- بقلم : المستشار جبريل عوده
قرار الأمم المتحدة رقم "181" الذي ينص على تقسيم فلسطين الصادر بتاريخ ( 29-11-1947م ) منح اليهود وثيقة أممية تضاف إلى "وعد بلفور" تم الأستناد إليها في قرار إعلان قيام "إسرائيل" , على الجزء الأكبر من فلسطين , حيث شكل قرار التقسيم وثيقة قضائية إعتمد عليها ديفيد بن غوريون في إعلان دولة "إسرائيل" , هذا القرار شكل جريمة إرتكبتها المؤسسة الأممية , التي تسيطر على قراراتها رغبات وأطماع الدول الإستعمارية , إستهدف القرار"181" تمزيق فلسطين وإقتطاع جزءا غالياً منها, لصالح العصابات الصهيونية القادمة من أصقاع العالم , من أجل إقامة دولة لهم , على حساب حقوق شعبنا الفلسطيني وتطلعات بالحرية والإستقلال .
الظلم التاريخي والتآمر الأممي على فلسطين, شكل وصمة عار للأمم المتحدة , فجريمتها بقرار التقسيم "181" تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة , الذي ينص على حق الشعوب في الإستقلال ومقاومة الإحتلال الخارجي , فلا يحق لــ (33) عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن يقرروا مصير شعب عريق متجذر في أرضه , ويحكمون بتقسيم وطنه فلسطين, ليغرسوا بأيديهم فتيل التفجير في الإقليم والعالم على مدار عقود ولازال , بما يتناقض مع مبادئ إرساء الأمن والإستقرار العالمي التي تنادي به المؤسسة الدولية.
بعد ثلاثين عاماً من قرار تقسيم فلسطين , أصدرت الأمم المتحدة قراراها رقم ( 32/40 ) المؤرخ 2 كانون الأول/ديسمبر 1977, وينص على إحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني وحددت تاريخ (29-11) من كل عام يوماً لإحياء مناسبة التضامن مع الشعب الفلسطيني والتأكيد على حقوقه في الحرية والإستقلال وتقرير المصير , ما هذا التناقض المفضوح ؟ , التي تمارسه الأمم المتحدة , فهي كالذي قام بضرب شخص ضرباً مبرحاً وقطع منه الأيدي والأرجل , وبعد ذلك تطلب من الناس التضامن معه في مصيبته !!.
هل إقرار الأمم المتحدة بإعلان يوماً للتضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني , في ذات التاريخ الذي صدر فيه قرار التقسيم يشكل إعلان للندم على خطيئة التقسيم الظالم ؟, بكل تأكيد لا , ولكن الوضع الكارثي والمأساوي للشعب الفلسطيني وقضيته , جعلها في امس الحاجة لتجميل موقفها المشين والظالم في قرار التقسيم الجائر.
التضامن مع الشعب الفلسطيني يكون عبر التأكيد على حقه التاريخي في فلسطين كاملة من بحرها إلى نهرها , والتأكيد على شرعية مقاومته للإحتلال وإسناد ثورته في إزالة الإحتلال وكنس أثاره عن فلسطين , التضامن يكون عبر الإلتزام بالعمل على عودة اللاجئين وتنفي حق العودة إلى الديار الفلسطينية التي هجرنا منها بفعل الإرهاب الصهيوني , التضامن يكون عبر إدانة الإحتلال ووقف إقامة العلاقات الدبلوماسية وطرد سفراء الإحتلال وإعلان المقاطعة الشاملة لهذا الإحتلال العنصري الإحلالي الذي يقف بعنجهية وصلف متحدياً كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية .
هل يقوى العالم في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني , أن يعلن هذه المواقف الصريحة في دعم القضية الفلسطينية ومواجهة الإحتلال الغاشم ؟ !, تغييرات كبرى وإنتكاسات فظيعة في الموقف العربي الرسمي , الذي يهرول للتطبيع مع كيان الإحتلال والإعتراف به , وتبادل السفارات وإقامة العلاقات الطبيعية مع كيان الإجرام والإحتلال , بكل تأكيد سيكون له الأثر السلبي على حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته على المستوى العالمي .
في ظل الهيمنة الأمريكية وإرتهان الأمم المتحدة لسياسات الدول الإستعمارية الكبرى , لن يكون هناك أي فعل حقيقي ومؤثر في أروقة الأمم المتحدة يصب في صالح القضية الفلسطينية , الرهان على تعزيز تضامن شعوب العالم عبر تعزيز الرواية الفلسطينية الصادقة والتي ستهزم كل روايات الزيف الصهيوني , والحرص على التواصل الشعبي والرسمي مع شعوب أمتنا العربية والإسلامية , وبلورة الموقف الإستراتيجي للأمة في مواجهة موجة التطبيع الآثمة والمرفوضة شعبياً , لتجديد تأكيد شعوب الامة على رفضها المطلق لإحتلال فلسطين , وإلتزامها المبدئي بالسعي لتحريرفلسطين وتطهير مقدساتها , فلا تزال فلسطين قضية الأمة المركزية راسخة كشجرة باسقة , رغم أنف معاول المطبعين وإعلامهم الزائف .
في ذكرى تقسيم فلسطين , وفي يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني , لن نصنع الفارق لصالح قضيتنا العادلة إلا بوحدتنا وعزم رجالنا المخلصين في ميادين المواجهة ضد الإحتلال وإفشال مخططاته الإجرامية , فلا رهان على إدارة أمريكية جديدة , ولا إتكال على النظام العربي المرتهن للخارج , فالإعتماد على الشعب الفلسطيني عبر إستنهاض طاقاته في الداخل والخارج , وإعادة بناء مؤسساته الثورية على قاعدة المشروع الوطني التحرري , بلا تفريط أو تنازل عن حقوق شعبنا وثوابته , لنمضي سوياً في معركة التحرير التي ترسم الطريق الوحدة والعودة .
كاتب وباحث فلسطيني 28-11-2020
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت