الغائب الحاضر ..

بقلم: نهى أبو عمرو

نهى أبو عمرو
  • بقلم /نهى أبو عمرو

نحتفي خلال هذه الأيام ونحيي ذكرى رحيل الغائب عنا والحاضر فينا، سليل الحسين ورمز فلسطين وسيدها وقائد ثورتها المباركة .. رئيسها الشهيد الكبير ياسر عرفات أبا عمار، مفجر الثورة وصاحب الطلقة الأولى ومعلم الشعوب وملهمها معنى النضال لأجل الحرية ونيل الإستقلال، أب الهوية الوطنية الفلسطينية بلا منازع ومهندس كينونتها وحارس ديمومتها بلا شك.

صحيح أننا اليوم نحيي ذكرى ياسر عرفات، لكننا بنفس الوقت نحيي أيضا ذكرى الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة والنبيلة والمتمثلة بالحقبة العرفاتية، فقد درج في العالم نسبة سياسة فترة ما إلى الشخصية التي أدت الدور المحوري فيها، على غرار الغولية في فرنسا أو الشهابية في لبنان، وبذلك فإن النسبة العرفاتية هنا لها مبرر إضافي نظرا للبعد الكياني الوطني الذي بناه الراحل حجرا على حجر، سيما وانه كان يرتكز على فكرة النهوض الوطني بل والقومي أيضا، في ظل كتلتين متناقضتين في الأهداف والرؤى  في زمن إمتلأت فصوله بالنكبة والتشرد والضياع الفلسطيني؛ فعلى الدارس للقضية الفلسطينية أن يتخذ من بيوغرافيا شخصية عرفات الأب، مدخلا لدراسة معالم هذه المرحلة بأبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والوطنية.
ولكن وفي نفس الوقت يجب أن لا تكون هذه التسمية سببا في تضليل الناس ووسيلة لتبرئة الآخرين ولا حتى اختزالا لمشهد مركب عرفته فلسطين والمنطقة العربية، حيث توزعت بعض الأدوار على أناس هنا وهناك حسب ما تقتضي الأهواء والمصالح تحت أنظار الوصاية الإسرائيلية.

انتميت لجيل كان في عمر الطفولة لحظة إتفاق إعلان مباديء قيام الدولة الفلسطينية، أقول: لقد تبلور وعينا وإدراكنا على قيام الدولة كإنجاز وطني كبير، كان بمثابة الحدث/ البديهة، هو الإطار الذي حدد وعينا بذواتنا الفلسطينية، ياسر عرفات أزال الغبار عن هويتنا العميقة المتجذرة في الأرض والتاريخ، فعمل على إخراج الفلسطيني العزيز من البئر، بعد أن ألقاه فيه بهيموث الإمبريالية في عام 1948.

إن ياسر عرفات مفرد بصيغة الجمع، عاش ورحل جسدا وهو يعرف بفلسطين وكوفيته التي صارت رمزا لفلسطين، كيف لا، وأينما حل حلت معه فلسطين، وهل فارقته يوما!
حقا، لقد كان وطنا متحركا رحمه الله.

لقد جمعت شخصيته الفيلسوف والمفكر والقائد البارع والشاعر والملهم، لقد كان اسطوريا لا مثيل له، تجسدت في شخصه كل الروائع الميثولوجية اليونانية من بطل اثينا "ايخيل" الى " فينيكس" الى " زيوس " الى " مارتينيوس"، فصارت الاحلام واقعا يمكن تحسسه، بعد ان صاغها بعبقرية ومنطق الممكن، في زمن الردة الخفية والمستحيل الصلف، فأسس لفكرة الشعب الفلسطيني الحر والدولة المستقلة صاحبة السيادة.
وكما يقول هيغل: "العقل في التاريخ هو الممكن المتحقق".  فإن حياة الراحل كانت ميزتها الأساسية هو إيصال السفينة الفلسطينية إلى بر الممكن لا الأوهام، وفي سبيل ذلك حول الشعب الفلسطيني من طوابير تصطف على ابواب المؤسسات الإغاثية إلى ثوار مقاتلين على أبواب الكرامة وفلسطين؛ فلا عجب بعد ان رحل الياسر بان يتحول شعبه المرابط إلى شعب الرابط.

اليوم، وفي ذكراه الطيبة، يؤسفني القول يا سيدي بأن ذاك الجبل لم تهزه الريح بل هزه إنقسام صريح. نعيش أشد الفصول عتمة وظلاما، خاصة في ظل ما تشهده الساحة من هرولة نحو التطبيع مع العدو الصهيوني، وفي ظل انقسام داخلي رديء وإرادة اميركية متعنتة وداعمة للطرف الإسرائيلي على حساب حق الوجود الفلسطيني، لأجل ما سبق علينا أن نستلهم تجربة الراحل ياسر عرفات في الوحدة الوطنية ورفض التنازل عن الحقوق والثوابت الفلسطينية والسير نحو إتمام قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

إننا اليوم بأمس الحاجة إلى قادة عظام من أمثال الياسر وجورج حبش وغيرهم من القادة العظماء، أقول بحاجة إلى إعلاء المصلحة الفلسطينية فوق كل إعتبار ومصلحة اخرى، بحاجة إلى وحدة حقيقية في إطار بيت فلسطيني جامع، تمثل فيه كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني على اسس ديمقراطية؛ بحاجة إلى قادة يمتلكون واقعية سياسية حقيقية تستطيع العيش تحت الشمس، وإرادة صلبة من أجل إنهاء الانقسام المدمر لنسيجنا المجتمعي وثوابت القضية ومنجزاتها.

نعم يا سادة، ان فلسطين أمانة الراحل لنا، وعلينا واجب حفظ هذه الأمانة وعدم التفريط بذرة تراب منها والعمل على تجسيد حلم الرئيس الشهيد بأن يرفع شبل من أشبالنا أو زهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق اسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس، حقيقة على ارضنا العربية الفلسطينية.


أبا عمار
طبت حيا وميتا
أبا عمار
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت