في ظلال اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة ...

بقلم: تأييد زهير الدبعي

تأييد زهير الدبعي
  • بقلم : تأييد زهير الدبعي

اعتمدت الأمم المتحدة الثالث من شهر كانون الأول من كل عام كيوم عالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، تم اعتماد هذا التاريخ من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1992 بموجب القرار رقم 3\47.

وجاء في نص القرار :" إن الجمعية العامة إذ تضع في اعتبارها إن عقد الأمم المتحدة للمعوقين كان فترة لنشر الوعي واتخاذ تدابير عملية المنحى ترمي إلى استمرار تحسين حالة الأشخاص المصابين بحالات عجز وإتاحة الفرص لهم على قدم المساواة مع غيرهم...".   

أرادت الأمم المتحدة من تخصيص يوم عالمي يحتفل به العالم كل عام للأشخاص ذوي الإعاقة تسليط الضوء على قضية الإعاقة في العالم وحث الدول على اتخاذ تدابير جدية لتعزيز حقوق هؤلاء الأشخاص وإذكاء الوعي بحالة الأشخاص ذوي الإعاقة للوصول لرفاههم وتمتعهم بجميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية على قدم المساواة مع أي إنسان.

واليوم بعد ثمانية وعشرين عاما من اعتماد هذا اليوم العالمي، لا زال الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم وفي بلدي فلسطين يتعرضون للتهميش والإقصاء، ولا زالت التدابير المتخذة ضعيفة وغير كافية.

إلى يومنا هذا وبحكم عملي في وزارة التنمية الاجتماعية في قسم الأشخاص ذوي الإعاقة يمر علينا بشكل شبه يومي أشخاصا من ذوي الإعاقة لا يملكون بطاقة هوية رغم بلوغهم الأربعينيات أو الخمسينيات من العمر، وعند سؤال عائلاتهم عن سبب عدم وجود هوية يقولون:" ما هو معاق، شو بده بالهوية؟!!!".

إلى يومنا هذا في العام 2020، لا زالت شريحة ليست قليلة من أبناء مجتمعنا يعتبرون الشخص ذوو الإعاقة عبئا وعارا ويدعون الله " ليختار له الأفضل" والأفضل له من منظورهم هو الموت.

وتزداد هذه النظرة الدونية للأشخاص ذوي الإعاقة وتصبح أكثر حدة وقسوة  في حال كان هذا الشخص أنثى، فهي أنثى ومن ذوي الإعاقة، فتكون فرصة تعرضها للتهميش وسوء المعاملة بكافة أشكالها أضعاف غيرها من الإناث كونها من ذوي الإعاقة وأضعاف غيرها من ذوي الإعاقة كونها أنثى. إن ثنائية " الأنوثة والإعاقة"،  لهي من أصعب ما يمكن أن يواجه به شخص هذا العالم.

وجعلت جائحة COVID-19، أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة أكثر صعوبة وعمقت التفاوت بينهم وبين غيرهم،  بل كانوا من أكثر الفئات تضررا وسجلوا نسب وفيات بسبب هذا المرض أكثر من غيرهم من الفئات.

تقدم وزارة التنمية الاجتماعية رزمة من الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة في باعتبارها مظلة قطاع الحماية الاجتماعية في فلسطين وراعية هذا القطاع الذي يعتبر من أكثر القطاعات تعرضا للفقر والإقصاء.

لكن لا يجب أن يفهم من ذلك أن وزارة التنمية الاجتماعية هي المسؤول الوحيد عن تقديم الخدمات والرعاية لهؤلاء الأشخاص، فعملية تقديم الخدمات لهؤلاء الأشخاص تمهيدا لإدماجهم في مجتمعهم وصولا لتحقيق التنمية الشاملة وجعلهم جزءا منتجا وفاعلا ليس مسؤولية وزارة التنمة الاجتماعية وحدها، بل هي مسؤولية الدولة بكالمها وكافة قطاعاتها بما في ذلك المجتمع المدني، لأن عملية إدماج وطنية حقيقية يجب أن تتصل بجميع الحقول الاجتماعية والاقتصادية والصحية والسياسية والقانونية، ولا تختزل في قطاع الحماية الاجتماعية وحده.

ورغم كم الخدمات الكبير الذي تقدمه الوزارة، لكنه لا زال لا يغطي سوى جزء يسير جدا من الاحتياجات  لهؤلاء الأشخاص.

فمثلا حق ذوي الإعاقة في الحصول على خدمة الإعفاء الجمركي، اختزلته اللائحة لتنفيذية رقم (8) لسنة 2006، بأن جعلت حق الحصول على إعفاء جمركي مقصور فقط على المصابين بعجز دائم في الأطراف السفلية، وهذا يعد مخالفة للقانون الذي وضعت اللائحة لتنفيذه وهو قانون رقم (4) لعام 1999 بشأن حقوق ذوي الاعاقة حيث لم يقصر القانون حق الحصول على إعفاء جمركي على المصابين بعجز بالأطراف السفلية بل لجميع أنواع الإعاقات الحركية وغيرها.

إن التعذر بقصر حق الإعفاء الجمركي على المصابين بإعاقة في الأطراف السفلية فقط بحجة أن فلسطين دولة فقيرة لا تملك الإمكانيتات المادية لمنح جميع ذوي الإعاقة حقهم في الحصول على الإعفاء، ليس منطقيا وليس مقبولا لأن الإنفاق على هؤلاء الأشخاص لا يمكن اعتباره "خسارة" للأموال العامة بل هو استثمار في هذه الشريحة الهامة من المواطنين للوصول لعملية إدماج حقيقي تكون رافدا لعملية التنمية المجتمعية الشاملة. هذا بالإضافة للمخالفة القانونية الصريحة لمبدأ تدرج التشريعات، حيث لا يجوز للتشريع الأدنى وهو اللائحة التنفيذبية أن تخالف أو تعدل أو تقيد التشريع الأعلى الذي وضعت تنفيذا له، مما يترتب عليه بطلان اللائحة التنفيذية.

بالإضافة إلى كون دول أخرى تعد دولا فقيرة مثل الأردن تمنح جميع الأشخاص من ذوي الإعاقة حق الحصول على إعفاء جمركي دون تقييد ذلك بنوع معين من الإعاقات حتى أنها تمنح المصابين بطيف التوحد إعفاءا جمركيا.

إن تقديم اتخاذ التدابير اللازمة لضمان تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بحقوقهم لا زال يعتمد على وجود مشاريع أو وجود تمويل مؤقت، وبذلك تبقى الخدمات متأرجحة ومتعلقة على وجود التمويل أو استمرار المشروع أو انتهائه.

تقاس قوة المجتمعات وتقدمها بمدى ما تقدمه للفئات الأكثر ضعفا وتهميشا، ويعد الأشخاص ذوو الإعاقة من أكثر الفئات تعرضا للفقر والتهميش،  ولأن اشتمال منظور ذوي الإعاقة في خطط وبرامج أي دولة في العالم يعد شرطا أساسيا لدعم حقوق الإنسان ولتحقيق التنمية المستادمة بل ولدعم وإحلال السلام والأمن.

إن اتخاذ تدابير جدية وفعالة لحماية هؤلاء الأشخاص وضمان إدماجهم في مجتمعنا الفلسطيني ليس مجرد رفاهية بل هو حق لهم وواجب على الدولة ليس من باب قيامها بواجباتها اتجاه هذه الفئة من مواطنيها وحسب، بل من باب إمعانها وجديتها في تحقيق التنمية الشاملة وبناء الدولة وإدماج كل مواطنيها في عملية البناء والتحرير التي لا يمكن أن تتحقق إلا بمشاركة جميع الفلسطينيين دون استثناء. إن إعمال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ليس مسألة عدالة وحسب، إنما يمثل استثمارا في الحاضر والمستقبل، الذي سيكون مزدهرا إذا ما عملنا وكان لدينا النية والجدية لجعله كذلك.

إلى كل الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم وفي فلسطين كل عام وأنتم الأقوى والأكمل، وكل عام وأنتم جزء أصيل من هذا المجتمع الذي سيصل إلى الحرية بكم ومعكم، كل عام وأنتم بخير.

 

رئيس القسم الدمج والاعاقة مديرية تنمية رام الله

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت