- بقلم/ مصطفى النبيه
الأوطان أجساد، تموت بدون رجالها الذين يهبونها حبا و يفتدونها بأرواحهم .
إخواني الأسرى، يرتعش قلمي وتضيع المفردات، تهرب من مخيلتي وأنا أقف أمام تجاربكم البطولية وأسرد حكاياتكم .
يفيض بقلبي الحزن، أشعر وكأنني سارقٌ لبطولتكم ، مادام قلمي لم يحركْ ساكنا في وجه غول هذا الزمان وينتصرْ لقضيتكم العادلة ،لا أريد أن أكون مجرد كاتب يكتب مقالا يتناول حكاية ما ، أحلم أن أصنع ثورة تمنحكم الحرية ، تنتصر للحق ، فأنتم من وهبتمونا الكرامة وعلمتمونا الانتماء الحقيقي للوطن وللإنسان ، جلعتم من أجسادكم جسورا لنعبر عليها ، تحملتم الوجع وصبرتم وتحديتم غطرسة السجان وتفانيتم بالعطاء، كنتم ومازلتم مدرسة نستسقي منها مفاهيم الحرية والصمود.
وأنا أكتب عن بطولتكم أشعر بالخجل من نفسي.. كيف تغط عيني في النوم وأنعم بالدفء والأمان بين عائلتي، وأعمدة الأوطان، من تجذرت أرواحهم بالأرض حتى أصبحت شجرة نستظل بها ، مازالوا يقبعون في سجون الاحتلال، يذوقون الويلات ونحن عاجزون أن نصرخ من أجلهم ونناصرهم ،على الأقل بالكلمة ، للأسف، سرقتنا الحياة ومازلنا نغرق بتفاصيلها اليومية ،أمَا آن لنا أنْ نخترقَ الحدود ونحلّقَ بقضيتكم العادلة في هذا الكون ؟ أليس من حق شجرة الحرية التي وهبتنا الدفء والأمان، أنْ نكافئها ونطلقَ حناجرنا لتنتصر لقضيتهم حتى نسقيها عدالة؟!
"وليد دقة "، الفدائي المشتبك ،الذي وزع نفسه بين محطات النضال، فكان بندقية الثائر وقلم العاشق، المفكر المبدع العنيد ، مازال يقف شامخا كالنخيل، ينبع حبا وعطاءً، يحمل أحلامه ليرسم ملامح فلسطين التي يعشقها، خمسة وثلاثون عاما وهو يبتكر وسائلَ نضالية ليقهر سجانه في معتقلات القهر الإسرائيلية ، يتحدى الظلم ، يناطح الظروف المجحفة ويتغنى باسم فلسطين أمام العالم .
اعتقد المحتل الظالم للحظة أنه انتصر عليه بعد أن اعتقله وسيحرمه من واجبه المقدس وحقه بالكفاح والذود عن وطنه حتى التحرير. اتهموه بعد اعتقاله هو ومجموعة من الفدائين باختطاف الجندي "موشي تمام" وقتله في مدينة "نتانيا" في أوائل عام 1985، وحكم عليهم بالسجن المؤبد مدى الحياة، أسروه لينتزعوا بندقيته ويلجموا ثورته، فلم ينهرْ على مدار خمسة وثلاثين عاما، لم يستسلم..
صنع لنفسه ألوانا من وسائل الكفاح . شارك وقاد الكثير من المعارك النضالية التي خاضتها الحركة الأسيرة دفاعاً عن منجزاتها ومكتسباتها. استل قلمه ليقول إن المثقف الثائر لن ينهزم يوما ، كتب المقالات وله العديد من المؤلفات والبحوث المهمة ومن أبرزها "صهر الوعي"، ورواية "سر إبريق الزيت".
وليد دقة المفكر المقاتل، الذي لا ينهزم، أطلق قلمه ليحكي حكاية الكل الفلسطيني، ضحى بشبابه وعمره ، لم يبخلْ بعطائه ، فارق عائلته وترك ملذات الحياة خلفه من أجل فلسطين، من أجل أن يعيشَ شعبُه بسلام ،فعلينا ألا نخذلَه، وأنْ نتغنى باسمه صباحا مساءً فهو صمام الأمان لنا .
وليد دقة أسطورة نضالية لن توفيه الكلماتُ حقه، فهو رجل لكل الأزمنة، دينامو الحركة النضالية في معتقلات الاحتلال ، فلن تستقيم الحياة وهؤلاءِ الأبطال الثوار خلف القضبان. عاشت فلسطين حرة بصقورها الأحرار، فلا طعمَ للحرية ولا لون بدون تحرير الأسرى كافة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت