- بقلم: فراس ياغي
أتفق مع الجميع أن فوز بايدن هو أفضل لأمريكا وللعالم، وأن سياساته ستعيد السياسة الأمريكية التقليدية المتعلقة بالقضية الفلسطينية ولو بآثار تركها (ترامب) لن يجرؤ على القيام بمحوها أو تغييرها، مثل نقل السفارة الأمريكية للقدس وإعتبارها عاصمة "إسرائيل" قبل التوصل لحل الدولتين بشكل عملي، ايضا "الجولان" سيبقى وفق الاعلان "الترامبي" جزء من السيادة الإسرائيلية ولن يجرؤ على محو ذلك، ومن ضمن الآثار التي ستبقى، ما قاله الوزير السابق "حسن عصفور" في زاويته "الأمدية" حول سياسة "بايدن" التي سوف (تستند أولا الى الوقف الكلي لأي خطوة فلسطينية رسمية تتعلق بـ "فك الارتباط" عن الجانب الإسرائيلي، ضمن بند أن أمريكا لن تسمح بما يؤثر على رؤيتها في "حل الدولتين"، وهذا يشمل الضم وأيضا منع فك الارتباط بكل مكوناته، ويفتح الباب لعودة التنسيق الشامل.)، هذا يعني العودة للدائرة القديمة المتمثلة بمفهوم إدارة الصراع لا حَلِّه، لكن الشيء المهم بالنسبة للقيادة الفلسطينية هو إزاحة "الرؤية الترامبية للسلام" التي سميت "صفقة القرن" عن أي طاولة للمفاوضات مستقبلاً.
قُلت في مقال سابق أن فوز "بايدن" يعني رفع (الجزمة) عن رقاب القيادة الفلسطينية لكي تأخذ بعضا من الاوكسجين في زمن " الكورونا " حيث عمل "ترامب" وعصابة "التوراة" (صهره كوشنير والسفير فريدمان) على منعه بمنطق وعنجهية القوة المستمدة من الإله "يهوه" رب القبيلة التوراتية، وذهاب هذه "العصابة التوراتية" يُعتبر بحد ذاته إنجاز عالمي وأمريكي وفلسطيني بالذات، فمعركة "هرمجدون" ستتأجل بعضاً من الوقت حتى ظهرو "أنجليكاني" جديد في البيت الأبيض.
صحيح لن تأتي إدارة أمريكية أسوأ من إدارة الرئيس "ترامب" لكن الرجل عبر بشكل واضح عن حقيقة الموقف الامريكي بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والتي تستند لرؤيا الأمن الذي يضمن سلامة دولة إسرائيل ويضمن عدم إخلاء الكتل الاستيطانية وبقاء القدس الكبرى عاصمة موحدة لاسرائيل، وبمعنى أدق عدم العودة مطلقا لحدود الرابع من حزيران، فَ إدارة الرئيس "ترامب" أرادت فرض رؤيتها بالقوة عبر الضغط المستمر والعقوبات ضد الشعب الفلسطيني وقيادته الرسمية، في حين الديمقراطيين ومنذ عهد "أوباما" ونائبه "بايدن" أرادوها عبر المفاوضات الثنائية وعبر عملية إقناع من خلال مفهوم ال " SWAP" أي تبادل الأراضي وإعطاء الفلسطينيين الاحياء العربية في القدس (طبعا وفق رؤيا تُبقي على مدينة القدس موحدة) أما البلدة القديمة أو ما يسمونه "هار هبيت" فلها حكاية أخرى.
إذا المسألة جُلّها وفق ما قاله أحدهم: "أن الحركة الصهيونية لها فرعين في الولايات المتحدة، الأول جمهوري يعبر عن رؤيا الصهيونية بشكل مباشر، والثاني ديمقراطي أدواته ناعمة ويعتمد سياسة الحوار والاقناع، في حين كلا الفرعين لديهم استراتيجية واحدة تجاه دولتهم "إسرائيل".
ودون الخوض في نقاشات غير مجدية وتحت عناوين الشعارات الانتخابية لِ مرشح الديموقراطيين "بايدن" بما يتعلق مثلا بِ "مصر وتركيا والسعودية" فإن الحقيقة التي يُغَيّبها مُحبي الولايات المتحدة وعاشقي حزبها الديمقراطي، هو أن "الإستبلاشمنت" اي مؤسسة الدولة العميقة هي من يتحكم بالسياسة الخارجية الأمريكية، وهنا مصالح أمريكا أهم من الشعارات المُعلنة، ومعروف جيدا أن الحزب الديمقراطي لا يَحيد عن ذلك، بعكس "ترامب" الذي لا يفكر إلا بما يُعزز موقعه وبقاءه في البيت الأبيض وبما يجلب مردود مباشر إقتصادي لأمريكا، فهو ميكافلي الاسلوب، وشعبوي التوجه، ورجل الصفقات الذي لا يُعير إهتماما للآخر ولا حتى للبيئة ولا حتى لِ "ميلانيا".
ما أود الإشارة إليه، أن قيادات الشعوب التي تضع اوراقها لدى الادارة الامريكية إن كانت زرقاء أو حمراء، لن تحصل إلا على سواد الوجه أمام شعوبها، وما سوف يتحقق في عهد "بايدن" هو فقط عودة الاتصالات مع الجانب الامريكي وعودة الزائرين الدائمين للقتصلية الامريكية التي وعد بفتحها، وعودة منظمات المجتمع المدني للعمل مدعومة من أل "USAID"، وهذا بالضبط ما يسعى وترغبه بقوة النخب العاشقة لليبرالية والديمقراطية الأمريكية التي دمرت الدول العربية بالغزو المباشر أو غير المباشر عبر ما أسموه "الربيع العربي" وصناعة المتطرفين من الأسلمة السياسية وغيرها.
مغادرة الرئيس "ترامب" للبيت الأبيض إذا ما حدثت لا أسف عليها، بل هي خطوة مهمة بالنسبة لأمريكا أولا، فبقاؤه يعني أفول للإمبراطورية الأمريكية وهي إلى إفول مهما كان لون الساكن للبيت الأبيض، فالتعددية الدولية قادمة والمارد الإقتصادي الصيني لن يتراجع بل ينمو ويتطور وأصبح القوة الأولى إقتصاديا.
أمريكا في عهد "ترامب" دفعت بالعالم للتفكير بعيداً عنها وأدت للكثير من القوى الدولية ك "الصين" و "أوروبا" وبعض الدول الإقليمية الكبرى للتفكير في مصالحها قبل أن تُفكر في مصالح أمريكا، وحدهم العرب الذين لا يزالون يعيشون الحلم الأمريكي والمصلجة الأمريكية، ولا يستطيعون مغادرة المربع المرسوم لهم، فأمريكا ليست قدرا لا يمكن الإستغناء عنه، وفي ظل الواقع الدولي القائم حاليا فإن السياسات العربية والفلسطينية بالذات عليها أن تتعامل وفق مصالحها لا وفق أجندات ما يُريده البيت الأبيض وبغض النظر عن رئيسه.
أزعم بأن البعض القيادي عِشقه وغرامه لأمريكا لم يتغير مطلقا، بل صراعه كان خلال الأربع سنوات التي مضت مُنْصبّة على المناورة حتى حدوث التغيير في البيت البيضاوي، وأجزم أن البعض الآخر كان يريد "ترامب" حتى ولو أذَلّه لأنه رأى بأم عينية كيف أن إدارة "أوباما" ونائبه القادم "بايدن" وقفوا مع الأسلمة السياسية وبالذات "الإخوان المسلمين" وتحت عناوين التخلص من الحكام العرب المُستبدين ، أنظروا الآن حال "ليبيا" و "سوريا" وغالبية الدول العربية كنتيجة لسياسة الحزب الديمقراطي والذي مارس كل أنواع التدخل في الشؤون العربية وفقا لسياسة تصدير الديمقراطية والليبرالية الأمريكية، لذلك سنجد من لا يُرَحّب بقدوم "بايدن" وسنرى من سيحتضن قدومه خاصة أولئك الداعمين للأسلمة السياسة، وهذا ينعكس بأم العين ونسمعه بكلتا الأذنتين في فضائيات العرب، "الجزيرة" و "العربية" وغيرها، أما فلسطينيا فهي حكاية أخرى، ولو كان هناك توجه جدي للفعل بعيداً عن ردات الفعل، لكان التوجه داخلي لبناء وحدة حال فلسطينية مُستندة لبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية ومرتكزة على قاعدة التجديد للشرعيات عبر الإنتخابات العامة.
لا الأزرق ولا الأحمر سينقذنا، فقط وحدتنا وصمودنا وديمقراطيتنا وإعادة ترميم وتجديد منظمة التحرير الفلسطينية ممثلنا الشرعي والوحيد لتكون العنوان الجامع للكل الفلسطيني، الوطني والإسلامي، في المهجر والشتات وفي داخل الوطن، وهذا يستدعي صدور مرسوم رئاسي يدعو فيه للإنتخابات العامة وفق ما تم من تفاهمات، وبغض النظر عن اللون الذي سيسكن البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت