التطبيع الإفراز القبيح للثورة المضادة

بقلم: جبريل عودة

جبريل عوده
  •  بقلم : جبريل عوده *

هتفت ثورات الربيع العربي بشعار " الشعب يريد تحرير فلسطين " , بعد أن توهمت إنجازها الشعار الأول " الشعب يريد إسقاط النظام " , تعي الجماهير العربية بأن أنظمتها البوليسية الخاضعة لإرادة الأجنبي تقف عائقاً حقيقياً أمام طريق إستعادة فلسطين وهزيمة المشروع الإستعماري الصهيوني الجاثم على الأرض العربية ,آمنت الشعوب العربية الثائرة أن الخلاص من أنظمة التبعية والهزيمة, مقدمة حتمية للوحدة العربية الشاملة التي ستقود حرباً لتحرير فلسطين وتطهير مقدساتها من دنس الإحتلال الغاشم.
 كانت دوائر المكر العالمي تراقب حركة الجماهير العربية الثائرة , وتخطط لمواجهة سيل الغضب الثوري الذي ينحاز لقضايا الأمة ويتفاعل نحو النصرة الحقيقية لقضية فلسطين , وبالتالي تشكيل الخطر المباشر على وجود الكيان الصهيوني , لذا سعت دوائر الشر العالمي لإحباط ثورات الربيع العربي ومحاصرتها بشتى المكائد الخبيثة , وتوجيه بوصلة الحراك الشعبي نحو الداخل وإشكاليات التناقضات الفرعية وجعلها الخصومة الأولى في المشهد العربي العام , فأدارت الدوائر المخابراتية الثورة المضادة وأشعلت فتيل الإحتراب الداخلي الذي أفرز إنقساماً حاداً في المجتمعات العربية ما بين مؤيد ومعارض للثورات العربية الحديثة.
حضور فلسطين وعدالة قضيتها, كان بارزاً ومتفاعلاً في أوج أحداث ثورات الربيع العربي , هتف الشبان في الميادين لفلسطين والأقصى , وتغنوا بالمقاومة وبطولاتها , ولعل العدوان الصهيوني على قطاع غزة في نوفمبر 2012م , كانت خير شاهد على حجم التفاعل الإيجابي والنصرة الحقيقية والموقف القوي في إسناد الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان , وزراء الخارجية العربية حضروا جميعاً إلى قطاع غزة , بأمر ثورة الربيع العربي الضاغطة في الشوارع والميادين التي تموج غضباً على جرائم العدو الصهيوني , تحرك النظام العربي الرسمي مجبراً في مجملة تلبية لنداء ثورة الشباب العربي , خشية من عواقب النكوص عن ركب الدعم لفلسطين والدفاع عن شعبها ,فتغيرت لغة السياسي والإعلاميين العرب وإستشعر الجميع أجواء الخطاب الثوري إتجاه القضية الفلسطينية , هذا الخطاب الذي غاب لعقود طويلة, قد عاد الآن مزمجراً بروح الشباب الثائر , فلا صلح مع محتل , وفلسطين لا تقبل القسمة , وتحريرها من البحر إلى النهر يقع واجباً على الأمة , مواقف كانت تتردد في كل ميادين الثورة.
 أكملت دوائر المخابرات العالمية مخططاتها لإحباط هذه الروح الثورية الصاعدة في جسد الأمة المنهك والمتعب , فلقد أشعلت نيران الفتن , وزودت بالأموال والنيران , حراكاً مضاداً أنتج حالة شاذة من التنافر الشعبي والتنافس السلبي , وتدخلت تلك الجهات المعادية لقمع روح الثورة وإخمادها, بمزيد من الإقتتال الداخلي الذي أحدث في بعض الدول العربية شرخا في المجتمع , كانت المهمة هي إنتاج الفوضى في ساحات ثورة الربيع وإحداث الردة عن أهدافها وصولاً إلى التبرؤ منها , كل هذا التخطيط الخبيث من أجل عيون "إسرائيل" . تلاقت المصالح ما بين النظام الإرهابي العالمي بقيادته الأمريكية وما بين حكام الأنظمة العربية , الأول يريد حماية " إسرائيل " والإستمرار في معركة إخضاع أمة العروبة والإسلام, والثاني يريد حماية " العروش" , بوابة الولوج لتلك المصالح هو القضاء على ثورات الربيع , وبذلك تنعدم أي إحتمالية لإحداث تغييرات إستراتيجية لصالح الأمة ومعركتها نحو النهوض والارتقاء وتحصين مناعتها في مواجهة الأعداء والمخاطر الخارجية , فلا يمكن إغفال أن أبرز شعارات ثورة الربيع العربي " أن نملك سلاحنا ونزرع غذاؤنا ونصنع دواؤنا " حتى نمتلك الإرادة العربية المستقلة .
 ثمن المخطط الآثم لقهر إرادة الشعوب العربية في ثوراتها المباركة هو تطبيع النظام العربي الرسمي علاقاته مع "إسرائيل" ,على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وطمس هويته الوطنية, بل أن هذا المسار التطبيعي العبثي يفضي أيضا إلى مزيد من التمزيق والتشتت في كيان الأمة العربية بما يشكله من إستباحة لكل قواعد الأمن القومي العربي , ويسعي إلى تحويل الأمة العربية الواحدة إلى قبائل مصالح متناقضة ومتفرقة ومتنازعة تحت وصاية المحتل الأجنبي .
فليس غريباً أن ترى المهرولين إلى حظيرة التطبيع هم أدوات الثورة المضادة التي قادتها الإدارة الأمريكية وأذرعها المخابراتية والسياسية ضد تطلعات شعوبنا في الحرية والإنعتاق من الظلم والفقر والقمع والإحتلال , ومن يروج للتطبيع من باب أن تلك الخطيئة ستفتح له مجالات للإزدهار الإقتصادي والإستقرارالسياسي فهو واهم ومخطئ وحالة في هذا كالمستجير من الرمضاء بالنار . سيفشل التطبيع في تحقيق مراده , ستسقط مشاريع الإختراق والتطبيع أمام صلابة جدار الوعي للشعوب العربية الثائرة , ستعود ثورة الشباب العربي في موجتها الأقوى لتنتصر لذاتها ولحريتها ولإستقلالها وتنتصر حتماً لفلسطين وقضيتها العادلة .
 كاتب وباحث فلسطيني 25-10-2020

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت