أصدر مركز مدى الكرمل- المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة، العدد الثامن والثلاثين من مجلّة جدل بعنوان "السياسة في زمن الكورونا". يأتي هذا العدد ضمن جهد بحثيّ وأكاديميّ ضخم عمل عليه مدى الكرمل طوال العام الحالي لمناقشة تَبعات أزمة كورونا على الحياة الاجتماعيّة، السياسيّة، الاقتصاديّة والصحيّة للفلسطينيّين في الداخل، فضلا عن تداعياتها على السياسات الإسرائيليّة. وكان المركز قد أطلق خلال العام الحالي سلسلة محاضرات مُتلفزة تحمل نفس العنوان، وعدّة أوراق تقدير موقف صادرة عن وحدة السياسات في مدى الكرمل تناقش ذات الموضوع.
وقد أشار المحرّران، د. مهنّد مصطفى وَد. عرين هوّاري أنّ جائحة كورونا نجحتْ في إعادة سوسيولوجيا الأوبئة إلى السطح المعرفيّ، "إذ تكشف الأوبئة العابرة للحدود عن طبقة أخرى من ماهيّات البُنى السياسيّة والاجتماعيّة والصحّيّة في المجتمعات والدول، وكذلك تُعيد التفكير فيها، وفي قوّتها وضعفها وهشاشتها أو حتّى جدواها". ومما لا شكّ فيه أنّ جائحة كورونا أسهمت، وفي ذات الوقت كشفت عن الكثير من التداعيات على المجتمع الفلسطينيّ؛ كما كتبَ المحرّران، موضّحان: "بداية، كشفت الجائحة عن التمييز في النظام الصحّيّ الإسرائيليّ، وعن ديناميكيّة هذا النظام وارتباطه بالبنية السياسيّة الاستعماريّة الراهنة ودَور الفلسطينيّين فيه، سواء أكانوا مهنيين أم مستهلكي خدمات. أضافة إلى ذلك، الجائحة أزالت الغبار عن طبقة أخرى من الاستغلال الاقتصاديّ في النظام الاستعماريّ، ومآزق النظام الرأسماليّ والنيو-ليبراليّة، غير أنّها زادت من تأزّم ظواهر اجتماعيّة، مثل العنف ضدّ النساء، ولا سيّما العربيّات، ومعاناة النساء في ظلّ هذه الجائحة، وهشاشة جهاز التعليم العربيّ ولا سيّما في النقب، وفي الوقت نفسه حملت الكثير من التأمّلات في حياتنا اليوميّة ومن الدروس المستفادة، نتيجة التغيّرات التي طرأت على روتين سلوكنا اليوميّ من جرّاء الحجر الصحّيّ، والإغلاق ومنع التجوال، وتقييد حرّيّة الحركة والتنقّل وغيرها".
شمل العدد على ثلاثة أبواب رئيسيّة: الأوّل مقاربات نظريّة؛ الثانيّ، الكورونا والفلسطينيّون في إسرائيل؛ والثالث، الكورونا في السياق الفلسطينيّ العام- بين الوطنيّ واليوميّ؛ ومقالات إضافيّة. في الباب الأوّل ساهم الباحث منصور أبو كريِّم بمقال، عنوانه: "تساؤلات مستقبل دور الدولة والاقتصاد الحرّ في ضوء جائحة كورونا". كما وساهم الباحث محمّد قعدان بالمقال الآخر والمعنوَن: "الرأسماليّة، المجتمع، والتاريخ: ملاحظات في فهمِ الوباء". وفي الباب الثاني من العدد شارك الباحث أسامة طنّوس بمقال، عنوانه: "الأطباء العرب في إسرائيل- رؤية من الداخل". كذلك، قام الباحث إبراهيم أبو عجاج بالمشاركة بمقال بعنوان: "جائحة كورونا وانعكاساتها على جهاز التربية والتعليم في النقب: تحدّيات وتطلُّعات مستقبليّة". فيما كان المقال الأخير من كتابة الباحثة منال شبلي، بعنوان: "نحوَ استراتيجيّات ملائمة لعلاج ظاهرة العنف الجندريّ في ظلّ جائحة الكورونا".
تضمّن الباب الثالث مقالًا بعنوان: " تمثّلات البنية الاستغلاليّة الاستعماريّة الإسرائيليّة للعمّال الفلسطينيّين خلال جائحة كورونا" للباحث أحمد عزّ الدين أسعد؛ ومقالًا آخر بعنوان: "الضغوط الحياتيّة النفسيّة_الاجتماعيّة والاقتصاديّة لدى المرأة الحامل، في داخل السياق الثقافيّ الفلسطينيّ، في ظلّ أزمة كورونا" للباحثين غادة جمهور حلواني ومهدي حلواني. المقال الأخير في هذا الباب للباحثة زينة أبو زرقة، جاء تحت عنوان: "فلسطين في ظلّ الكورونا بين اليوميّ والقوميّ: تأمّلات شخصيّة". في القسم الأخير من العدد نُشر مقالًا إضافيًّا للد. مهنّد مصطفى، المدير العام لمدى الكرمل، بعنوان "من وحي الانتفاضة عام 2000 وما بعدها".
بالإضافة إلى الأبحاث الهامّة التي ساهمت في الحقل المعرفيّ والفكريّ حول تداعيات أزمة كورونا، يمثّل هذا العدد من المجلّة الفكريّة والثقافيّة "جدل" منصّة بحثيّة قَيِّمَة للجيل الجديد من الباحثين الشباب والباحثات الشابّات لنشر أبحاثهم/ن ودعمهم/ن في مسيرتهم/ن العلميّة. كما ويعتزم مركز مدى الكرمل على متابعة سيرورة تسليط الضوء على السياسات في زمن الكورونا من خلال مؤتمره السنويّ القادم لعام 2021 الذي سيُعقد في الثلاثين من أيّار القادم.