- بقلم: فراس ياغي
يبدو أننا إنتصرنا وهزمنا الرئيس الأمريكي "ترامب" وإستطعنا إفشال صفقته ورؤيته للسلام والإزدهار الإقتصادي والسلام الإقليمي وأصبحنا قوة عظمى محلية لا إقليمية ولا دولية ولا مناطقية، بل قوة محلية محصورة في جغرافيا دولة المدينة الإولى كما كانت في الزمن "السومري" الأول حيث تشكلت المدينة وتطورت لتصبح دولة، أقول ذلك وقد بدأت وإقتربت الإنتخابات الأمريكية حيث الإنتصار سيتحقق في الجولة الأخيرة من المعركة القائمة بيننا وبين إدارة البيت الأبيض بهزيمة نكراء للرئيس "ترامب" ومجيء ما ننتظره بفارغ الصبر مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة "بايدن" ليصبح رئيسا، ويعيد لنا أمجادنا في البقاء في المربع الذي لم نخرج منه ولا نريد الخروج منه، مربع الدعوة للمفاوضات برعاية أمريكية لتحقيق رؤيا الوطن الفلسطيني بجانب دولة إسرائيل، لذلك هي أيام وسنعلن الإنتصار وسترجع السكة لتلمها ويسير الحمار وفقها.
عفوا على المقدمة أعلاه، لكن!!!
في زمن الكورونا وزمن الإنتظار وزمن اللا زمن الفلسطيني، أصبحت السياسة أكثر من هزلية، وأصبح اللا موقف واللا حركة ميزة وماركة تُسجل بإسم الفلسطيني الذي تميّزت قيادته فيها وبها، وحين نجادل في تلك الميزة سيقول قاءل: من قال أن لا موقف لدينا؟!!!
نحن ثابتين على الثوابت ورفضنا رؤية "ترامب" المُجحفة وصمدنا في وجه أعتى إحتلال عسكري مباشر مدعوم من العالم الأول ولم نستلم حتى المقاصّة التي هي حقٌ لنا، بل!!!فتحنا حوار وطني مع خصومنا وإقتربنا كثيراً من دفن الإنقسام حيث سنعود نحن وغزة لحضن الوطن، خاصة أن الرئيس القادم للبيت الأبيض "بايدن" لا يمانع في التحالف مع الإخوان المسلمين شرط إلتزامهم بالرؤيا الأمريكية للمنطقة والتي ستكون دولتا "قطر" و "تركيا" الضامنتان الأساسيتان لها، وحيث أن السياسة هي "فن الممكن" فنستطيع القول: الإنتصار قاب قوسين أو أدنى!!! مهلا يا سادة..."بايدن" إذا تحقق له الفوز وفق الإستطلاعات (أنا شخصيا أشك في ذلك) سيعيد لنا ما كان أصلا لنا، ووفق سياسة سلطة السجون الإسرائيلية، حيث تسحب ما هو قائم بين ايدي الإسرى وبعد نضال وإضراب تُعيد للأسرى ما كان، سياسة ونهج قائم منذ كامب ديفيد الثانية وما قبلها، ونحن مواقفنا ليست سوى ردّات فعل على ما يفعلون بنا وليس ضمن خطة وإستراتيجية واضحة ومحددة الهدف مُسبقاً.
الواقع الجديد مُختلف كونه سابق لردة فعلنا وهجومه سريع ويتميز بالتطبيع العلني مع دولة الإحتلال بقرار أمريكي من أعلى راس الهرم فيها "ترامب" وبطريقة إبتزازية في ظلّ واقع الحال المترهل عربيا وإقليميا وغياب فعل دولي حقيقي فلسطيني يسنده فعل شعبي على الأرض، سياسة ردة الفعل أصبحت معروفه وتتمثل في بيان رفض وإتهام ب "طعنة في الظهر" وسحب السفير للتشاور، في حين تستمر سياسة عملية "التهدئة مقابل المال" مع بيانات إستنكار لدى الجناح الآخر للوطن، جناح "المقاومة"، اي أن الفعل الفلسطيني غائب ومُتغيّب كما يبدو بقرار نابع من عجز قيادي وبرنامجي جديد رغم كل حوارات أل "زووم" ولقاءات الجغرافيا "العثمانية" وصدح الكلام في فضائية "الجزيرة".
سياسة التطبيع التي تتسارع هي أمر واقع ويؤكد على التغيرات الجذرية التي تحدث في منطقتنا وبما يستدعي من أصحاب القضية التحرك وفق رؤيا جديدة وفعل سريع يتجاوز مفهوم الإستنكار والشجب لخطوات عملية أهمها التأكيد على العمق العربي للقضية الفلسطينية شعبيا وحتى رسميا ودعوة الشعب العربي لرفض التطبيع الشعبي ومحاصرته ضمن المؤسسة الرسمية لدى الدول التي قامت بعقد إتفاقات تطبيعة مع الجانب الإسرائيلي والتعامل بعقلانية وإنفتاح بعيداً عن سياسات التشنج وسياسات الإنتظار.
وأول الخطوات المطلوبة هي العمل فورا لإصدار مرسوم للإنتخابات المتتالية وبما يؤدي لتحرك شعبي فلسطيني يُعيد للمواطن الفلسطيني دوره في صناعة القرار عبر إختيار ممثليه في مجلسه التشريعي وتحت مُسمى البرلمان ووفقا لقرار الأمم المتحدة 19/67 ، هذه الخطوة سوف تُحيي الحراك الداخلي بقوة وتؤسس لفعل شعبي وسياسي قادر على تحصين الذات في مواجهة الرياح والعواصف العاتية التي تجتاح المنطقة ككل واولها القضية الفلسطينية.
الشعب الفلسطيني دون إستدعاءه عبر الدعوة للإنتخابات لن يثق مطلقا في كل ما يصدر من شعارات ومواقف وسَيُبقي على الفجوة الكبيرة بينه وبين تلك النخبة السياسية الحاكمة ضمن مفهوم اللا مبالاة واللا قناعة بما تفعله وما يصدر عنها.
الإنتخابات هي المقدمة للفعل الشعبي وللمأسسة القادرة على مواجهة الحصار ومنطقه الأمريكي الإبتزازي للرسمية العربية غير القادرة على قول لا لِ "ترامب" وحاشيته ضمن سقف التحالفات الإقليمية المتبلورة والمتخوفة بالأساس من الأسلمة السياسية والدول التي ترعاها في الإقليم.
إن المستهدف بما يجري هو الوطنية الفلسطينية لإضعافها أكثر مما هي عليه الآن تحضيرا للبديل القادم والمؤهل والقادر على الضبط الأمني ليس في "غزة" فحسب وإنما فيما تبقى من "الضفة" كمرحلة أولى للتعاطي مع "رؤيا السلام الأمريكية" وبدعم من بعض دول الإقليم وعلى رأسها دولة "قطر" على ضوء البيان "الأمريكي- القطري" الأخير.
الشارع الفلسطيني في المناطق الفلسطينية المحتلة لن يتحرك قبل أن يتم مشاركته بخطوات عملية أساسها الإنتخابات، فهنا القيادة تُعيد للشعب دوره وفقا للقانون الأساسي بإعتباره مصدر السلطات الثلاث وصانعها، وليقول كلمته عبر صناديق الإقتراع ووفقا لبرامج واضحة تمنع البعض من التعاطي مع ما يتم التأسيس له بشكل متسارع من قبل طاقم التصفية للقضية الفلسطينية في "البيت الأبيض" الأمريكي.
بجانب ذلك، يجري إعادة الإعتبار لممثل الشعب الفلسطيني "منظمة التحرير الفلسطينية" بإعادة هيكلتها بعد الإنتخابات وبمؤسسات فاعلة عبر قيادات وطنية من الداخل والشتات لتأخذ دورها الطليعي في مواجهة مخططات التصفية المتسارعة ودون أخذ مواقف مُتسرعة من الدول العربية التي تم إبتزازها والمطالبة من هذه الدول التأكيد على موقفها الداعم لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ولمفهوم الدولتين.
القرار هو فلسطيني وسيبقى فلسطيني، والحاضر يجب أن لا يؤسس لشقاء غدنا، وكل ما يجري في منطقتنا ومهما كان عدد الدول المطبعة لن يأتي بالسلام والأمان والإزدهار الإقتصادي لشعوب المنطقة دون حلول للقضية الفلسطينية وعلى أساس قوانين الشرعية الدولية، وهنا تكمن قوة الشعب الفلسطيني وقيادته، فرغم الضعف والهوان حولنا، يبقى القرار قرارنا وتبقى بوصلتنا ثابته، لكن هذه البوصلة بحاجة لتوجيه جديد عبر الشعب ومن خلال الشعب ولغدٍ أفضل، وهذا لا يكون إلا عبر الدعوة العاجلة لإجراء إنتخابات عامة فلسطينية لتضع كل النقاط على كل الحروف، لغدٍ أفضل من حاضرٍ مسخ، ودرويشنا الخالد الحيّ فينا قالها "لا بأس من أن يكون ماضينا أفضل من حاضرنا...ولكن الشقاء الكامل أن يكون حاضرُنا أفضل من غدنا".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت