هل سيتوقف التطبيع في عهد بايدن؟

بقلم: سري سمور

تطبيع
  • بقلم:سري سمور

            

 

 تم توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين الكيان العبري ومصر في  ظل رعاية ودعم الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) سنة 1979 وكارتر -كما نعلم- من الحزب الديموقراطي، وقد عُرف بلقب(عرّاب كامب ديفيد).

جاء ريغان وبعده بوش الأب من الحزب الجمهوري ولم توقّع اتفاقيات جديدة معلنة مع الكيان؛ ولكن في عهد (بيل كلينتون) الديموقراطي جرى توقيع اتفاق إعلان المبادئ بين م.ت.ف ورابين(أوسلو) في حدائق الأبيض في خريف 1993 وبعد عام وقّعت اتفاقيات وادي عربة بين الأردن والكيان أيضا في عهد ورعاية وحضور  كلينتون.

وشهدت تلك الفترة؛ أي النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي حركة انفتاح عربي مع (إسرائيل) مثل حضور مسئولين عرب جنازة إسحاق رابين، وافتتاح مكاتب تبادل تجاري وما شابه، وازدادت وتيرة النشاطات التطبيعية من بعض القطاعات الزراعية أو الطبية أو الفنية، وكل هذا في عهد كلينتون الديموقراطي!

لم يعد خافيا على أحد أن ثمة علاقات سرّية ربطت الحركة الصهيونية حتى قبل تأسيس الكيان الإسرائيلي، ومسئولين من مستويات مختلفة من دول عربية عدّة، ولكن حرص الطرفان على عدم إعلان تلك العلاقات، حتى لو كانت مجرد لقاء عابر، خاصة أن الخطاب الرسمي العربي ظل يظهر عداء وجفاء تجاه إسرائيل في خطابه المعلن، أو التمسك بعبارة(السلام العادل والشامل وفق مبدأ الأرض مقابل السلام على أساس قرارات الأمم المتحدة) و (دعم حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني).

ولم يجرؤ أي نظام عربي على الخروج عن نهج مقاطعة إسرائيل علنيا حتى قام السادات بخرقه المعروف لهذا الثابت.

ومع أهمية ودور مصر المركزي في الصراع وفق قاعدة(لا حرب دون مصر ولا سلام دون سورية) فقد قاطع العرب مصر، وتم نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس كخطوة احتجاجية،  واستمرت المقاطعة سنوات عدة، وقد حرص خليفة السادات على عدم زيارة إسرائيل نهائيا طيلة فترة حكمه، إلا لحضور تشييع جنازة إسحاق رابين.

ولكن ملك المغرب الراحل (الحسن الثاني) استقبل في مدينة إفران وزير خارجية إسرائيل شمعون بيريز صيف 1986 علنا، ومع أن الملك حاول التخفيف من حدّة الغضب تجاه خطوته، وأنه فقط عرض على بيريز الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة مقابل السلام وفق ما جاء في مقررات قمة عربية سابقة، وحين لاحظ أن بيريز غير جاد سارع إلى إنهاء اللقاء، مع هذه المحاولة التي تنطوي على نوع من التماس العذر، إلا أن ردة الفعل العربية الرسمية عموما كانت إعلان رفض جذري لهذا اللقاء خاصة من قبل معمر القذافي ومن قبل حافظ الأسد الذي قطع العلاقات مباشرة مع المغرب.

ومع أن المواطنين الفلسطينيين كانوا في أحاديثهم الخاصة يتحدثون عن علاقات ولقاءات بين مسئولين عرب وصهاينة، وأن ما يظهر في الإعلام لا يعكس حقيقة العلاقات، مع وجود تسريبات محدودة عن مثل تلك اللقاءات أو العلاقات من وسائل إعلام غربية وعبرية، ولكن النظام العربي الرسمي بمجمله لم يتجاوز ما اعتبر خطا أحمرا في طبيعة التعاطي مع الكيان، فهو وإن أقام علاقات سرّية بعيدا عن الأعين، فإنه ظل يحافظ على خطاب نسقه العام رفض العلاقة، إلا وفق مبادئ وخطوط عريضة، وقد توّجت تلك المواقف بتبني قمة بيروت 2002 ما عرف بالمبادرة العربية للسلام والقائمة على تطبيع كامل العلاقات بين الدول العربية جميعا مع إسرائيل مقابل انسحابها من جميع الأراضي العربية المحتلة في حزيران/يونيو 1967.

وقد مرت 16 سنة دخل فيها البيت الأبيض رئيسان جمهوري وديموقراطي(بوش الابن وأوباما) وبقي الوضع على حاله، أي علاقات غير معلنة أو لقاءات عابرة بين مسئولين صهاينة ومسئولين عرب(مثل لقاء سيلفان سالوم وزير خارجية الكيان مع نظيره التونسي في عهد بن علي فترة بوش الابن) بل حتى كان هناك نوع من الفتور والتراجع في بعض مستويات العلاقة مثل خطوة سحب السفيرين المصري والأردني لدى الكيان، وإغلاق مكتب التمثيل التجاري في قطر، بعيد انتفاضة الأقصى التي شهدت وقوع جرائم بشعة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة وغزة.

التحوّل الملحوظ ظهر منذ وصول (دونالد ترمب) مرشح الحزب الجمهوري إلى المكتب البيضاوي في 2016 حيث كثرت الأحاديث عن وجود لقاءات واتصالات على أعلى مستوى بين دول عربية وإسرائيل، ووجود تعاون أمني وثيق، ناهيك عن تبدّل وتغير الخطاب العربي الإعلامي والرسمي؛ ذلك الخطاب الذي كان الجمهور العربي يعيب عليه اكتفاءه بعبارات شجب واستنكار ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وإذ به ينتقل إلى ما يشبه التماهي مع الاحتلال، وتحريض من قبل بعض المحسوبين على أنظمة عربية ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته.

وقد تم تتويج هذا التراجع العربي غير المسبوق بإعلان اتفاقيات تطبيع علنية بين الكيان وكل من البحرين والإمارات، واتفاق (تطبيع جوي) ولقاء بين مسئولين عسكريين سودانيين وبنيامين نتنياهو.

وصار المسؤولون الإسرائيليون ووسائل الإعلام في الكيان في حالة تسابق وتفاخر للإعلان عن أي لقاء أو تواصل أو اتفاق علني أو سرّي مع أي دولة عربية؛ فإسرائيل في عهد ترمب لم تعد تريد العلاقات تحت الطاولة، بل دفعت العرب إلى مجاهرة بما كان يعتبر كافيا للنبذ والمقاطعة في زمن سابق.

كما أن اتفاقيات التطبيع الجديدة تختلف عن سابقاتها في جوانب عدّة أبرزها أن الدول المنضمة إلى التطبيع مؤخرا صارت في حالة حلف مع إسرائيل، مع تفاخر بهذه العلاقة الشاذة، ودفع أوساط شعبية وإعلامية إلى الدفاع عنها، وضمن أدوات الدفاع توجيه السباب المقذع للشعب الفلسطيني، وتبني روايات تلمودية ثمة حتى في إسرائيل من يرفضها.

ومؤخرا انضمت المملكة المغربية وهي دولة مهمة عربيا إلى مسار التطبيع العلني، ويقال أن الثمن هو اعتراف أمريكي بسيادتها على الصحراء الغربية..وإجمالا فإن كل اتفاقيات التطبيع مع الكيان تأخذ ثمنا سياسيا أو ماليا لا يقارن بما تجنيه إسرائيل على كافة الصُعد السياسية والأمنية والاقتصادية.

وكما ظهر ويظهر وسيظهر في قادم الأيام فإن الجديد فقط هو إعلان ما كان مخفيا و(رسملته) فكما قلنا فإن العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل ليست جديدة، ولكنها كانت أشبه بالزواج السرّي!

ولكن هناك من سؤال ممزوج بدهشة واستغراب مفاده بأن ترمب سيغادر البيت الأبيض في غضون أسابيع قليلة، فلماذا تسارع أقطار عربية إلى تطبيع العلاقات مع الكيان إرضاء له واستجابة لضغوطه؟ وكأنهم بهذا يميلون إلى وجهة نظر يجري تسويقها مفادها أن بايدن وإن كان ملتزما بأمن  إسرائيل وتفوقها فإنه لن يمارس مثل ترمب ضغوطا على العرب كي يواصلوا التطبيع، بل إن مسار التطبيع-وفق هذا التفكير- في سباق محموم مع الزمن!

ولكن هل يختلف الديموقراطيون عن الجمهوريين في مسألة جعل العلاقة بين إسرائيل والعرب طبيعية بل تحالفية أو حتى تبعية قائمة على هيمنة وتفوق إسرائيل؟قد يقال بأن أمام بايدن ملفات أخرى أهم...وقد قيل عن ترمب شيء كهذا، فكان أكثر رؤساء أمريكا تفرغا لدعم وتقوية شوكة إسرائيل...وتاريخ بايدن مع إسرائيل واللوبي الصهيوني في أمريكا صار معلوما.

وبرأيي فإن ثمة ملاحظات ونقاط يجب أن نضعها في الاعتبار عند قراءة هرولة العرب نحو التطبيع، والذي جاء على هذه الهيئة الصادمة في زمن ترمب، بحيث لا نقصر الأمر على شخص ترمب وعلى الحزب الجمهوري(أوضحت أن أبرز الاتفاقيات كانت في عهد الديموقراطيين) وهي:-

  1. احتلال العراق وقبله منذ 1991 تراجع دوره العسكري وثقله الاقتصادي والسياسي المؤثر شجع من كانوا يترددون.
  2. الأزمة السورية ومخرجاتها؛ فالنظام السوري يحكم على الورق وتتقاسم البلاد دول عدة ومحاور مختلفة، مع التذكير أن دعم قضية فلسطين يعود إلى عهد شكري القوّتلي وليس مرتبطا بالأسد الأب والابن كما يروّج المدافعون عنه، بل إن سياساته هي التي أخرجت سورية من دورها المحوري في الصراع مع الكيان.
  3. إضافة إلى خروج العراق وسورية وقبلها مصر من حلقة الصراع جاءت الثورات المضادة وهي مدعومة ماليا وسياسيا وإعلاميا من دول التطبيع الحالي، مما جعل هذه الدول كونها راعية لمسار الثورات المضادة أن تمضي دون قلق نحو أحضان الكيان؛ فالثورات المضادة تحاصر وتهدد التجربة التونسية وتبتزها، واستقرّ لها في القاهرة نظام يبارك كل خطوة تطبيعية فورا، وجعلت ليبيا البلد الغني شاسع المساحة ساحة حرب بدعم علني لميليشيا حفتر...فخلا لها الجو بحيث لا تجد معارضة قوية لتوجهاتها.
  4. الثورة على حكم البشير في السودان لم تأخذ في الحسبان تأثير قوى دعم الثورة المضادة والقوى الدولية، والتي لن تسمح بوجود نظام في الخرطوم يعادي إسرائيل مرة أخرى، حتى لو أدى ذلك إلى حرب أهلية جديدة.
  5. الوضع الفلسطيني الصعب الذي يعاني من انقسام وعدم توافق على برنامج سياسي مشترك يطبّق على الأرض، شجّع المطبعين وأثار فيهم الطمع بإنهاء القضية الفلسطينية، مع التأكيد الضروري على أن العرب يتحملون قسطا كبيرا مما آلت إليه الحالة الفلسطينية، وعدم تعليق الانهيار العربي على المشجب الفلسطيني.
  6. دعم وتقوية إسرائيل سياسة أمريكية ثابتة، وصار من ضرورات هذا الدعم تطبيع دول عربية علاقاتها معها حدّ التحالف، ولا يوجد ضمان بل حتى تلميح من بايدن بأنه سينقلب على هذا المسار، أو حتى لا يشجعه؛ أما التساؤل عن استباق توليه مهام منصبه بتطبيع العلاقات، فلربما تكون هذه طريقة جديدة في تقديم أوراق اعتماد أو بوادر حسن نية؛ قد يتجاهل بايدن خطة ترمب، ولكنه لن يتردد في السعي إلى تطبيع العلاقات بين العرب والصهاينة.

أخيرا لا بد من تكرار ما نقوله دوما:يجب أن تعتمد قوى الأمة الحيّة الرافضة للتطبيع ومخرجاته على الله أولا ثم على زيادة أوراق قوتها وتمتين وزيادة تحالفاتها وتأجيل النبش في ملفات خلافاتها، بدل المراهنة أو حتى الأمل بتغير في خيارات وسياسات الإدارة الأمريكية أو غيرها.

،،،،

تم النشر يوم الإثنين 29 ربيع الآخر 1442هـ ، 14/12/2020م

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت