اغتيال العالم محسن زاده وفخ استدراج إيران

بقلم: رامز مصطفى

رامز مصطفى
  • رامز مصطفى

 عملية اغتِيال العالم الإيراني فخري زادة ، في إحدى ضواحي طهران ، لم تكن عملية عابرة ، بل هي إستراتيجية ثابتة في عمق العقلية الأمنية لكل من الإدارة الأمريكية وحكومة كيان الاحتلال ، بأهداف سياسية تطال البعدين الإقليمي والداخل االإيراني . وهما اللتان عملتا على مدار مرحلة ما قبل وبعد اغتيال قائد لواء القدس في الحرس الثوري قبل قرابة العام ، في التحضير لشن عمليات اغتيال تطال قادة وعلماء إيرانيين ، تهدف إلى شطب البرنامج النووي الإيراني ، حسب تقديراتهم .
الفارق الوحيد بين اغتيال اللواء سليماني والعالم زادة هو التوقيت .
في الاغتيال الأول ، كانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تريد إرسال رسائل في أكثر من اتجاه ، لحلفائها أنها حاضرة وستدافع عنهم ، على الرغم أنها لاذت بالصمت على إسقاط طائرتها المسيرة ( طراز غلوبال هوك ) في حزيران 2019 من قبل إيران ، وضرب عدد من المنشأت النفطية السعودية الحيوية ، ومنها شركة أرامكو في أيلول 2019 من قبل القوات المسلحة اليمنية . وفي حينه ردّت إيران جزئياً على اغتيال اللواء سليماني بقصف قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق .
 الاغتيال الثاني ، والذي استهدف ما تمّ وصفه ب( أبو القنبلة النووية الإيرانية ) العالم محسن زادة ، صحيح أنه يأتي في نفس سياق الإستراتيجية المتبعة في مواجهة إيران بشتى الوسائل والأساليب ، بما فيها عمليات الاغتيال ، غير أنّ للعملية المُدانة والجبانة استهدافات في ظل بدء تغير المشهد في الداخل الأمريكي ، نتيجة الانتخابات وفوز الديمقراطي بايدن على الرئيس الجمهوري ترامب .
 الأمر الذي استدعى استنفاراً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً وأمنياً غير مسبوق من قبل إدارة الرئيس ترامب وحكومة نتنياهو وجوقة من دول الرجعيات العربية ، للحيلولة دون نجاح الرئيس بايدن القادم إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2021 ، الذي التزم في برنامجه الانتخابي العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران ، وهذا ما يقلق الكيان والدول المُطبّعة معه .
الزيارات المكوكية لبومبيو وكوشنر إلى المنطقة تصب في سياق ترتيب المشهد سياسياً وعسكرياً وأمنياً ، واللقاء الذي ضمّ بومبيو ونتنياهو ومحمد بن سلمان في مدينة نيوم ، وإنجاز المصالحات بين دول التعاون الخليجي ( قطر والسعودية ) ، وبين السعودية وتركيا ، ولربما العمل على مصالحة تركية قطرية مع الجانب المصري .
والذي ترافق مع تلك التحشدات العسكرية البحرية والجوية ، وفي مقدمتها القاذفة الإستراتيجية الأمريكية بي 52 ، ما هو إلاّ تظهير لهذا المشهد الذي تعمل عليه إدارة ترامب قبل التحرك باتجاه تنفيذ خياراتها .
 واغتيال العالم زاده ، البداية في إشعال فتيل التحرك الأمريكي ، وما ذكرته صحيفة " واشنطن بوست " ، بأنّ الرئيس ترامب ، أبلغ مستشاريه بأنه مستعد لإصدار أوامر برد مُدمّر إذا قُتل أي أمريكي في هجمات منسوبة إلى إيران ، إنما يُدلل على أنّ هدف الاغتيال هو استدراج إيران إلى فخ الرد الغير محسوب ، وبذلك يتحقق ما ذهبوا إليه نحو تنفيذ خياراتهم أو مخططاتهم ، التي تتجاوز في رقعتها الجغرافية الإيرانية ، لتصل إلى عموم جغرافية حضور معسكر المقاومة ، وهذا ما خلص إليه مدير معهد دراسات الأمن القومي في الكيان الصهيوني العميد عودي ديكل " على أنّ أية حرب قادمة ستكون متعددة الساحات ، قد تشمل لبنان وسوريا والعراق وغزة " .
إلى حين انتهاء ولاية الرئيس ترامب من الواضح أنّ رهانات الدول المصطفة خلفه ستبقى تمني نفسها بأنّ إيران سترد على اغتيال عالمها النووي محسن زاده ، لتعتبر أنها الفرصة التي وفرّتها القيادة الإيرانية لذاك الحلف ، الذي تناسى أو يتناسى أنّ أية حرب مقبلة ستكون مدمرة ، أولاً وأخيراً على الكيان اصهيوني وجبهته الداخلية ، وهذا حذّر منه مدير معهد دراسات الأمن القومي الصهيوني العميد عودي ديكل من أنّه " في الحرب المقبلة ستتعرض الجبهة الداخلية الإسرائيلية للهجوم بآلاف الصواريخ ، فضلاً عن قصف طائرات بدون طيار من عدة ساحات في لبنان وسوريا وغرب العراق وربما غزة " .
على الرغم من إقرارنا أننا لا نملك المعلومات ، إلاّ أنّ الظروف التي تعيشها الولايات المتحدة ، وكذلك التي يُعاني منها الكيان الصهيوني ، وتلك الجبهة الهشة للسعودية والإمارات ، التي كشفتها وعرّتها هجمات الجيش اليمني وأنصار الله بصواريخهم وطائراتهم المُسيّرة ، يؤكد أنّ الحرب ليست سوى الطلقة الأخيرة في جعبة ترامب وحلفائه .
 لذلك كل هذا التهويل بالحرب ، حتى يصلوا إلى قطع الطريق على الرئيس الأمريكي المنتخب جون بايدن من الإيفاء بتعهداته العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني ، أو دفعه إلى المطالبة بإجراء تعديلات تُرضي دول تحالف ترامب بعد مغادرته البيت الأبيض .
وهذا ما ذهب إليه عاموس يادلين المدير السابق للمخابرات العسكرية في الكيان ، ومدير معهد دراسات الأمن القومي على تويتر " سواء كانت إيران تميل إلى الثأر أو ضبط النفس ، فإن ذلك سيجعل من الصعب على بايدن العودة إلى الاتفاق النووي " .
رامز مصطفى كاتب فلسطيني

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت