- د. فايز أبو شمالة
ورغم عنف الخلاف والصراع بين القبائل، فقد ظلت أخلاق العرب تأبى الرذيلة، وحافظت على شرف الخصومة، حتى صارت الطعنة في الظهر غدراً، والغدر ليس من شيم الرجال، والخيانة عار، والتذلل مهانة، وقد تفاخر العرب بالقوة والمنعة، وصارت المبارزة في المعارك عنوان الرجولة، وإغاثة الملهوف من سماتهم، والنخوة والتضحية بالنفس من مقومات القيادة، حتى قالوا في أمثالهم: لا شماتة في الموت، ولا شماتة في المرض، فهذه إرادة الخالق بحق المخلوق، ولا شماتة في ذلك، فالمريض والميت، كلاهما قد صار خارج العداوة، وأبعد عن المناكفة، ولم يعد خصماً، ولا هو ند في ساحة النزال.
لا شماتة في الموت جملة تحاكي واقع الحياة على الأرض، والتي تقوم على التنافس والتسابق والصراع، وهذا ما يميز الأحياء، وهذا الذي يولد العداوة والأحقاد، ولكن حين يموت الإنسان ينقطع عمله، فهو خارج دائرة الفعل، وبعيد عن مجريات الحدث، وبذلك فهو خارج العداوة والتنافس والصراع والخصام والاختلاف.
لا شماتة في الموت ليست جملة تقف معانيها عند حدود عدم القدرة البشرية على وقف الموت، أو مصارعته، وإنما تمتد بدلالاتها إلى البعيد، إلى عالمين منفصلين، لكل عالم طباعة وخصائصه، وعليه فإن الشماتة تعني التضييق على النفس، وإشعال نيران التحدي في غير موقعها، فالميت غير قادر على الفعل، وغير قادر على المنافسة، وغير قادر على الإجابة أو الدفاع عن نفسه، وغير قادر على تفنيد ادعاء الخصم، الميت ترك كل ذلك من وراء ظهره، وقضى إلى سبيله وعمله، من هنا؛ فإن ذكر الميت مقترن بالترحم، وبغض النظر عن شكل الخلاف معه.
لا شماتة بالموت جملة يعززها حديث الرسول: "اذكروا محاسن موتاكم" ولا تذكروا سوءتهم ومساوئهم إلا للعظة والتعلم والاستفادة من التجربة، فكل امرئ خطاء، وطالما توقف الميت عن الفعل الإيجابي والسلبي فقد خرج من دائرة التأثير على الحدث فوق الأرض، لذلك فالشماتة في الموت تعني تنفس الصعداء، وهذا دليل ضعف وعجز، فكيف يسمح الحي لنفسه أن يقاتل ميتاً؟ وكيف يطعن الفارس جثة لا تصد ولا ترد؟ وكيف يستعرض البعض منطقه البلاغي أمام لسان انقطع عن الرد؟ وقد حرمت الأديان كلها، وحرمت الأخلاق الإنسانية التمثيل بالجثة بعد موتها، وفعل الإنسان جثة همدت بعد الموت.
نتمنى الشفاء للدكتور صائب عريقات، وإن كنا نتمنى ألا يعالج في مستشفيات إسرائيل، لئلا نوفر للمحتلين الصهاينة فرصة التباهي بإنسانيتهم الكاذبة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت