطة واحدة بسلاح وقانون واحد مهمته التنسيق الأمني المقدس مع العدو الإسرائيلي، وتعزيز ذلك بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وترك الساحة أمام الرئيس لفرض رؤياه على الضفة الفلسطينية في عزلة واضحة للمنطقتين، وأمسى شرط السلاح الواحد في مناطق حكم السلطة أساسي للتصالح مع حماس، والتي رفضت الأخيرة مجرد طرح الأمر على طاولة الحوار لما قد يشكله من كارثة وطنية، وتمسكت به حتى إتمام التحرير.
وشكل التحول النوعي لحركة حماس ودخولها على خط المواجهة الشعبية بعد إطلاق مسيرات العودة، واستخدام الأدوات الخشنة في مواجهة الاحتلال لاسترداد بعض الحقوق المعيشية لأهل غزة، وانطلاق البرنامج السياسي المتجدد للحركة، والذي أعتبر مدخلاً للتوافق مع حركة فتح على أساس العمل النضالي المشترك في حدود المقاومة الشعبية بعيدا عن استخدام السلاح في مرحلتها الابتدائية، وتركت الامر لتطور الميدان، وما يتطلبه من تلبية تطلعات الشعب الفلسطيني، وإن لم يكن بالضرورة في إطار مصالحة كاملة، فيما أوضحت حماس في هذا البرنامج بأنها مستعدة لأن تضع استخدام السلاح تحت مسؤولية جهة وطنية مشتركة تقرر اي شكل تتخذه المقاومة، ومتى يسمح باستخدام السلاح.
ثانياً:- ميزان القوى بين الفصائل
للعدو الصهيوني تقدير بأن حماس تمتلك جسم متماسك وقوي، ذو أيدلوجية محددة لا تعترف بحق إسرائيل بالوجود، وتؤمن ايماناً عميقاً بعدالة طريقها، وحاول التقرير صناعة شرخ بين ايمان الفلسطيني بالمقاومة، وأنها تمثل قمة التضحية والفداء، ووسيلة للتعبير عن مشاعر الغضب والثأر، وبين انها كوسيلة لا تحقق رؤية التحرير، والتأثير على المواقف الأساسية لإسرائيل، أو تحقيق الأهداف الاستراتيجية للشعب الفلسطيني في تعارض وتزييف واضح للعاطفة الفلسطينية ووجدانيته، واستدل في تزييفه عدم حدوث حرب بين المقاومة الفلسطينية والعدو منذ عام 2014، وتناسى أن المقاومة قد تطور فكرها وأنها تدير استنزافاً معلوماً لديها يحقق ديمومة المعركة بأشكال واوجه لم يعتد عليها من قبل.
في تقريره بشأن الردع المتحقق لإسرائيل والذي يعزوه الى الخطاب الإسرائيلي المعلن، والذي عزز موقف حركة حماس في صوابيه مسارها، مع احتياجها لمنظومة علاقات فصائلية احكمته مع قوى فصائل قيادة مسيرات العودة والتي أوثق علاقة حماس بمعظم فصائل العمل الوطني وفتح مدخلاً للتعاون مع تيار دحلان، وبعلمها آنذاك أنه لا يعني اغفال المكانة الأساسية لتيار عباس وأثره في القرار الفلسطيني، وهو ما يعتبر تذكرة دخول للانخراط في الاسرة الدولية.
ويعتبر التقرير أن العائق الأساسي في حالة سيطرت حماس على م. ت. ف بأنها ستكون أمام مسائل معقدة، والتي استصعبت فيه إدارة غزة لوحدها فكيف يمكن أن تتجاهل تواجد الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الفلسطينية، ونيل الدعم السياسي أو المادي من جهة اوروبية دون تغيير النهج من الصراع وحله المنشود؟ وأكثر من ذلك – هل ستبقى فتح مركزية في م. ت. ف إذا ما سيطرت حماس على المنظمة، هل ستربط م. ت. ف بمحور المقاومة الإقليمي، وهكذا تخاطر بمواجهة دائمة مع اسرائيل ومع قسم من الشعب الفلسطيني ايضا والذي يرى الارتباط بالمحور امراً غير مشروع؟
ثالثاً:- الارتباط بالمحور التركي – القطري
إن الدافع الذي جعل حركة فتح تتجه نحو التقارب التركي القطري وعلمها المسبق للمعاني الثقيلة لذلك الارتباط هو رسالة الاحتجاج على الدول العربية التي أيدت التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في محاولة للانفصال عن ذلك المحور والاتجاه بخطوات نفذتها الحركتين مؤشر واضح الى التقارب مع المحور التركي، ومزيداً من التقارب لفتح من هذا المحور سينطوي على ابتعاد عن المحور المقابل وعليه سافر جبريل الرجوب وروحي فتوح بعد اللقاء في اسطنبول الى الدوحة، ومن هناك إلى القاهرة، كون مصر أعربت عن استيائها من محاولة اقصائها عن الحوار الفلسطيني الداخلي، وكان هدفهما هو الايضاح بأن دور مصر في الحوار بين الفصائل يبقى في مكانه، باستثناء أن هذه المرة يدور الحديث عن مبادرة فلسطينية داخلية.
ويعتبر التقرير أن فتح لن تتخلى عن علاقاتها مع المعسكر الذي انتمت اليه تقليدياً، وأن التسويف في عقد المحافل التي يفترض بها أن تقر استمرار عملية المصالحة، وارتباط الجانب الفلسطيني بنتائج الانتخابات الامريكية على أـمل لدى الرئيس عباس هو أن ينتخب جو بايدن فيتراجع عن خطوات ترامب مما يجعل مسيرة المصالحة لا داعٍ لها.
وفي الختام ما بين قراءة الإرادة الإسرائيلية لتعطيل المصالحة الفلسطينية وإرادة القوى الفلسطينية تحد قوي وصراع لتحقيق الحلم الفلسطيني بإعادة بناء مؤسساته الوطنية والتعبير عن تطلعات الشعب الفلسطيني.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت