- بقلم : المستشار / جبريل عوده *
فرحة الفلسطينيين بهزيمة دونالد ترامب , الذي أوغل بالعدوان على ثوابت الشعب الفلسطيني , لا تعني الترحيب والفرح بفوز جون بايدن , فالشعب الفلسطيني أخبر شعوب العالم , بأن الوجوه الجمهورية والديمقراطية في أمريكا , لا إختلاف في سياساتهم العدوانية التي تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني , وتساند الإحتلال الصهيوني الغاشم في سرقة وإبتلاع الأرض وتهويد المقدسات, وتمده بكل أسباب القوة والبقاء ,وتمنع أي مساندة حقيقية لشعبنا في نضاله نحو الحرية والإستقلال .
تجربة المفاوضات العبثية منذ ما يقارب من ثلاثين عاما ,ونتائجها الكارثية على القضية الفلسطينية, يجب أن تكون كفيلة لردع كل من يفكر بإعادة التجربة المريرة بالعودة إلى طاولة الذلة والمهانة , فالفشل هو مصيرها والخسران لمن يعول عليها في تحقيق أدنى حقوق الشعب الفلسطيني , الثمرة النكدة للعودة إلى المفاوضات هو تضييع فرصة تعزيز الوحدة الوطنية , وتفتيت للجبهة الداخلية الفلسطينية وإستمرار الإنقسام السياسي , فقرار الإستعداد للعودة إلى المفاوضات الذي أعلنت عنه رئاسة السلطة وخارجيتها , هو بمثابة قرار بحبس الشعب الفلسطيني وقضيته في ذات المربع مغلق الإحكام أمام الإنطلاقة الحقيقية والمثمرة للمسار الوطني الوحدوي التحرري , الذي يحفظ الحقوق ويصون الوطن , ويجمع كل الفلسطينيين تحت ظلاله الوحدوية الوارفة .
التعويل على المفاوضات في عهد بايدن الذي لم يبدأ بعد , والوطن يتعرض لغول الإستيطان ومعاول الهدم التي تنهش بيوت الفلسطينيين , ومزامير التهويد التي إرتفع ضجيجها في مدينة القدس وأقصاها المبارك , وأنظمة الجور والخذلان العربية تهرول من أجل الرضي الصهيوني عبر فضيحة التطبيع , هذا الواقع المرير لا يخلق أجواء ملائمة للتفاوض , الذي سيكون بكل تأكيد الغطاء المريح لتمرير سياسات نتانياهو التوسعية .
في نوفمبر 2009 نعى الراحل صائب عريقات , ما يعرف بـ " عملية السلام" مع الكيان الصهيوني , وقال في مقابلة مع وكالة فرانس برس , " لقد جاءت لحظة الحقيقة ومصارحة الشعب الفلسطيني إننا لم نستطع أن نحقق حل الدولتين من خلال المفاوضات التي استمرت ثمانية عشر عاما " , تصريحات عريقات التي تعلن موت عملية التسوية كانت في لحظات الحقيقة والصدق مع الذات , وبناء على تجربته ككبير المفاوضين الفلسطينيين,هذه التصريحات كانت في عهد الرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما ونائبه جون بايدن , وبذلك يكون التعويل على إدارة بايدن ضرباً من الجنون وتجريب للمجرب حيث أن السياسات الخارجية الأمريكية ثابتة لا تتغير وبرامج الحزبين " جمهوري وديمقراطي" في هذا الشأن نسخة مكررة في كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع تغيير طفيف غير ملموس إن وجد.
لقد غاب الحديث عن المصالحة الفلسطينية, وإفتقرت المساحة الإعلامية الفلسطينية بمصطلحات الوحدة والقيادة الموحدة والمصالحة الشاملة , إختفى المنظرين للمصالحة عن شاشات التلفزة ووسائل الإعلام ,ولم يخرج أحد يكذب المحللين والمنجمين حول ما يشيعونه بأن فوز جون بايدن سيكون على حساب الوحدة الوطنية الفلسطينية , وأن السلطة ورئاستها كانت تؤجل كل القرارات التي تتعلق بمسار المصالحة من أجل إنتظار نتائج الإنتخابات الأمريكية , فإذا كان الفوز لبايدن فلا حاجة للسلطة بالمصالحة وإنهاء الإنقسام !! , وهذا الحديث الذي تعج به الساحة الفلسطينية الشعبية والرسمية , برسم قيادة السلطة وحركة فتح ليخرج لنا من يكذب ذلك , ويقول بأن المصالحة خياراً إستراتيجياً وممراً إجبارياً لا بد للشعب الفلسطيني أن يسلكه من أجل إستكمال معركته الوطنية في مواجهة الإحتلال وإحباط كافة المخططات التآمرية العدوانية التي تستهدف قضيتنا الفلسطينية .
العودة إلى نفق المفاوضات هو ذهاب نحو المجهول , والسعي نحو المصالحة الوطنية هو تحصين للقضية والشعب , فأيهما نختار ؟ , لا يجب أن نتردد أو نوازن بينهما , فالخير كل الخير في المصالحة الفلسطينية , والعزة والمنعة بإرساء الوحدة الوطنية , ولن تقدم لنا الإدارة الأمريكية في عهد بايدن كما هو الحال مع سابقاتها , فهم العون لعدونا والشريك في قهرنا , والحقوق لا توهب بل تنتزع بالقوة , ومشوارنا الوطني لا يجب أن يخرج عن مساران إستراتيجان ,وهما وحدة شعبنا ومواصلة مقاومتنا ,فهما الكفيلان بإنجاز الحرية وتحرير الوطن.
كاتب وباحث فلسطيني 15-11-2020م
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت