الصمت عار، وهم عُشّاق النهار

بقلم: حسن عبادي

  •   حسن عبادي

التقيت يوم 12 حزيران 2019 في سجن "هداريم" بالأسير باسم خندقجي؛ حدّثني على تعرّفه، عن كثب، على الجناح الآخر للوطن: كريم يونس، وليد دقّة، باسل غطاس وغيرهم، والعلاقة الخاصّة التي تربطه بوليد، وعن "ميلاد" الموعود ووعدته أن نرفع نخب "ميلاد" قبالة بحر حيفا، وميلاده حتمًا سيكون فأل خير على الحركة الأسيرة، من طرفي وفيت بوعدي، ودوّنت وعدي على صفحتي وكان عنوان صحيفة "المدينة" الحيفاويّة بعد اللقاء: "كاسك يا ميلاد، ترقّبوا التفاصيل حصريًا في عدد قادم" وأرفقها الإعلامي رشاد عمري  بصورة لوليد ورواية "حكاية سرّ الزيت". يعني اللّي مش فاهم يفهم!

                                                                   

التقيت الأسير وليد دقّة  صباح الأربعاء 10 تموز 2019 في سجن "هداريم"؛ وكنت قد تعرّفت إليه عبر كتاباته، وشاركت في أمسية نظّمها التجمّع الوطني الديمقراطي في حيفا يوم السبت 10 تشرين الثاني  2018 لإشهار كتابه "حكاية سرِّ الزيت".

أطلّ مبتسمًا ساعة انتهائي من لقاء رفيقه كريم يونس، وكان ملتحيًا، فسألته سرّ تطويلها فأجابني أنّهم نقلوه إلى زنزانة في معسكر مجيدو بدون مرآة فلم يحلق فترة طويلة وحين نقلوه إلى سجن آخر "أنقذته" تلك اللحية، وهذه حكاية أخرى.

تحدّثنا عن لقائي بالأسير باسم خندقجي ووعدي له أن نرفع نخب "ميلاد" الموعود قبالة بحر حيفا، ووفيت به، مع "لا ريوخا" ولوركا.

تحدّثنا عن جود وأبو ناب والضبع، عن كثرة الضباع في أيّامنا، عن التهجير والعودة المشتهاة، فالحاجة فريدة ما زالت تحلم بعودتها إلى قاقون والحوارث، عن الحريّة التي ستتحقّق بهمّة جود ورفاقه، حكاية الزيت والسيف، سلاح المعرفة والعلم "المستقبل هو أحقّ أسير بالتحرير".

 

تناولنا "الزمن الموازي"، صهر الوعي والمحاولات المستميتة لاستهداف معنويّات الأسير في السجون عبر إعادة صياغة عقله وفق رؤية إسرائيليّة، فباتت السجون بمثابة مؤسّسات ضخمة لطحن وعي جيل فلسطيني بكامله، إنّها أضخم مؤسّسة عرفها التاريخ لإعادة صهر الوعي لجيل من المناضلين.

 

تناولنا رسوماته، كاريكاتيراته والكوميكس للكبار بالعربيّة ومشروع "نول للكتابة"، وعن الأثر الذي تركته فيه تعقيبات مجد كيال، خلدون محمد ود. خالد عنبتاوي وغيرهم كُثر.

 

حدّثني عن ألمه وحسرته لاحتجاز السلطات حوالي ثلاثمائة جثّة فلسطينيّة ومنها جثمان الشهيد فارس بارود الذي توفيّ خلال فترة سجنه وما زالت جثّته محتجَزة وتساءل فارس محدّقًا بوجه سجّانه باستهجان: "هل ستحتفظ سلطة السجون بجثّتي حتّى تنتهي فترة محكوميّتي لتحريرها؟؟" ونحن صامتون صمت القبور... وعكاكيز السلطة تُفاوض!

 

مضت ساعتان بلمح البرق وما زلنا في بداية حديثنا، وللقصّة شرح يطول.

 

كان من الطبيعي أن أعنون تغريدتي حول اللقاء: "عذرًا أيّها الفارس، خذلناك!!!". هذا هو وليد الذي التقيته؛ صاحب رؤية ورؤيا. نتاج ذلك اللقاء بدأت مشروعي "لكلّ أسير كتاب" وبادرت بمشروع إيصال إصدارات كتّابنا لأسرانا وحطّت ترحالها عبر القضبان مئات الكتب ليقرأها أسرانا.

 

تعرّفت في السنة الأخيرة على الأسير المحرر/ خالد صالح "عز الدين"  الذي يحمل ملف أسرانا ويجوب به العالم، بدأنا التواصل شبه اليوميّ عبر صفحة "صوت الأسير" التي يديرها، باتت منبرًا حرًا وصوتًا عاليًا لأسرانا الذين رأوا فيها بيتًا لهم، وتولّدت فكرة الملف الشهري لأسير تُسلّط من خلالها الأضواء عليه حصريًا، وكانت البداية بملف يخص عميد الأسرى كريم يونس، نائل البرغوثي، كمال أبو وعر وماهر يونس. لاقى الملف أصداءً  كبيرة عبر القضبان ومن خلفها تولّدت فكرة ملف خاص بوليد دقّة.

 

يعمل خالد جاهدًا على نشر الملف بالصحافة المكتوبة في العالم العربي، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وملف وليد يصدر تزامنًا في صحيفة "المدينة" الحيفاويّة وحبّذا تشارك إمبراطوريّة رام الله في نشره وتعميمه.

 

التضامن مع أسرانا الأحرار أقلّ الواجب وطنيًّا، هم وجهنا الحضاري وأيقونة النضال من أجل الحريّة والحياة الكريمة على أرض الوطن، كلّ تضامن معهم يمدّهم بالقوة والأمل ويشكّل شوكة في حلق العدو الغاشم. فقضيّة أسرانا قضيّة إنسانيّة بالدرجة الأولى، بعيدًا عن الأسطرة، ولِدوا ليكونوا أحرارًا، شمس الحريّة تليق بهم وتتوق لعناقهم.

شكرًا صديقي خالد، شكرًا للصديق "محمد كيتوس" وصحيفة المواطن الجزائريّة التي كانت الرائدة في دعم هذا المشروع وإخراجه إلى النور، شكرًا لكلّ من شارك في هذا الملف، الحريّة لوليد وكافّة رفاق دربه. لا سكوت بعد اليوم.

صمتُنا عارُنا.

من الجدير بالذكر أن هذا الملف يُنشر تزامنًا في الصحافة الجزائريّة وصحيفة "المدينة" الحيفاويّة.

لوحة وليد - ظافر 1

 

صورة وليد دقة - المدينة

 

صورة وليد


 

       

                                                                         

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت