- بقلم : مصطفى النبيه
يا صاحبة الجلالة، هل خلعوا عنك ثوب الوقار وألبسوك ثوب العهر، فأصبحت لعنة تطارد المضطهدين ؟ عندما كنت صغيرا، تخيلت أنك أجمل المخلوقات، تمنيت أن أكبر حتى أحظى بحبك، آمنت بك حتى الإدمان، اعتقدت للحظة، أنك سلاح في وجه الطغاة، لا يقهر وينتصر للفقراء المعذبين في الأرض، فأكتشف أنك مخلوق ملوث قبيح، يتنكر بمساحيق التجميل. جيوش الموبوئين المتطفلين، امتطوك، جرعوك الأكاذيب حتى افتقدت ملامحك، فأصبحت مسخ رائحته قذرة.
أقلام صفراء وتعاويذ شيطانية جعلتك بوابة الفتن والنفاق، معلومات كاذبة، طحالب قاتلة تنتشر في أخيلة الكائنات الضعيفة، تستحلها حتى تحقنها بالصمت. في عالمنا الافتراضي قد تتعثر بكلمة طيبة نظيفة، فما أحقر الأخبار العاجلة وجيوشها المخنثة البشعة أدعياء الإعلام الذين يمارسون النفخ وتعظيم الشخصيات الساقطة على أنغام موسيقى صاخبة، تدق طبول الحرب وتبشر بالخراب.
إيقاعات سريعة وأخبار فاسدة، تجاوزات عجائب الدنيا السبعة، فما بين جهل وتطفل، مرتزقة يعشقون المياه الضحلة. وأنت تتنقل كل صباح بين المواقع المريضة وتصغي للإذاعات المسمومة تكتشف وباء انهزام يتجذر فينا،احتلال بغيض من نوع آخر،يدعونا لفلسفة الاستسلام، ثقافة الموت والنواح والتضليل ، تسلبك حريتك، أدعياء الثقافة والإعلام شغلهم الشاغل اقتناص الفرص ، لتأجيج النار، حتى يسوقوا أنفسهم، تشويه هنا و تسحيج هناك،امتهانا للعقول، مذيع متسلق يخطف المتلقي ويحشو رأسه بأفكار خبيثة ،صفحات الكترونية تخرج ثعابينها لتلدغ وتجرح ،أقلام مأجورة تتصدر المشهد.
باسم الديموقراطية، تأسست جمهورية الجهل، قانونها كاتم الصوت، جنودها منافقين، كلابها جائعة تشحذ أنيابها لتفترس المستقبل، عابروها دمى ينتظروا صك غفران لجنة الأرض المزعومة، هوس عاطفي يسيطر على المرحلة.
العزف على إيقاع التخلف وأكاذيب مسايرة العصر والعبودية الحديثة المتمثلة بوسائل التواصل الإلكترونية وتغييب العقول ومحاربة المفكرين، مفردات ساقتنا قطيعا إلى المجهول المعلوم، الذي يعيدنا إلى زمن العبودية والخنوع ،بصورها البهية الحديثة .
ما الذي يحدث لنا؟ .. كيف غرقنا في بحر الجهل؟!! عندما تأملت اللوحة السوداء، أدركت أن الإنسان المذبوح فقد قيمته ويجر إلى العصر الحجري بإرادته، القانون الوضعي أعمى أصبح مقصلة فوق رؤوس الأبرياء، ليسلب جمال ما فيهم.
ماذا أقول وقد كرهت الكلام؟ أأقول أن الأرض لن تحبل من الهواء وبأننا تجاوزنا اليأس . وأصبحنا نحتاج لبطل ينفخ في صورتنا ويعيدنا إلى نشأتنا الأولى، نحتاج النقد ثم النقد من أجل البناء والتفكير بصوت عالي، نحتاج لثورة تعم العالم وتنتصر للإنسان، فأين المثقف المشتبك؟ للآسف على ما يبدو أن المثقفين في إجازة يغطون بنوم عميق، تحت أقدام الطغاة بعد أن ملأوا بطونهم من الفضلات التي تلقى إليهم لتخدر ضمائرهم المخدرة.
وأخيرا أقول ..لكي نحافظ على مهنتنا علينا أن نتطهر من عبودية الفئوية والحزبية ونتمرد على الواقع المزري وننتصر للإنسان ونحطم الآلهة التي صنعناها من خوفنا.. فالحياة فكرة، إن سقت فعلى الإنسان السلام .
فيا ابن أمي الرحلة قصيرة والأفكار النظيفة التي تحلق لن تموت أبدا .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت