لمحة عن أطفال بيت لحم "الآخرين" والدار التي ترعاهم

دار رعاية الأطفال في الكريش من الداخل يوم 9 ديسمبر كانون الأول 2020. تصوير: موسى قواسمة - رويترز

عندما تخرج من كنيسة المهد في بيت لحم عبر ساحة المهد وبطول شارع النجمة حتى تصل إلى جزء من المدينة، لن ترى سوى عدد قليل من الحجيج الذين يغامرون بالزيارة.

ووراء لافتة مكتوب عليها "الكريش" توجد دار لرعاية الأطفال، هي كل العالم الذي يعيشه صغار لا يعرفون لهم أبا ولا عائلا.

وتؤوي الدار نحو 50 طفلا، منهم مجهولو النسب أو معنّفون أو من تم إنقاذهم من حاويات القمامة. وتدير الدار راهبات من الكاثوليك ينتمين لجمعية راهبات المحبة مار منصور (الكريش) وموظفون فلسطينيون.

ورغم أن هناك ملاجئ للأطفال في أنحاء المعمورة تتعامل كلها مع أمور مماثلة، فإن لهذه الدار مكانة معنوية خاصة نظرا لوجودها في مهد السيد المسيح، حيث تتجه أنظار العالم المسيحي كل عام إلى قصة من بيت لحم تحتفي بالميلاد وبالعائلة والأمل.

ومع أن مؤسسة الرعاية مسيحية، ينشأ الأطفال مسلمين حسبما يقتضي القانون المحلي، ما لم يكن العاملون بالدار يعرفون ديانة أسرة الطفل.

وفي 95 في المئة من الحالات يتلقى إسكندر أندون، الاخصائي الاجتماعي بالدار، بلاغا عن وجود طفل وُلد خارج إطار الزواج أو نتيجة زنا محارم، وتكون أحيانا أول معرفته بالأمر عندما يتلقى اتصالا من الشرطة يفيد بالعثور على طفل مُلقى في مكان ما.

وقال أندون (52 عاما) لرويترز "بالنسبة له كأخصائي اجتماعي يعيش مع هؤلاء الأطفال بشكل يومي، يشرفني أن أكون مسؤولا عنهم أو أن أكون جزءا من حياتهم".

لكنه لم يهوّن من قدر الصعوبات النفسية.. فسلوك الأقارب قد يتسم بالعنف أو ربما يكونون مدمنين أو قد يتعرض الطفل والأم لخطر القتل فيما يعرف بقضايا الشرف.

وأضاف "هذا ينطوي على مسؤولية أخلاقية وأدبية، مسؤولية مهنية".

تأسست الدار في مطلع القرن التاسع عشر، وهي تؤوي أطفالا حديثي الولادة وحتى سن الخامسة.

لكن دار الكريش تعاني من نقص التمويل، لا سيما هذه السنة مع فتور همة المتبرعين وجائحة كورونا التي كانت مدينة بيت لحم أول المدن الفلسطينية التي ابتليت بها قبيل عيد القيامة مباشرة.

وخفّضت الجائحة عدد الزوار الذين ربما يقدمون مساعدة أو يُدخلون على الأطفال بهجة، كما أجبرت بيت لحم على فرض إغلاق أتى على اقتصادها الذي يعتمد على موارد السياحة.

والعمل الخيري الذي تؤديه الكريش بهدوء أكسبها احتراما وتقديرا، فزارها على سبيل المثال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في يناير كانون الثاني ووصف عملها بأنه تعبير مطلق عن الإنسانية.

ونشأ بعض العاملين في الدار، وإدراكا منهم للمصاعب التي سيواجهها الأطفال لاحقا في حياتهم، عادوا لمد يد العون لآخرين من أمثالهم.

قالت مريم عايش (39 عاما)، وهي معلمة تعمل حاليا إلى جانب السيدة التي رعتها في الصغر، "اشتغلت في أعمال عديدة لكن في النهاية قررت أن أعمل في هذه المؤسسة لسببين، أن يكون لي عمل وأن أمد الصلات لأني أفهم طبيعة الأطفال".

لم تلتق مريم قط بوالديها وهي غير مهتمة بلقائهما أو معرفتهما.

قالت "حين تكبر، وعند التخرج من المدرسة ومن الجامعة، ترى كل من حولك، وهذا صعب بعض الشيء... لكن في النهاية، إذا تلقى الطفل تعليما وإذا نال تربية جيدة، فإن كل هذه الأمور تساعده".

وفي معظم السنين يرتدي متطوعون زي بابا نويل لإضفاء قدر من البهجة على الاحتفالات برأس السنة وتتكدس دمى الدببة حول شجرة عيد الميلاد، لكن هذه السنة هناك كمية أقل من الزخارف وعدد أقل من الزوار.

ومع ذلك هناك نهاية سعيدة واحدة على الأقل قبل بضعة أيام من يوم عيد الميلاد.

فإحدى الأطفال المولودين خارج إطار الزواج ستبدأ حياة جديدة بعد أن تزوج والداها وأسسا منزلا، وإن كان بعيدا عن بلدتهما لتحاشي الأنظار.

قال أندون لرويترز بينما كان جالسا في حديقة الدار ومن حوله نماذج لغزال الرنة وبابا نويل "بدأنا اليوم على الأقل على أساس صلب يمكننا بناء بيت متماسك فوقه، يوفر لهذه الطفلة الدعم والحماية".

وأضاف "نحن سعداء جدا لأن هذه البنت بدأت معنا... وهذه قصة مشابهة لحكاية طفل وُلد في عيد الميلاد قبل سنوات، في بيت ظروفه صعبة مع أب وأم لم يعرفا ما هو الأفضل. ورأينا لاحقا كيف تبدل الحال".

 

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - بيت لحم - (رويترز)