سقط ترامب وصفقته وإنتصرت فلسطين

بقلم: جبريل عودة

جبريل عوده
  •  بقلم : المستشار/ جبريل عوده *

بداية نؤكد أنه لا إختلاف جوهري أو تغيير إيجابي في سياسات الرئاسات الأمريكية المتعاقبة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية إتجاه القضية الفلسطينية , لم نجد إنصافاً للحقوق الوطنية الفلسطينية , ولم نرى حياداً في رعايتها لمفاوضات التسوية , وفي المقابل كان واضحاً إلتزام كافة الإدارات الأمريكية , بما يسمى أمن "إسرائيل" والحرص على تفوقها العسكري وتلبية حاجاتها الأمنية , التي تعني مزيداً من الظلم والإضطهاد للشعب الفلسطيني وإنتزاعه حقوقه في أرضه وتهويد مقدساته , وكان واضحاً بأن أمريكا سواء كانت "جمهورية أو ديمقراطية " هي الحليف الإستراتيجي للكيان الصهيوني , وقفت حارساً أميناً له في كافة المؤسسات الدولية, تدافع عن جرائمه وتحرص على عدم إدانته بالمحافل الدولية .
 أمريكا هي وجه واحد للشر والإرهاب والعدوان على حقوق الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة قاطبة , لا فرق بين " ترامب وبايدن" كما كان لا فرق بين " بوش وكلينتون " , ولكن هناك وسائل متنوعة للبلطجة الأمريكية ,حيث أن الجمهوري لا يبالي أن يوجه اللكمات بقفازات خشنة, بينما الديمقراطي يوجه ذات اللكمات ولكن بقفازات حريرية , وكلهما يصوب قوته الباطشة نحو حقوق وثوابت القضية الفلسطينية في محاولة لطمس القضية الفلسطينية خدمة لمشروع الإستعمار الصهيوني في فلسطين. في الحالة " الترامبية " كانت السياسات الأمريكية العدوانية إتجاه فلسطين في قمة الإنكشاف, وقد أصبح واضحاً بأن أمريكا قد إنتزعت الثوب التنكري لمهمة "الوسيط المحايد" , وإرتدت ثوب العدو المجاهر بالعداوة الساعي للإضرار بالقضية الوطنية والحقوق الفلسطينية , وصولاً لحالة من الإستهزاء والإزدراء بتطلعات شعبنا بالحرية والإستقلال وتقرير المصير , وهي الحقوق المكفولة وفقاً لكافة المواثيق والقوانين الدولية , حتى صاغ لنا فريق المهرجين في البيت الأبيض برئاسة ترامب ما يعرف بـ " صفقة القرن " في محاولة لإنهاء وتصفية القضية الفلسطينية , وإستخدم في ذلك السطوة الأمريكية على بعض الأنظمة العربية من أجل تمرير " صفقة القرن " على حساب الحق الفلسطيني , مهدداً رؤساء وملوك تلك الأنظمة بزوال عروشهم ,وشاهدنا كيف ساق ترامب عبر سياسة "العصا والجزرة" بعض الأنظمة العربية لحظيرة التطبيع مع الكيان الصهيوني , مهدداً البعض بالعدو الوهمي وهو الجار الأقرب لهم من أمريكا ,ومهدداُ البعض الأخر بقوائم الإرهاب ومنع الدعم والمساعدات المالية, فكان المشهد الهستيري في الساحة العربية , والصادم لكل مشاعر الأحرار من أبناء الأمة خلال الأشهر الأخيرة من حكم البلطجي ترامب , ونحن نرى الهرولة المذلة نحو التطبيع مع عدو الأمة الأول .
في عهد ترامب كان العدوان على القضية الفلسطينية مباشراً ومتتالياً ويصيب الثوابت وجوهر القضية الوطنية , ولعل أكبر مظاهر العدوان هو الإعتراف الأمريكي بالقدس المحتلة كمدينة يهودية وعاصمة للكيان الصهيوني , ونقل السفارة الأمريكية من مستوطنة " تل أبيب" إلى مدينة القدس المحتلة , وهذا العدوان الغاشم لم يستطيع أي رئيس أمريكي في السابق الإقدام عليه , شرعنة إدارة ترامب الإستيطان الصهيوني في الضفة المحتلة والأغوار الفلسطينية وإعتبرتها غير مخالفة للقانون الدولي , وأيدت إدارة ترامب عمليات الضم لأراضي الضفة المحتلة إلى الكيان الصهيوني , كما إستهدف فريق ترامب الحاكم حق العودة للشعب الفلسطيني ورفضهم لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها , بل حاولت إدارة ترامب تصفية وكالة "أونروا" عبر قطع المساعدات المالية عن الوكالة , لتصبح عاجزة عن القيام بدورها برعاية اللاجئين الفلسطينيين كما هو منصوص عليه بالقرارات الدولية , ولم يتوقف عدوان ترامب على فلسطين , بل إستهدف الأراضي العربية المحتلة, معترفاً بالسيادة الصهيونية على الجولان السوري المحتل .
 لكل ما تقدم فرحنا كفلسطينيين وعرب بهزيمة ترامب في الإنتخابات الأمريكية , وكأنها رسالة تحذير لكل من تسول له نفسه المساس بسوء بفلسطين ومقدساتها , فلن ينفعك اللوبي اليهودي ولا أصوات الإنجيليين الصهاينة , فكانت الهزيمة المدوية للعنجهية والبلطجة الأمريكية التي تمثلت بصورة ترامب الأرعن , ولعل تجربة ولاية ترامب درساً كافياً لتكشف لنا مواطن الضعف في مشروعنا التحرري ومواضع الإختراق لقضيتنا الوطنية , لنعمل على تقوية الجدار الوطني ونحشد قنوات الدعم والمساندة والتأييد لقضيتنا العادلة , وقد إكتشفنا العدو المقيم في وقت الضيق وكم كانت عداوتهم علقم في حلق القضية الفسطينية بتصريحاتهم المسمومة التي إستهدفت طهارة القضية وعدالتها , ومع ذلك نتطلع لعودتهم إلى رشدهم في أقرب وقت , فالمعركة هي معركة أمة وإن كنا كشعب في طليعة المحاربين .
في غمرة الإحتفاء بسقوط شيطان صفقة القرن , لا يجب أن تأخذنا السكرة نحو الإرتماء في حضن الأفعى " بايدن " , وعلينا العمل على تعزيز جبهتنا الوطنية في مواجهة كافة الأخطار التي تتعرض لها قضيتنا , فحرب الإستهداف لن تتوقف على أرضنا المحتلة , لن يقوم بايدن بكبح جماح التغول الصهيوني , ولن يوقف بايدن عمليات التهويد للأقصى والقدس , من يفعل كل ذلك نحن كشعب فلسطيني في إطار من الوحدة الوطنية والعمل المقاوم الجاد وتعزيز صمود شعبنا على أرضه .
كاتب وباحث فلسطيني مستشار قانوني
 8-11-2020

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت