- بقلم محمد يوسف حسنة.
فصل الشتاء يشتد في قطاع غزة ويتوقع أن يبلغ ذروته في ديسمبر ويناير القادمين، صورتان متناقضتان للمطر في غزة، صورة جميلة لشرفة المنزل وفنجان القهوة وفيروز التي تسابق ألحانها لحن المطر وأشعار تٌنظم في قطراته وكلمات غزل تٌسطر في رومانسية المشهد، وعلى النقيض تماماً صورة الفقراء الذين يٌصارعون البرد بأجساد ترتدي ملابس بالية ممزقة الجوانب، ويُقاتلون لوقف مداهمة الأمطار لبيوتهم عبر الأسقف المتهالكة الآيلة للسقوط أو من نوافذ الجدران شبه المغلقة بالكرتون أو النايلون.
لا يغيب عن ذهني وأثناء تنفيذنا العام الماضي لكسوة الشتاء في مدارس الأطفال بالقطاع وأثناء حضور الأطفال لاستلام حزم المساعدات كان يصطف عشرات الطلبة بأحذية مقطوعة تظهر عوار الفقر وكم العوز والحاجة في قطاع غزة.
لطالما ترافق المطر مع الخير وسقيا الخير، إلا أنه شديد على الفقراء يُهدد صحتهم وحياة أطفالهم في ظل تفاقم أزمات غزة هذا الشتاء، فمن إحكامٍ للحصار، وغياب الأفق السياسي، وعجز القيادة الفلسطينية عن تحقيق الوحدة الوطنية بالإضافة لتداعيات كورونا على الاقتصاد الفلسطيني، فاقتصاد غزة الذي يعاني الركود اشتد نزيفه وأصاب العطب عمال الدخل اليومي، فأفقدت المواطن الفلسطيني قدرته على توفير الحد الأدنى من مستلزمات الحياة الكريمة.
ويتوقع أن يٌفاقم الشتاء أزمة انقطاع التيار الكهربائي مع دخول فصل الشتاء وزيادة الأحمال الذي يعني استخداماً للبدائل غير الآمنة للكهرباء التي تُثير مخاوف متجددة من مقتل الأطفال حرقاً نتيجة استخدام الشموع، أو مقتل الكبار اختناقاً نتيجة استخدام بدائل غير آمنة للتدفئة.
أزمات واحتياجات تأتي في ظل ظرف تٌصارع المؤسسات الدولية والأممية منها لأجل توفير تمويل لبرامجها ومشاريعها وتُعاني المؤسسات من عجز كبير في التمويل أثر سلباً على خدماتها الأساسية المقدمة للمواطنين، وتقلصت الخدمات المرتبطة بتوفير فرص العمل والأمن الغذائي والصحة، فيما أثرت أزمة كورونا على المؤسسات الإنسانية التي ترتبط أعمالها بالتبرعات الفردية أو رجال الأعمال أو حملات جمع التبرعات الشعبية مما حد قدرتها على مجاراة الأوضاع الميدانية والمتلاحقة في المناطق التي تحتاج التدخل.
ازدياد في الحاجة وقلة الموارد معضلة تحتاج لحل في ظل فقرٍ ينهش الأسر الفقيرة وشتاء برده يفتك بجسد الصغار ومياه أمطاره تُحاصر مضاجع نومهم وفيروس سبب شللاً عالمياً ويضرب غزة بقوة، حيث وصل معدل الحالات اليومية المكتشفة لأكثر من 400 شخص، فيما يٌخشى أن تسبب الانفلونزا الموسمية مزيد من الأزمات.
إن المواطن الفلسطيني الذي يحاول صيانة سقف بيته المهترئ بواسطة قِطع من النايلون أو يحاول وقف اجتياح مياه الأمطار لبيته بأواني المطبخ أو ذلك العامل الذي يهرب من بيته صباحاً حتى لا يرى عيون طفله وهو يطلب منه مصروفه اليومي ويحاول أن يقلب الأرض بحثاً عن مصدر دخل، أو تلك المطلقة التي تقطعت بها السبل ولم تعد تقوى على مجابهة ظروف الحياة أو تلك الأرملة وأيتامها الذين فقدوا مصدر إعالتهم، جميعهم لا تعنيهم الخلافات السياسية واختلاف القادة ونقص التمويل، ما يعنيهم أن ينام أطفالهم في دفء وبعيداً عن شبح الموت من البرد أو شمعة تسقط في ليلة شتوية باردة معتمة أو اختناقا بدخان الحطب المُوقد للتدفئة.
وفي ظل قلة الموارد فإن تحديد التدخلات الإنسانية العاجلة متطلب، والتنسيق بين الهئيات ذات العلاقة عامل أساسي لتوجيه التبرعات في المكان الصحيح والاستفادة دون هدر أو ازدواجية أو تمييز، كما أن التشويش على المانحين في طلبات ليست ذات صلة بالأزمة أو تذهب لتفرعات الأزمة أو لمحاولة الاستفادة من الأزمة تساهم في تقليل فاعلية توجيه التبرعات.
توفير الحماية للأطفال من برد الشتاء والأمن الغذائي لهم ولعائلاتهم تكاد تحتل أولوية قصوى خصوصاً للعائلات التي تتواجد في الحجر الصحي المنزلي، كما أن توفير البدائل الآمنة للتدفئة والإنارة مهم للحفاظ على حياة الإنسان في قطاع غزة، بالإضافة لضرورة تعزيز الخدمات الصحية ورفد القطاع الصحي بما يلزمه لمواصلة خدماته في ظل اشتداد موجة انتشار كوورنا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت