تطبيع المغرب .. نهاية الخداع

بقلم: جبريل عودة

جبريل عوده
  • بقلم : المستشار جبريل عوده

 لم يصدمنا إعلان الرئيس الخاسر دونالد ترامب عن قرار تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني, حيث أن تاريخ نظام المغرب الملكي في العلاقات مع الكيان الصهيوني شاهد على السوءات التطبيعية مع الإحتلال في فلسطين, وخيانة النظام المغربي للأمن القومي العربي باتت مفضوحة عبر حادثة تنصت الموساد الصهيوني على الجلسات السرية للقمة العربية بالرباط , بتاريخ 13-9-1965م, وهذا التنصت كان بتسهيل ومساعدة ملك المغرب حسن الثاني ,كانت عملية التنصت المخابراتية بمثابة كنزاً إستراتيجياً للكيان الصهيوني , الذي ساعد كيان العدو في إنزال الهزيمة بالجيوش العربية , خلال حرب النكسة يونيو1967م , والتي شكلت نكسة للأمة العربية جمعاء, وزادت من شراهة الكيان الصهيوني في العدوان والعربدة , وإرتكاب المجازر الدموية ضد أبناء الأمة العربية في مصر والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين.
 لقد قدم نظام المغرب خدمات ثمينة لمشروع الصهاينة في فلسطين , عبر تسهيل هجرة يهود المغرب إلى فلسطين المحتلة, وبالتالي إمداد العصابات الصهيونية بالعنصر البشري في حرب العدوان والإستيطان على أرض فلسطين , حيث سهل ملك المغرب حسن الثاني في فترة الستينيات من القرن الماضي هجرة 300 ألف يهودي إلى فلسطين المحتلة, وكان الثمن الذي قبضه الملك هو اغتيال المعارض المغربي المهدي بن بركة في باريس عام 1965م, بمساعدة الموساد الصهيوني, كم في هذا الأمر من خسة ونذالة وخيانة ؟, الكرسي الملكي والسيطرة على المغرب وجعل الناس عبيداً يسجدون أمام الملك في مشاهد من الإذلال والإنتهاك لحقوق الإنسان, كل هذه النزوات تبرر للملكية في المغرب خيانة العرب وبيع فلسطين , لا غرابة في ذلك فلقد وُسَد الأمر لغير أهله.
 كان المغرب قد أعلن عن فتح مكتب إتصال مع الكيان الصهيوني في عام 1994م, ولم يتوقف تبادل اللقاءات وتعددت الزيارات الرسمية للوزراء الصهاينة إلى المغرب , إلى جانب اللقاءات والزيارات السرية , ويأتي إعلان ترامب بما يشكل ظهور المغرب بشكل علني على مسرح التطبيع مع الكيان الصهيوني, ليساهم في الصدمة النفسية الموجهة إلى أجيال الأمة , لفرض الإستسلام والخنوع أمام ترسيخ الوجود الصهيوني في فلسطين بكل الوسائل والطرق الخداعية والتطبيعية ومحاولة نزع قضية فلسطين من وجدان الأمة وربط الوعي العربي بقضايا محلية مقابل التغاضي عن ثوابت العربية إتجاه القضية الفلسطينية , فلا غرابة أن يرتبط تطبيع المغرب بمسألة النزاع في الصحراء الغربية , وكذلك تم ربط التطبيع الخليجي بما يسمى بالخطر الإيراني على الخليج , فمن أعادة ترتيب أولويات شعوب الأمة في إطار حدود جغرافية مصطنعة, كان يخطط لإنتزاع التكاتف والتعاضد بين الشعوب العربية والعمل على تفتيت وحدتها , فأصبحنا نرى من يقول الرياض أهم من القدس , ونتذكر من يقول سيناء رجعت لنا ولا يوجد لنا مشاكل مع "إسرائيل" , وأمام مشهد التراجع العلني للأنظمة العربية الرسمية , والذي يراد له أن يُسحب على الأمة بأكملها , نستذكر جحا الذي ظل لا يعبأ بالنار التي تأكل القرية طالما بقيت النار بعيدة عن طرف ثوبه!, وهذا مصير عواصم العرب التي تنتظرها نيران الصهاينة التي تتجهز لحرق وتدمير أي ظاهرة عربية سيادية تسعى للنهوض على مستوى القُطر أو الأمة .
مع توالي السقوط العلني لأنظمة البيع والتفريط , لابد من وقفة وطنية وعروبية جادة , فهذا النزيف في حالة الوعي العربي إتجاه القبول بإحتلال فلسطين والإعتراف بشرعية كيان العدو , خاصة في ظل سيطرة الدعوات الهدامة, التي تروج لها أنظمة الردة العربية عبر المنظومة الإعلامية الممولة , التي تحاول إختراق الوعي العربي وقلاعه الحصينة , بروايات الزيف وحجج الوهن وتبرير التراجع والنكوص عن نصرة فلسطين .
فليس أقل من إعادة تعريف القضية الفلسطينية القائم على مفاهيم الأمن القومي العربي , والذي يعني بأن الهزيمة في القدس هي سقوط لكل العواصم والحواضر في الأمة , وأن القبول بالإحتلال الغاشم قبول بالذلة والهزيمة التي لا يُجملها أو يبرر كل مرقعي القنوات الفضائية أو سياسيي الإرتزاق , فلم يعد مجالاً للكذب والتدليس , فمن يحالف مغتصب القدس هو خائن ليس له إلا الرجم في الساحات العامة , ومن يعترف بكيان الإحتلال كمن يطعن الأمة وليس فلسطين من ظهرها غدراً , هذا خطاب الوقت الذي يجب أن يملأ الأرجاء , مع ضرورة تحشيد الأمة وقواها الحية لهزيمة مشروع التطبيع الذي يقوم على إستمرارية الحالة السياسية المزرية في واقع الأمة , من قمع للحريات وكبح للكفاءات والتسلط على الشعوب , وكأن ثمن بيع فلسطين والإعتراف للمحتل بشرعية فيها ثمنه بقاء نفوذ عصابات الحكم في عواصم العرب , على ما فيها من فساد وقمع وتردي في كل مناحي الحياة العامة , وكل ذلك من أجل أن تحيا ربيبتهم "إسرائيل" بأمان على أرض فلسطين , فالمعادلة واضحة خلاص فلسطين من الإحتلال يقود لخلاص الأمة من الظلم والديكتاتورية وطريق نحو الوحدة الراشدة والقوية للأمة من الخليج إلى الدار البيضاء وأكثر .
كاتب وباحث فلسطيني 11-12-2020

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت