- بقلم : المستشار جبريل عوده
ثلاثة وثلاثين عاماً على إنتفاضة الحجارة , ملحمة شعبية , وسردية للبطولة المنغرسة بالروح الفلسطينية, ثلاثة وثلاثين عاماً على خيار الشعب بالمواجهة ولو قل النصير وشحت الإمكانيات ,فلتكن أسلحتنا الحجارة , فالحر لا يعجز الوسيلة , مقاومتنا خيار البقاء والصمود, وإنتفاضتنا سبيل الخلاص من الإحتلال الغاشم , إنتفاضة الحجارة بتاريخ (8-12-1987م) محطة تاريخية فارقة لشعب يبحث عن حريته ويطلب إستقلاله الوطني , قدم من خلالها الأرواح الغالية وقاوم الكف المخرز, وإنتصرت الكف الدامية رغم القمع والإجرام الصهيوني , وقف الهالكان رابين وشامير عاجزان أمام إرادة الحياة الحرة التي يمتلكها الفلسطيني , كسروا العظام وسجنوا الأبدان , وبقيت روح الإنتفاضة أقوى من كل أساليب القمع الوحشي , فإنتقلت روح المقاومة بعنفوانها وزخمها الثوري من مخيم جباليا لتمتد إلى مخيمات الصمود في بلاطة والعروب والفارعة وجنين , توحدت صفوف الفدائيين تحت راية الوطن , وتجمعت الحشود بنداء الثورة .
بعد ثلاثة وثلاثين عاما نستذكر ما حققته إنتفاضة الحجارة من أهداف وطنية سامية وما رسخته من مفاهيم ثورية باقية ,وكيف أن إنتفاضة الحجارة أفشلت مخططات الإحتلال وأفضت مضاجع قادته وبددت وهمه بإنهاء وطمس الهوية الوطنية والقضية الفلسطينية . بعد خروج الثورة الفلسطينية من لبنان, إعتقد الإحتلال بأن البنادق الفلسطينية قد تراجعت عن حدود فلسطين إلى الأبد, وأن الامر قد إستتب للإحتلال وسياساته التهويدية ومخططاته العدوانية التي تستهدف طمس الهوية الفلسطينية عبر مشاريع الأسرلة والتدجين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية , تحت وقع حالة الهزيمة والتواطؤ والخذلان التي تعيشه قضية فلسطين , فكانت إنتفاضة الحجارة صفعة لقادة الإحتلال فكان أول حجر قذفه طفل فلسطيني في وجه آليات الإحتلال في أزقة غزة وشوارع الضفة بمثابة مسمار في نعش مؤامرة طمس القضية الفلسطينية وتذويبها في مستنقع النسيان ووديان الضياع .
عززت إنتفاضة الحجارة وحدة الشعب الفلسطيني وزاد من اللحمة الوطنية والتكاتف الملحمي بين أبناء شعبنا الفلسطينية في فلسطين المحتلة ( قطاع غزة , الضفة الغربية ,فلسطين48), فجتمع الوطن, بكماله الجغرافي رغم حواجز الإحتلال , عبر الشعور الوطني الموحد مؤكدين على الإجماع الفلسطيني حول الإنتفاضة , ليكون الخيار الوطني هو المواجهة والصمود, زادت إنتفاضة الحجارة من منسوب الإنتماء للوطن المرتفع أصلاً في نفوس الفلسطينيين, وتسابق الشباب لميادين التضحية والفداء دفاعا عن الوطن وقضيته , وسقط الخوف من قاموس أبناء الشعب الفلسطيني , فخرج الطفل الفلسطيني حافي القدمين يواجه بحجرٍ في كفه الصغيرة أقوى ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط , ويوجه لها الصفعة تلو الصفعة على مرأى وسائل الإعلام العالمية , لتسرد بطولات أطفال فلسطين حكاية شعب , يسعى نحو حريته والإنعتاق من الإحتلال. أبدع شعبنا في مواجهة الإحتلال خلال إنتفاضة الحجارة فاستخدم العصيان المدني , في مواجهة إدارة الإحتلال الصهيونية , عبر مقاطعة البضائع الصهيونية , والتوقف عن العمل داخل الخط الأخضر , كما توقف أبناء شعبنا عن دفع الضرائب الباهظة التي كانت تحصلها قوات الإحتلال بالقوة .
تطورت مقاومة شعبنا خلال إنتفاضة الحجارة عبر إبتكار أساليب المقاومة وتطويرها بشكل مستمر, فكانت المواجهات الشعبية اليومية والعمليات الفدائية الفردية , وتطورت إلى تشكيل خلايا عسكرية وعمليات أكثر إتقاناً في إستهداف الجنود والمستوطنين بكمائن إطلاق النار , حتى شكلت إنتفاضة الحجارة الكابوس المرعب الذي يجثم على صدر قادة الإحتلال , أمام فشلهم الذريع في قمع وإخماد إنتفاضة الحجارة , رغم إستخدامهم كافة أساليب القمع والقتل والإستهداف المباشر للكل الفلسطيني عبر سياساته العدوانية تكشف عن روح شيطانية تسيطر على قادة الصهاينة.
ربحت إنتفاضة الحجارة المعركة على الصعيد الدولي , وإستطاعت هزيمة الرواية الصهيونية , وأكدت على الحق الفلسطيني وشرعية ثورة شعبنا في الوصول إلى الحرية والإستقلال , كشفت إنتفاضة الحجارة العقلية الصهيونية الإرهابية التي تقمع المدنيين بالرصاص الحي وتزج بالألاف في المعتقلات عبر سياسية الإعتقال العشوائي وتنفذ سياسات الإبعاد والتصفية الجسدية ضد أبناء الشعب الفلسطيني , فلقد خصمت إنتفاضة الحجارة من الرصيد الصهيوني في الغرب والعالم , وكشفت عورته بالإدعاء المزيف بأنه الديمقراطية الوحيدة في وسط غابات القمع العربي.
التآمر على إنتفاضة الحجارة , التي لو كُتب لها الإستمرار لاستطاعت تحقيق أهداف شعبنا ولو بالحد الأدنى تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وهي الأراضي التي تشكل ميدان إنتفاضة الحجارة المباشر , إجهاض إنتفاضة الحجارة والتآمر عليها كان عبر الدخول لنفق التسوية والمفاوضات مع الكيان الصهيوني وتسجيل الإعتراف به مقابل حكم إداري ذاتي في (غزة وأريحا) فيما عرف بإتفاقية أوسلو , التي شكلت طعنة في خاصرة الحق الفلسطيني , وتراجعاً عن الأهداف الوطنية لثورة شعبنا الفلسطيني .
خلاصة الذكرى تقول لنا بأن وحدتنا تزداد تماسكاً وصلابة في ميادين المواجهة والدفاع عن الحقوق الوطنية, وأننا نكون أقرب لتحقيق أهداف شعبنا بالحرية والإنعتاق من الإحتلال , عبر الإستمرار بالمقاومة فلا تسترد الحقوق إلا بالقوة الرادعة والعصبة المتينة .
كاتب وباحث فلسطيني 8-12-2020
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت