تنظر المحكمة العليا الإسرائيلية، يوم الإثنين، في التماسٍ تقدّمت به جمعيّتان حقوقيّتان تطالبان بوقف ممارسة اقتحام جنودٍ ورجال شرطةٍ إلى منازل سكّانٍ فلسطينيين في المناطق المحتلة لغرض إجراء عمليات تفتيش دون أن يكون ذلك مقترنا بالرقابة القضائية.
ويطالب الملتمسون المحكمة بالإعلان عن عدم قانونيّة هذه الممارسة، وبتغيير التشريع العسكريّ بحيث يشترط الدخول إلى الممتلكات الفلسطينية الخاصة باستصدار أمر تفتيشٍ من جانب المحكمة، كما هو الحال مع المستوطنين في الضفة الغربية. ويتيح القانون اليوم لأي ضابط أو أي جندي مخوّل من قبل ضابط دخول منزل فلسطيني وتفتيشه بناءً على تقديره الخاصّ.
ستعقد الجلسة أمام لجنة من ثلاثة قضاة على رأسهم رئيسة المحكمة العليا، إستر حيوت.
الملتمسون هم ستّة فلسطينيين قامت قوات الجيش باقتحام منازلهم وأجرت فيها عمليات تفتيش بالإضافة الى الجمعيتان الحقوقيتان "يش دين" و "أطباء لحقوق الإنسان". ويمثّل الملتمسين أمام المحكمة كلًّا من المحاميين ميخائيل سفاراد وحجاي بنزيمان، العاملان في الطاقم القضائي لجمعية "يش دين". ويدّعي الملتمسون بأنه ما من نظام قضائيّ في العالم، لربما باستثناء ما يحدث في بضعة أنظمة ديكتاتورية، تقوم فيها السلطات التنفيذية بإجراء عمليات تفتيش في الممتلكات الخاصّة من دون أن يقترن ذلك بأمر من قاضٍ، إلا في الحالات الضرورية والعاجلة التي لا يمكن فيها انتظار صدور أمر قضائي. ويردف الملتمسون بأن هذه الممارسة تعدّ انتهاكًا خطيرًا لكلّ من المعايير المنصوص عليها في القانون الدوليّ لحقوق الإنسان، والقانون الإسرائيليّ الذي ينطبق على المستوطنين في الضفّة الغربيّة.
كما يطالب الملتمسون المحكمة بمنع الجيش والشرطة من إجراء عمليات تفتيشٍ في منازل الملتمسين، وذلك إلى أن يُجرى التغيير في التشريع العسكريّ، إلا في الحالات الاستثنائية، الضرورية، والعاجلة، كما يتيح القانون بفعل ذلك في الممتلكات الخاصة التابعة لإسرائيليين.
نفّذ جنود الجيش الإسرائيلي وعناصر سلاح حرس الحدود عشرات، بل وربما مئات آلاف عمليات اقتحام منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال 53 عامًا من الاحتلال لغرض إجراء التفتيش.
عمليات الاقتحام والتفتيش هذه تتم من دون قرارات قضائية ومن دون أن تخضع لأية رقابةٍ جنائيّة،
وذلك لأن التشريع العسكريّ (المادة 67 من أوامر الأمن) تعطي، ظاهريا، أيّ ضابط، أو أي جندي مخوّل من قبل ضابط صلاحياتٍ جارفةٍ لا مثيل لها في الدول التي تحترم حقوق الإنسان.
ويضيف الالتماس بأن منح مثل هذه السلطة الشاملة للجهات الأمنية يشكّل خرقًا للقانون الدوليّ، وهو أمرٌ يضاعف من التمييز الممنهج القائم بين الفلسطينيين والمستوطنين في الضفة الغربية ما يشكّل انتهاكًا خطيرًا وغير مبرر لحقوق الانسان الأساسية ولذلك يجب الغائه.
ان انتهاج هذه الممارسة ينتهك الحق في الخصوصية النابع من الحق في الكرامة وفق القانون الدوليّ ويؤدي إلى انتهاك صارخ وغير متناسب لحقوق الإنسان الأساسية للعائلات التي يتمّ تفتيش منازلها.
كما ورد في الالتماس بأن الدخول القسري الذي تنفّذه قوات الجيش إلى المنازل الخاصة بشكلٍ تعسّفيّ، من شأنه التسبب في عواقب وخيمة على الصحّة النفسيّة لدى البالغين والأطفال الذين يتعرضون له و يُعد احتمال للتسبب بالصدمة للقاطنين في المنازل بسبب التعدي التعسفي للقوات الخارجية إلى الحيّز الخاص بأبناء الأسرة، بالتوافق مع خرق سيطرتهم على المنزل؛ إضافة الى الجنود المسلّحين في المنزل، والطريقة التي يتصرفون بها داخل المنازل والتي تضفي شعور بالتهديد والتخوّف من التعرّض للأذى الجسديّ.
ويؤكّد الالتماس غياب كوابح للسلطة التنفيذية، كما هو واجب، لدى الضباط الذين يصدرون قرارا بإجراء التفتيش في الوضع القانونيّ الموصوف، لغرض حماية الحقوق والحرّيات الأساسية.
إن البتّ في مسألة كون الظروف تبرر الدخول إلى منزل وإجراء البحث فيه، ومسألة وتبيرير الدخول غير المنظّم قانونيًّا، حين يتعلق الأمر بفلسطينيين تابع بشكل مطلق لضباط الجيش أما الدخول قوات إلى المنزل لإجراء تفتيش في حالة المستوطنين يتطلب أمرًا صادرا من المحكمة.
إن عدم وجود رقابةٍ قضائيّةٍ تنظّم الدخول القسريّ إلى المنزل لغرض إجراء تفتيش، يؤدّي إلى خلق سلطة تعسّفية وغير متناسبة تقتصر ممارستها ضد الفلسطينيين وحدهم وهذا السلوك يعدّ مظهرًا واضحًا من مظاهر ازدواجية القانون القائمة في الضفة الغربية، حيث يوجد نظامان قضائيّان في المنطقة ذاتها، تحت السلطة ذاتها: نظامٌ مخصّصٌ للإسرائيليين وآخر للفلسطينيين.
" تظهر الصورة التي أمامنا نظامًا قانونيًّا مزدوجًا توجد فيه قوانين تفتيش عصرية، ومدروسة، وتنطوي على رقابة قضائية وقيود إجرائيّة، تطبّق على المستوطنين في الضفة الغربية وقبالتها قوانين متغولة بل وحتى ديكتاتوريّة، تطبّق على الفلسطينيين في الضفّة الغربيّة. وبناء عليه، تظهر صورة للتمييز المنهجيّ المنظّم، ولا خيار أمامنا سوى استخدام توصيف: مبنية على أساس الفصل العنصريّ"، حسبما ورد في الالتماس.
في هذه الأيّام التي صار فيها الضمّ هدفًا معلنًا لرئيس الوزراء وعدد من وزرائه يتناول الالتماس أيضا مسألة الطابع المؤقّت للاحتلال. إذ يرى الملتمسون أن مسألة اقتحام المنازل ينبغي أن يُنظر إليها من منظور الوضع الدائم، بعد 53 عاما من الاحتلال، وعليه، فإن قوانين التفتيش ينبغي أن تتسق مع المبادئ الدولية، وأن يتم النظر فيها مقارنةً بقوانين التفتيش التابعة للنظام الإسرائيليّ.
هذا وقد صرّح ليئور عميحاي، مدير عام "يش دين" قائلا: "إن ظاهرة اقتحام المنازل من دون قرار قضائي هي ظاهرة مقتصرة على الأنظمة الديكتاتورية. يقوم الجنود الإسرائيليون على مدار سنواتٍ طويلةٍ بالتّجوال بين غرف الأطفال وغرف المعيشة في منازل الفلسطينيين من دون أن يخضع هذا الأمر لأيّة رقابة قضائيّة. وهكذا تتحول عمليات الاقتحام، التي تعدّ من ضمن الممارسات الأخطر للاحتلال، إلى جزءٍ لا يتجزّأ من الحياة اليومية للفلسطينيين. وعلى غرار عمليات التفتيش التي تنفّذ في منازل المستوطنين والمواطنين الإسرائيليين الآخرين والتي تستوجب صدور أمر قضائي، وتجري تحت الرقابة والقيود، ينبغي أن يحصل الأمر ذاته بالنسبة لمنازل الفلسطينيين. إن الهوة التي خلقتها إسرائيل بين قوانين التفتيش التي تنطبق على المستوطنين، وبين تلك التي تنطبق على الفلسطينيين، هي جزء من نظام الفصل العنصري الإسرائيلي في الضفة. ما من دولة تملك الحق في تقويض الأمان المنزليّ لكي ترسّخ احتلال يستمر منذ أكثر من 53 عاما، لقد آن الأوان لوقف هذه الظاهرة المروّعة."
من جهتها، قالت د. جمانة ملحم، وهي طبيبة نفسيّة ومتطوّعة في جمعية أطبّاء لحقوق الإنسان: " إن اقتحام الجنود للمنازل، وهي عمليات تنطوي في غالبية الحالات أيضا على عنف لفظيّ أو جسدي، يُنظر إليها بوصفها حادثا منطويا على التهديد، ومن شأنها أن تتسبب في اضطراب ما بعد الصدمة، وهو اضطّرابٌ يتّسم باسترجاع لمحات من الأحداث الماضية، والكوابيس، واضطرابات النوم، والإفراط في الاستيقاظ، والمساس بالأداء الوظيفي في جميع مجالات الحياة، بل ومن شأنها أن تؤدي إلى الانتحار. وتظهر البيانات التي جمعتها الجمعيّتان بأن قسما كبيرا من البالغين والأطفال الذين عاشوا عمليات اقتحام منازلهم يبلغون عن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. وتتوافق هذه البيانات مع العديد من الدراسات السابقة التي تشير إلى تعرّض الفلسطينيين، جماعيا، إلى الصدمات نتيجة للاحتلال المستمر، وعواقبه النفسية الوخيمة، وفق نسبة تعدّ من الأعلى في العالم".