أصبح عيد الشكر الأمريكي (ثانكس غيفينغ) من المناسبات الدولية التي يحتفل بها الكثيرون حول العالم. ويشهد الكثير من البلدان مظاهر الاحتفال وإعداد الأطعمة التي يشتهر بها هذا العيد، وهي وجبة الديك الرومي بالأساس.
ويأتي عيد الشكر في رابع يوم خميس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام. ويتبعه يوم "الجمعة السوداء"، الذي يشهد أحد أكبر التخفيضات التجارية على كل السلع تقريبا.
واتُخذ قرار الاحتفال بعيد الشكر في جميع الولايات الأمريكية كمناسبة قومية في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول عام 1863، من قِبل الرئيس الراحل أبراهام لينكن، أثناء الحرب الأهلية. وقرر آنذاك أن يكون الاحتفال في 26 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.
وجاء قرار لينكن استجابة للكاتبة الصحفية سارة جوزيفا هايلي، التي طالبت على مدار ثلاثين عاما بجعل عيد الشكر عيدا قوميا.
واستمر تحديد موعد الاحتفال بقرار رئاسي كل عام، حتى تم تثبيته كعيد قومي في عهد الرئيس الراحل فرانكلين روزفلت عام 1942، بعد قرار من الكونغرس عام 1941.
لكن القصة وراء عيد الشكر الأمريكي لم تكن دائما مصدر وحدة لسكان الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن له جانبا دمويا بسسب الصراعات التي سالت فيها دماء الآلاف من السكان الأصليين وسكان المستعمرات البريطانية في القرن السابع عشر الميلادي.
الاحتفال الأول
في عام 1621، أراد سكان المستعمرات البريطانية في بليموث الاحتفال بعيد الحصاد، وخرجوا لصيد الطيور لإعداد عشاء يليق بالاحتفال.
وعندما سمع السكان المحليون الصوت، وكانوا من قبيلة اسمها "وامبانواغ"، توافدوا إلى أسوار المستعمرة، وكان عددهم 90 شخصا في مقابل 50 من سكان المستعمرة.
واستقبل سكان المستعمرة وفود السكان الأصليين. وتشارك الجانبان في أول مائدة معروفة لعيد الشكر، إذ جلب السكان الأصليون لحم الغزلان، وطُهيت أصناف كثيرة من الطيور والأسماك والقشريات والخضروات.
وافترش الجمعان الأرض لعدم وجود موائد آنذاك. واستمرت الاحتفالات على مدار يومين، سُمعت فيهما طلقات النيران الاحتفالية، ونُظمت السباقات، وقُدمت أصناف متنوعة من الجعة والخمور.
واستمر هذا الاحتفال المشترك كل عام، وانتشرت عدوى الاحتفال إلى المستعمرات المجاورة في ماساتشوسيتس وغيرها من بقاع الساحل الشرقي.
وجاءت "حرب الملك فيليب" بين عامي 1675 و1676، لتضع حدا لهذا الاحتفال، إذ خاض السكان الأصليون حربا ضد المستعمرين والموالين لهم.
وحصدت هذه الحرب أرواح الآلاف من السكان الأصليين مقابل المئات من سكان المستعمرات. ويعتبرها البعض حرب إبادة عرقية للسكان الأصليين.
جدل منذ الأزل
واستمرت احتفالات سكان المستعمرات البريطانية، أو ما عُرف بـ "نيو إنغلاند"، بعيد الشكر سنويا رغم الصراعات مع السكان الأصليين. وأقام المستعمرون الصلاة لشكر الله على كل النعم، مثل حصاد المحاصيل وانتهاء فترات الجفاف، أو الانتصارات العسكرية (التي كانت بالأساس ضد السكان الأصليين، ويعتبرها البعض حروب إبادة).
وحتى يومنا هذا، يرفض البعض احتفالات عيد الشكر ويعتبرونها ذكرى للمجازر ضد السكان الأصليين.
وفي عام 1798، قرر الكونغرس الأمريكي أن يكون قرار الاحتفال متروكا لكل ولاية، بعد نشوب احتجاجات على تدخل الحكومة المركزية في شعيرة دينية.
كما أن الاحتفال بعيد الشكر لم يوافق هوى سكان النصف الجنوبي من الولايات المتحدة.
واعتُبر الإصرار على احتفال قومي لعيد الشكر بمثابة إشعال لفتيل توترات جديدة بدلا من أن يكون فرصة للوحدة والمشاركة.
وعند انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية في منتصف القرن التاسع عشر، وسيطرة الشمال على الجنوب، أصبح عيد الشكر مناسبة قومية في عموم البلاد.
ولم يغب الجانب التجاري عن احتفالات عيد الشكر، إذ أن قرار روزفلت بتثبيت موعد عيد الشكر كان بهدف زيادة فترة موسم التسوق الخاص بعيد الميلاد بحيث يبدأ مبكرا. حتى أن روزفلت في بعض السنوات قرر أن يكون عيد الشكر في الخميس الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني.
ومع الوقت، خفت العنصر الديني من احتفالات عيد الشكر ليكون أكثر شمولا للمهاجرين من جميع الديانات. وبدأت تظهر احتفالات أخرى أكثر علمانية مثل إقامة مباراة كرة قدم أمريكية بين فريقي ييل وبرنستون عام 1876.
ومع نهاية القرن التاسع عشر، أُدخلت فكرة الاستعراضات والمواكب إلى الاحتفال. كان أشهرها في فيلادلفيا عام 1920 حيث شارك 50 شخصا، وظهر شخص يرتدي زي بابا نويل في نهاية الموكب.
كما بدأ الموكب الأشهر، الذي يُقام في مدينة نيويورك، في عام 1924. واستُخدمت المناطيد والبالونات الكبرى منذ عام 1927.
مائدة عيد الشكر
ويُعد الديك الرومي المشوي المكون الأبرز في مائدة عيد الشكر. وعادة ما يتوسط المائدة، مع أصناف جانبية أخرى من اللحوم والبطاطس.
لكن هذا المكون الأبرز غاب عن السنوات الأولى من الاحتفال. فعند خروج سكان المستعمرات للصيد، كانوا يستهدفون البط والإوز البري، وغاب الديك الرومي عن المشهد آنذاك.
لكن الاختيار وقع على الديك الرومي لاحقا بعد تعميم الاحتفال بعيد الشكر في القرن التاسع عشر.
واختير الديك الرومي نظرا لحجمه الكبير الذي يكفي عشاء لعائلة كاملة. بجانب عدم الاحتياج له للتفريخ والحصول على البيض، ما جعل سعره أقل نسبيا.
وتضم مائدة عيد الشكر أنواعا أخرى من اللحوم المشوية، والبطاطس، والخضروات المشوية، والحلوى التي يدخل اليقطين في مكوناتها.
ويستمر البيت الأبيض في تقليد سنوي بجلب ديكين ليعفو عنهما الرئيس بحيث لا يُذبحا في عيد الشكر.