- بقلم عدنان الصباح
ينشغل العالم بمحاولة إلزام مكوناته البشرية بشروط الحماية من فيروس كورونا ومع ذلك فان أحدا لا يدري كيف يصل إلى النتيجة المطلوبة بحماية البشر من هذا الفيروس المجهول الهوية وتسعى مراكز الأبحاث في العالم المتقدم بكل ما أوتيت من قوة للحصول على معلومات قد تساعد في التوصل الى حلول لهذا الوباء الذي يجتاح العالم جميعا في خضم الانشغال البشري بهذا الموضوع بحثا وتقصيا وتدقيقا لم يجد العرب مشاركة حقيقية إلا ببعض الأوهام والخرافات والخزعبلات والأكثر وعيا التزم بما يتوصل إليه الغرب من أبحاث ونتائج علمية حقيقية وأدار ظهره للخزعبلات التي انهزمت كليا أمام الحقائق على الأرض بما يخص الوباء الذي وجدناه يتجول بيننا جميعا ولم تنفع كل الخرافات في إلغاء حقيقته أيا كانت المصالح الاقتصادية والسياسية من شكل إدارة الأمر والتعاطي مع هذا الوباء.
وحدهم العرب دون غيرهم من يصرون على الإبقاء على وبائهم الخاص علما أنهم يرون بعيونهم وبحواسهم حال الأمم التي شفيت من وباء الجهل والتخلف الذي لا يفرز سوى التدمير الذاتي للذات وبالذات عبر أدوات ومصالح الآخرين فأمة في القرن الواحد والعشرين وعصر الثورة الرقمية وتجلياتها لا زالت تسخر ثرواتها لصالح أعدائها لتقضي على ذاتها فوحدهم العرب من يدفعون المال لأعدائهم لشراء أسلحة يقتلون بها ذواتهم في سوريا وليبيا واليمن والعراق والصومال.
يكفي أن ننقل عن محمود محيي الدين نائب رئيس البنك الدولي في تصريح لوكالة الأناضول التركية في مطلع عام 2019ما قاله بالضبط " إن تكلفة الدمار وفرص النمو الضائعة في الدول العربية التي شهدت حروبا بين عامي 2010 و2018، بلغت 900 مليار دولار " معتبرا هذا الرقم شديد التحفظ وحسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة – الفاو – في العام 2019 فان حوالي 40 مليون مواطن عربي يعانون من سوء التغذية وأكثر من 100 مليون يعيشون تحت خط الفقر وفي العراق يعيش 60% من الشعب تحت خط الفقر وبلغت نسبة البطالة 50% علما أن العراق من أغنى بلدان العالم بينما يعيش 90% من المواطنين في قطاع غزة تحت خط الفقر وهم جميعا تقريبا يعيشون على المساعدات الشحيحة التي تأتي من الخارج كما أن نسبة الأمية رغم تناقص الأعداد إلا أنها لا زالت تحافظ على حالها من حيث النسبة وتشير بعض الإحصائيات إلى أن نسبة الأمية بين الذكور 25% وبين الإناث 45% مما يشير إلى حالة التخلف الخطيرة ووباء الجهل المستشري في الوطن العربي وهو ما يفسر الحال المزري الذي نعيش من قتل وتدمير وتحطيم للذات بلا هدف حقيقي سوى إثراء الأعداء وتمكينهم منا أكثر فأكثر.
ما ذكره نائب رئيس البنك الدولي من حجم خسائر العرب المالية بين عامي 2010 و2018 يكفي لجعل الوطن العربي من أرقى وأكثر دول العالم رقيا وحضارة وتقدما وهذا الرقم بالمناسبة لم يشمل بذلك ما دفعته الدول العربية ثمنا للتسليح والإنفاق العسكري فقد أشارت مجلة فوريس الأمريكية المتخصصة إلى أن السعودية فقط أنفقت في الستة شهور الأولى لحربها على اليمن 725 مليار دولار وهذا لا يشمل خسائرها الاقتصادية نتيجة الحرب ويتحدد في الإنفاق العسكري والمساعدات للدول المشاركة معها في الحرب.
إن امة يجوع أبنائها ويستشري الجهل والفقر والجوع والمرض بينهم وهي تنفق المليارات لشراء مزيد من الموت والخسائر والدمار بدل أن تدفع لشراء الخبز والدواء والتعليم ألا يجدر بها أن تتوقف قليلا أمام سؤال محير وعجيب وهو أي عقل هذا الذي يدفع ماله لشراء خرابه والبديهية الأبسط لدى أي عقل حتى ولو كان جنينيا تقول أن من يملك الثروة يستخدمها لرفاهيته لا لدماره, إلا العقل العربي وبذا ألا يستحق مثل هذا العقل إيقاع الحجر عليه قبل إيقاع الحجر على الأجساد خشية وباء كورونا فأوبئة الغباء والفساد والسلطة المطلقة اخطر وأكثر فتكا بمن يصاب به من أي وباء آخر فحماية الجسد من وباء متأتي من الطبيعة لا يجدي مع الإبقاء على وباء متأتي من الذات فلا يجدي معه اكتشاف لقاح كيماوي ولا شفاء منه بلقاحات صناعية فما نحتاجه هو بناء عقل نقدي مدرك قادر على إدراك مصالح ناسه وحمايتهم بدل الاتجار بهم لصالح غيره.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت