- نبيل عودة
1 – لوحة من شعر المقاومة
كنت في الثامنة عشرة من عمري عندما تلقيت أول إقامة جبرية. كان ذلك بعد مهرجان سياسي خطابي وشعري عقد في قاعة سينما ديانا في الناصرة كما أذكر ذلك جيدا!!
عقد المهرجان احتجاجا على انشاء قوائم سوداء تشمل العرب السلبيين، أي الذين لم تنجح السلطة بجعلهم يقطفون الرأس. يومها القي محمود درويش قصيدته المشهورة "سجل انا عربي" والتي يقول مطلعها (“سجِّل! أنا عربي / ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ / وأطفالي ثمانيةٌ/ وتاسعهُم .. سيأتي بعدَ صيفْ!/ فهلْ تغضبْ؟) وقد اشتهرت بشكل حولها الى أشبه بنشيد قومي للجماهير العربية في مناطق فلسطين 48، وانتشرت فيما بعد بشكل واسع في الانترنت ايضا.
بنفس المهرجان القى سالم جبران قصيدة ايضا باسم "القائمة السوداء" أعتقد ان معظمنا نسيها، وبرأيي انها من أجمل قصائد شعرنا الفلسطيني المقاوم، وها انا أثبتها هنا كوثيقة تاريخية:
القائمة السوداء – شعر: سالم جبران
سجل اسمي في القائمة السوداء
سجل اسم أبي، أمي، إخواني
سجل .. حتى حيطاني!
في بيتي لن تلقى إلا شرفاء!!
لا تنظر نحوي
بعيون باردة بلهاء.
سجل اسمي
فأنا لن أتنازل
عن ارضي الطيبة المعطاء
لن اعمل جاسوسا
للأجهزة السوداء
في كل مظاهرة تلقاني
صوتي مع آلاف الأصوات
يجلجل في الأجواء
وإذا ما شئت مزيدا
فأنا أحمر
من بلد حمراء
سجل اسمي في القائمة السوداء
وطني ملكي
أبقاه لي أجدادي
وسابقيه للأبناء
حر فيه أنا، أتجول كيف أشاء
خبئ في غير ملفاتك، بالقائمة السوداء!
*****
2 - قصاصة ورق
التقيته دامي الوجه. ارتمى فوق صدري بلا سابق انذار ودس في يدي قصاصة صغيرة من الورق. أسرع الشرطي يفصل ما بيننا ويعنفه.
خبأت قصاصة الورق في جيب بنطالي. شعرت بها كنزا غير عادي.
التحقيق يكرر نفسه. ملوني أو مللتهم. غضبوا لأني أفشلت جهودهم في إيجاد أدلة كافية باني سافل!!
أطلق سراحي!!
هذا مجمل ما استطعت قراءته على قصاصة ورق من علب السجائر، التي وصلتني من معتقل لا اعرفه، بعض الكلمات لم تكن واضحة ناسبت كلمات مكانها، حافظت على المضمون، ماذا أفعل بها؟
صاحبها يطلب إنقاذه من موت مؤكد. يروي رحلة تعذيب طويلة ليقر بما لم يفعل. يصر على رفض الاعتراف بما لا علاقة له به.
احترت فيما اعمل مع قصاصة الورق، لمن أسلمها ولا اسم فيها؟
في صباح أحد الأيام وقعت عيني على صورة في صحيفة تحت عنوان مزعج جعلني أتجمد بذهول:
"انتحار شاب داخل زنزانة في السجن "
الصورة في الجريدة تذكرني بوجهه المتورم من الضرب، يوم حضنني ليدس قصاصة الورق في يدي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت