- بقلم/جمال أبو لاشين
يصادف الأحد 29/11 الذكرى العاشرة لرحيل المفكر والسياسي والمثقف عبدالله الحوراني (أبو منيف) عقدٌ من الزمن مر على الغياب ولا يزال حاضراً معنا بمواقفه المشرفة، وفكره المستنير، ورصيده الكبير من الاحترام والتقدير الذي تركه في قلب كل من عرفه أو نهل من علمه، وثقافته.
منذ نعومة أظفاره قاسى رحمه الله الفقدان باستشهاد أخويه في معركة بيت دراس ، لتتلاحق بعدها الصدمات بنكبة فلسطين في العام ١٩٤٨ وتركه بلدته المسمية في رحلة اللجوء التي قسمت العائلة ووزعتها ما بين اللجوء إلى قطاع غزة ، والضفة الغربية ليبدأ بعدها بفترة رحلة العودة الى قطاع غزة ليجتمع بالأهل ، تجربة من الشقاء والعذابات كان شاهداً عليها، وهو بعمر الثانية عشر، هذا الاحتكاك المباشر مع ألم الفقدان ، وتجربة اللجوء ساهمت بشكل مباشر في بلورة شخصيته ، وزرع اللبنات الأولي في تكوين أفكاره الثائرة على الصهيونية التي احتلت الأرض ، وطردت سكانها بعد أن استخدمت كل طرق القتل والإرهاب لتحقيق غايتها وفي خانيونس حيث استقرت عائلته أكمل الإعدادية ، والثانوية ، وانتسب لجامعة عين شمس ، وفي سنته الثالثة عين معلماً ثم مديراً للمدرسة وكان عمره حينها لا يتجاوز ال ٢٣ عاماً ، رغم ذلك فقد ترك بصمة واضحة بحيث لا تزال حتى اللحظة تعرف باسمه من هنا بدأ رحمه الله صقل شخصيته والتي كانت ثائرة لا تستكين هذه الثورة بداخله جعلت منه السياسي والقائد و الخطيب المفوه ، لينتسب بعدها لحزب البعث العربي الاشتراكي منتصف الخمسينات ، ويشارك بكل عنفوان في التصدي لمشروع التوطين في سيناء، ورفض العدوان الثلاثي على مصر ، وقطاع غزة .
هذا الانتماء الصادق لعمقه العربي، والقومي جعله يتقدم الصفوف ليصبح قائداً في حزب البعث، وإثر اختلاف الأخير مع الراحل جمال عبد الناصر أُبعد رحمه الله في ١٣ سبتمبر ١٩٦٣ الى دبي، ومنها إلى دمشق بسبب استمراره في عمله السياسي.
وفي دمشق عمل مديراً لإذاعة فلسطين ، ثم مديراً لهيئة الإذاعة والتلفزيون السوري ، ومديراً عاماً لمعهد الاعلام أيضاً ، ووقتها حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة العربية من جامعة دمشق في العام ١٩٦٤ ، ومن موقعه كإعلامي ومسئول شهد هزيمة العام ١٩٦٧ ، ولم يطق البقاء في منصبه بعد أن تكشفت الهزيمة واضحة، وكانت ردة فعله بالاستقالة تعبيراً عن رفضه للهزيمة، واعترافاً منه بالدور السلبي والمضلل الذي مارسه الإعلام طوال ستة ايام هي عمر الحرب ، وهو انعكاس لشخصيته وتكوينه الثقافي حيث يأبى الدفاع عن أخطاء الآخرين، أو ان يبرر لهم مواقفهم، كيف لا وهو الثائر الغزير المعرفة والثقافة ، الصادق مع نفسه ، ومع الآخرين .
التحق بعدها بمنظمة التحرير الفلسطينية كعضو في المجلس الوطني الفلسطيني عام ١٩٦٩ وفي العام ١٩٧٣ أصبح مديراً عاماً لدائرة الاعلام والتوجيه القومي ، ومن ثم عضواً في اللجنة التنفيذية خلال الفترة (١٩٨٤-١٩٩٤) واسس وترأس دائرة الثقافة التي ترك بها بصمات واضحة حيث قدم فرقة العاشقين بمساعدة الشاعر أحمد دحبور رحمه الله ، وقدم العديد من الأفلام ، والمسرحيات التي ساهمت بشكل فاعل في صيانة الهوية الوطنية الفلسطينية ، كما أنه في تلك الفترة اعاد الاعتبار للعديد من الكتاب والشعراء بتكريمهم وفتح باب دائرة الثقافة لإنتاجهم ، كما أن تلك الفترة شهدت اقترابه من رفيق دربه الراحل أبو عمار رحمه الله ، ومرافقته في العديد من الجولات ، وهذا سببه الخبرة السياسية التي يتمتع بها وعلاقاته بالدول الاشتراكية ودول عدم الانحياز وعديد من الرؤساء والملوك.
استقال رحمه الله من عضوية اللجنة التنفيذية بعد اتفاق أوسلو تعبيراً عن رفضه للاتفاق الذي تم بشكل سري ، ورغم ذلك بقى على صلته الوثيقة ، واحترامه للقيادات السياسية ، وقد عاد للوطن في العام ١٩٩٤ ليساهم كما الجميع في انشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، وقد عينه الرئيس بداية رئيساً لدائرة شئون اللاجئين وبعد جملة من الاعتراضات الاسرائيلية على نشاطاته ترك الدائرة ليؤسس بقرار من أبو عمار رحمه الله (المركز القومي للدراسات والتوثيق ) وبإمكانيات بسيطة ومتواضعة تمكن أن يترك بصمة واضحة في الثقافة الفلسطينية ومان بجد تعبير عن المثقف الشامل صاحب التجربة الطويلة والخبرة السياسية ، وهو الذى أكد على الدوام على هامش التحرك الواسع من المثقف امام السياسي الذى تحكمه الاتفاقيات والمناورات فتوزعت اهتماماته في عدة جوانب، ومناحي وأعطى لكل منها اهتمام كبير وعميق وقسم مسيرة عطائه بينها ليثبت للجميع قدرته وحيويته، وايمانه الصادق فكان موضوع اللاجئين شغله الشاغل بحيث جعل من المركز مرجع لكل من يريد التزود بمعلومات حول هذه القضية الهامة ، وعقد العديد من الندوات ، والمؤتمرات ، وورش العمل عن اللاجئين ، وحق العودة ، واسس التجمع الشعبي للدفاع عن حق العودة الذي نشط حتى وفاته في قضايا اللاجئين .
ثم شغل نفسه بمنظمة التحرير الفلسطينية التي هو جزء منها والتي دافع بكل قوته عن وحدانيتها فرغم استقالته من عضوية لجنتها التنفيذية إلا أنه بقي حتى وفاته عضواً للمجلسين الوطني، والمركزي ورئيساً للدائرة السياسية في المجلس الوطني الفلسطيني، فكان إصلاح المنظمة وتفعيلها على رأس اهتماماته، وعقد الكثير من الندوات، والمؤتمرات وكتب رسائل عدة يقدم فيها جل تجربته لكيفية تفعيلها بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
كما صب اهتمامه على البعد القومي ، وكان يرى في القضية الفلسطينية بعداً قومياً يجعل الأمة شريكاً في النضال ضد الاحتلال الاسرائيلي لذلك آلمه ما حدث في العراق ، ووقف مدافعاً عن العراق ووحدة أراضيه أمام الغزو الثلاثيني الذي تزعمته الولايات المتحدة ، وشكل جبهة فلسطينية لنصرة العراق ، ورغم صعوبة الظرف السياسي وحساسية الموقف من العراق إلا أن أبو منيف رحمه لم يفقد بوصلته القومية، و لم يتوانى عن التعبير عن نصرته لشعب العراق ، ولصدام حسين الذي ربطته به علاقة شخصية وقد أقام خيمة إعتصام في ساحة الجندي المجهول بمدينة غزة استمرت طوال فترة الهجوم الامريكي على العراق تعبيراً عن شجبه واستنكاره لما يحدث في العراق الشقيق، وبيت عزاء للراحل صدام حسين.
كما انه انشغل بالوحدة الوطنية، وتحقيق المصالحة وكان له دور وحدوي، ونتيجة تقدير الجميع له ترأس لجنة منظمة التحرير الفلسطينية إحدى اللجان الخمس المتفق عليها في مفاوضات القاهرة عام ٢٠٠٩ وبذل كل ما يستطيع من جهد حتى بعد أن هاجمه المرض، فكان في عز مرضه، ومعاناته يحاول مع كل الأطراف، ويذلل العقبات، ويعيد الصياغات اللغوية بما يملكه من حصيلة لغوية غنية حتى تصل الأطراف الى المصالحة وكان أكثر ما يؤلمه هو أن أحد الأطراف لم يكن مفاوضوه أصحاب قرار، ويراجعون في كل صغيرة، وكبيرة.
والاهتمام الأخير الذي صب كل طاقته عليه رغم اشتداد مرضه وقد يكون الغالبية لا يعرفون عن ذلك، هو قضية الأسرى، واستغلاله لعلاقاته، ومعارفه المتشعبة، لجمع بعض أموال الكانتينا لهم، الا ان الموت عاجله وهو في قمة عطائه، وقد توفي في الأردن بتاريخ 29|11|2010 وللمصادفة التاريخية أنه نفس تاريخ قرار التقسيم لفلسطين ويوم المؤرخ 29/11/1947 وكأن الله أراد أن تبقى ذكراه شاهداً على جريمة العصر الصهيونية لقد رحل وترك ارثاً من الكتب السياسية وهى:
* ثورة اكتوبر والقضية الفلسطينية.
*التحالف الغربي الصهيوني والأمة العربية.
* التطبيع الثقافي وأثره في الصراع العربي الصهيوني.
* اللاجئون الفلسطينيون ـ قضية وموقف.
* فلسطين في حياة جمال عبد الناصر.
* لماذا نكتب ؟ ولمن؟ .. رؤية للوضع الفلسطيني.
* لماذا نكتب ؟ ولمن؟ .. رؤية للوضع العراقي. .
* لماذا نكتب ؟ ولمن؟ .. رؤية للوضع العربي.
*فلسطين في حياة صدام حسين. وهو الكتاب الذى كتبه في قمة مرضه وتوفى دون أن يراه.
وقد كرمه سيادة الرئيس أبو مازن بتقليده وسام نجمة الشرف من الدرجة العليا في الذكرى الاولى لرحيله نوفمبر 2011 تسلمته رفيقة دربه وشريكة عمره السيدة الفاضلة أم منيف، وفى العام 2012 سمى المركز القومي باسمه تقديراً له ولمسيرته الحافلة ...
رحمك الله أبا منيف، وأسكنك فسيح جناته. ملاحظة / نتقدم بشديد الاعتذار لكل اصدقاء ومحبي ومريدي القائد الوطني والقومي الكبير أبو منيف لعدم تمكنا من الاحتفاء بذكراه العاشرة بسبب ازدياد وتفشي الوباء اللعين (الكورونا) ، ونعدكم حال انحسار الوباء أن نقيم ندوة فكرية على شرف ذكراه العطرة ، و أن نواصل على دربه مستنيرين بمبادئه ، وأفكاره ، ومواقفه. .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت