في الذكرى الرابعة لغياب الفنان والمبدع الكبير مهدي سردانه .. نذر حياته لفلسطين ووظف ألحانه وغناءه من أجلها

بقلم: خالد أحمد

خالد أحمد
  • خالد  أحمد / منسق إعلامي 

ملحن أناشيد الثورة الفلسطينية ، الموسيقار المجهول ، قيثارة الثورة الفلسطينية مجموعة القاب اطلقت على  الفنان الراحل والملحن الكبير مهدي سردانه  لما قدمه من أناشيد وأغاني وطنية كان لها التأثير الأكبر في وعي ووجدان الجماهير العربية والفلسطينية الذين اعتادوا سماعها عبر الإذاعات الفلسطينية التي كانت تبث من القاهرة ودمشق وبغداد .

 

رغم المسيرة الطويلة التي صدح فيها بصوته والحانه وحظي خلالها باحترام كبير بين الفنانين والملحنين الكبار على مستوى الوطن العربي، إلا انه كان  عاتباً علينا وعلى الإعلام الفلسطيني حسب  ما ينقل عنه احد أقربائه  كون القليل من الناس كانوا يعرفون من وراء هذه الأغاني الثورية ،ومن كتبها ولحنها  لذلك وجدت انه من الواجب علينا ان نعطي هذا الرجل بعضاً من حقه علينا في ذكرى رحيله الرابعة فكان هذا المقال  .

 

ولد مهدي حسين محمد سردانه في قرية الفالوجة قضاء غزة ،والواقعة بين غزة والخليل بفلسطين في الخامس عشر من كانون أول ديسمبر1940م ،وقد خدمته الظروف منذ البدايات فقد كان والده شيخاً للطريقة الصوفية حيث كان المنزل بمثابة مجلس لحلقات الذكر وقراءة القران ومن خلال استماعه للألحان والأناشيد الدينية بدأت تنمو وتتشكل لديه موهبه التلحين .

 

وقد اكتسبت هذه القرية الوادعة التي تعرضت لتطهير عرقي شامل خلال النكبة شهرة واسعة حين خدم فيها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كضابط ضمن القوات المصرية التي تعرضت لحصار طويل فيها أبان العام 1948م .

 

شهد النكبة الفلسطينية الكبرى في العام 1948م وكان من الذين هاجروا مع العائلة  إلى الأردن لفترة قصيرة قبل أن يعود إلى غزة مع شقيقه الأكبر الذي اصبح فيما بعد قاضي قضاة فلسطين ، ليبقى على مقربه من الأحداث التي يعيشها الوطن ،و في تلك الفترة بدأ يتردد على الحفلات التي تقام في مواسم البيادر والأعراس والأفراح ،و من خلالها التقى بالفنان أبو علي الطناني الذي تعلم منه الموال البغدادي وفي ظل هذه الأجواء بدأ يتعمق أكثر في أصول الموسيقى والتلحين بعد أن حفظ الكثير منها .

 

وفي عام 1958م توجه إلى مصر والتحق بمعهد الموسيقى في القاهرة  وخلال فترة دراسته هناك، بدأت تظهر عليه ملامح إبداعات موسيقية فتعرف في ذلك الوقت على كل من الراحلين الإذاعي فؤاد ياسين الذي أسس (صوت العاصفة) فيما بعد  والفنان الشعبي  أبو عرب من خلال  إذاعة "صوت العرب" .

 

وبدأ مسيرته الفنية خلال فترة دراسته الجامعية والأكاديمية مؤدياً لألحان كبار الملحنين المصريين من أمثال بليغ حمدي ورياض السنباطي ، وكان الفلسطيني الوحيد وقتها الذي وقف على مسرح دار الأوبرا المصرية باشتراكه في المسرحية  الغنائية "مهر العروسة" وهو في عمر 17 سنة ،وفي العام 1968م انتقل إلى إذاعة (صوت العاصفة) التي كانت تبث من القاهرة والتي خُصصت لتكون ناطقة باسم الثورة الفلسطينية، فالتقى هناك بالشاعرين الكبيرين محمد حسيب القاضي ،وصلاح الدين الحسيني المعروف بأبي صادق الحسيني وشكّلوا معا ما يشبه الرابطة لإنتاج الأناشيد الثورية وتلحينها ونشرها عبر أثير صوت العاصفة  التي أصبح اسمها فيما بعد بصوت فلسطين وأثمر هذا التعاون الثلاثي عن إنتاج العشرات من أناشيد وأغاني الثورة الفلسطينية .

 

وتمكن سردانه الذي كان يردد دوماً وباعتزاز مقولة  "اذا كان الفدائي يقاتل بالرصاصة فأنا أقاتل بالجملة الموسيقية " من أن يجعل المستمع حتى يومنا الحاضر يعيش أجواء المعركة بكل تفاصيلها دون أن يراها ليتخيل صوت أزير الرصاص وانفجار القنابل ،ومن هذه الأغاني ( أذن يا رصاص الثورة ، جر المدفع فدائي ، حنا ثوارك يا بلادي ، طل سلاحي  وعهد الله ما نرحل ، يا شعبنا هز البارود ، يا جماهير الأرض المحتلة ) وغيرها الكثير الكثير من الأغاني التي لا يتسع المقام هنا لذكرها ،وشكلت لونا جديداً من الفن أصبح يعرف بالفن المقاوم عقب انطلاق الثورة الفلسطينية في عام 1965م ،والتي ألهبت مشاعر الثوار ،وعموم أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية ،ومازالت الأجيال تتغنى بها جيلاً بعد جيل حتى يومنا هذا .

 

ومع كل حدث كان يصيب فلسطين كان يطل علينا بلحن جديد وكأنه يؤرخ مراحل النضال الفلسطيني عبر الحانه وأناشيده فقد لحن وغنى بصوته الشجي العذب أغنية للانتفاضة الفلسطينية الأولى سنة1987م والتي يقول مطلعها( صعد صعد يا شعبي ثورة الحجار) وهي من كلمات الشاعر صلاح الدين الحسيني .

 

وعقب مجزرة الأقصى المبارك في العام 1990م  لحن وأنشد أغنيه (آه يا أمه محمد ... مسجد الأقصى مهدد) والتي كان يبثها تلفزيون فلسطين بشكل مستمر لعدة سنوات مع أغنية (صور يا مصوراتي ... صورة لأهلي وأخواتي ) كما لحن وأنشد أغنية  (غزة  يا غزة ) الشهيرة والتي مازال يقدمها العديد من طلبة المدارس في طابور الصباح في محافظات غزة .

 

قلده الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسام الاستحقاق والتميز سنة 2011م تقديراً لدوره الوطني في حقل الإبداع الفني والثقافي ،وفي آخر لقاء له على شاشة تلفزيون فلسطين تمنى لو انه يكتب نشيد النصر قبل وفاته ،ولكن الموت غيبه في الثاني عشر من شهر أيلول سبتمبر 2016م في مستشفى فلسطين بالقاهرة بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز 76 عاماً تاركاً خلفه إرثا كبيراً  حيث دفن في مدافن السيدة نفيسة بالعاصمة المصرية القاهرة فسلام  عليك من أرض السلام.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت