- عماد عفانة
تملك حركة حماس كثير من الفرص لتوسيع مروحة علاقاتها الدولية، إلا أن الواقع يثبت أن حماس لم تفلح بعد في توظيف هذه الفرص بالشكل المطلوب والمفروض بالنسبة لحركة تقود شعب، وتوجه دفة مقاومته، وتنافح عن حقوق الشعب الفلسطيني بهدف تـأمين العيش له بحرية فوق أرضه.
ومن هذه الفرص الاجماع شبه الدولي على مظلومية الشعب الفلسطيني، وعلى حقه في الحرية وتقرير مصيره، الأمر الذي يعبر عنه حجم الاجماع الذي تحظى به القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة وفي القرارات التي تحظى بتصويت مرتفع لصالحها، رغم تضارب المصالح في بعض الأحيان الأمر الذي بات يخفض مؤخرا من عدد المصوتين لصالحها، وسط شبه غياب للفعل الرسمي الذي تمثله السلطة التي باتت مع الاحتلال ومصالحه.
تضارب المصالح الذي يحكم العلاقات الدولية، صنف الدول في أقسام وأحلاف معلنة وغير معلنة، فأمريكا التي تحاول قيادة العالم بدبلوماسيتها الخشنة والناعمة، بات لها كثير من المعارضين بتفاوت، كما بات لها كثير من الأعداء الذي يعملون على النقيض من سياستها.
الأمر الذي يشكل فرصة كبيرة أمامنا لتوظيف هذا التناقض والعداء، لصالح فتح علاقات مع هذه الدول، خصوصا دول جنوب شرق آسيا، فضلا عن دول أمريكا الجنوبية، فتصويت روسيا ضد قرارا تصنيف حركة حماس كحركة ارهابية في الأمم المتحدة، دليل على امكانية توظيف هذا العداء والتناقض الدولي لصالح قضيتنا وحقوقنا.
تتوفر في كثير من دول العالم فرص ايجابية لنسج مثل هذه العلاقات، إلا أننا نفتقد المبادرة لتشكيل وتخصيص خلايا عمل دبلوماسية لتمهيد وتهيئة الأجواء لإقامة مثل هذه العلاقات.
فما الذي يمنع حماس من تشكيل خلايا دبلوماسية اقليمية لنسج علاقات مع دول شرق أسيا بشكل عام، ثم يتم تخصيص خلية عمل لكل دولة من دولها، وهكذا الحال مع دول امريكا الجنوبية.
كما نملك كشعب مقاوم يطالب بالحرية، نملك ملاين اللاجئين في شتى أصقاع العالم، هؤلاء اللاجئين باتوا يشكلون كتل بشرية ذوي قدرات فائقة علمية واكاديمية وادارية واقتصادية، ملايين اللاجئين هؤلاء لو أحسن تنظيمهم وتشكيلهم في أجسام تمثيلية شرعية قوية في بلدان لجوئهم، لشكلوا لوبيات قوية قادرة ليس فقط على التصدي لللوبيات الصهيونية التي لا تفتأ تحاول النيل من كرامتنا ومن حقوقنا في الوطن وفي المهجر على حد سواء.
بل لوبيات قادرة على فتح مروحة العلاقات مع الدول بصورة واسعة بما يضمن سياسيا دعم حقوقنا في مختلف المحافل الدولية، واقتصاديا تأمين الدعم لصمود شعبنا بمعزل عن فساد السلطة وسفاراتها المنتشرة حول العالم والتي تحولت الى غرف سوداء للتجسس والمقاولات الأمنية لصالح العدو، فضلا عن أشكال الفساد المتعددة الغارقة فيها، والتي لا يتسع المجال لحصرها هنا.
بعد 33 عاما على انطلاقها، باتت حماس تملك خلايا عمل في كثير من البلدان حول العالم، منها خلايا عمل رسمية ومعروفة، ومنها خلاف ذلك، خلايا عمل يملك أعضائها مؤهلات علمية محترمة، بات مطلوبا من دائرة العلاقات الخارجية لحماس تفعيل هذه الخلايا ضمن خطط عمل محكمة، مع متابعة جدية وحازمة، خطة ذات سقوف زمنية محكومة بالإنجاز، مع محفزات ادارية تكافئ حجم المتحقق منها .
تسعى حماس إلى تحسين علاقاتها الدولية، وذلك في إطار إقامة علاقات إيجابية مع جميع الدول الداعمة أو المحايدة بهدف جلب التأييد من القريب قبل البعيد، لكن مالم نضع خطط عمل جدية، توظف مختلفة الامكانات المتاحة، فسيبقى هذا السعي في اطار الأمنيات الذي ليس له كثير حظ من الواقع
كما تعمل حماس على تعزيز حاضنتها الأساسية من خلال العلاقات الدولية في الدوائر الثلاث (العربية، الإسلامية والدولية)، لكن مالم يتم توظيف أقوى أوراقنا في هذا الاطار المتمثل بجالياتنا وبملايين اللاجئين المنتشرين حول العالم، فستبقى هذه الحاضنة تفتقر الى الأرضية اللازمة للاستدامة المثمرة.
حماس لم تعادي أحداً على أساس المعتقد أو المذهب أو العرق، وسعت بشكل دائم إلى إقامة علاقات متوازنة، ولم تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وهذا ما دفعت ثمنه في عدة ساحات خارجية، لكن الأحداث أثبتت أن حماس لا تملك الآليات المناسبة لشرح هذه السياسية وتوصيلها للدول وللشعوب على حد سواء، ما منح الآليات والوسائل التي يتبعها العدو لتشويه قضيتنا فرص أوفر وأكبر.
تسعى حماس لقطع التأييد الخارجي عن العدو الصهيوني الذي يعتبر السبب الرئيس في سبب وجوده وتقدمه وانتصاره، إلا أن فشل الدبلوماسية الرسمية والفصائلية على حد سواء بات يعبر عنه نفسه في ضعف التصويت مع القرارات الدولية التي تصب في صالح قضيتنا في الأمم المتحدة، الأمر الذي بات يفرض على حماس اعادة النظر في آليات ووسائل تأمين هذا الدعم الدولي لشعبنا ولحقوقنا.
المشروع الوطني عنوانه التحرير، الأمر الذي لا يبدوا أنه سيتحقق من خلال السعى لإصلاح ودخول منظمة التحرير، التي تم تجويفها وافراغها من مضمونها، وتحويلها الى بقرة حلوب لأعضائها على حساب ثوابت وحقوق شعبنا.
لم تعد المنظمة قابله لأن تكون وعاء كبير يشمل الجميع، في ظل النفس والسياسة الحزبية الاستحواذية التي تسيطر عليها منذ زمن طويل.
لذات بات واجبا على حركة حماس أن تسعى لتوفير أبعاد سياسية جديدة لتحركها السياسي وإحداث التقارب مع مختلف القوى والفصائل بعيداً عن سقف المنظمة المليء بالثقوب، والحصول على الدعم السياسي والمعنوي عبر أطر جامعة أخرى تضمن مشاركة الجميع لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.
هدف حماس الأساس هو إنهاء مشروع الاحتلال الصهيوني على الأرض الفلسطينية، ويرتكز هذا الهدف على صمود الشعب، والعمل التنظيمي والنقابي والقانوني، ولا يمكن تحقيق ذلك من خلال منظمة تشرعن وجود عدو الشعب والأمة على أرض فلسطين، بل وتشرعن العمالة والخيابة بالتعاون معه أمنيا ضد ثوار شعبنا ومصالحه.
لن تنتهي معاناة الجاليات الفلسطينية في الغرب بسبب جهود اللوبي الصهيوني التي تتوقف، ما دامت جالياتنا غير منظمة أو مرتبة في شكل لوبيات لتعمل وفق خطط عمل تكافي بل وتتفوق على خطط عمل اللوبي الصهيوني.
لم تكن الأنظمة الحاكمة في العالم لتواصل اعتبار حماس حركة إرهابية، لو أحسنا توظيف ورقة شعبنا المنتشر في هذه البلدان ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وحولناها مع ملايين العرب والمسلمين في الغرب وأمريكا كروافع للقضية الفلسطينية لصالح شرعة المقاومة الفلسطينية والفصائل والحركات التي تمثل هذه المقاومة حتى التحرير والعودة.
الهرولة العربية للتطبيع مع العدو شاهد آخر على فشل الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية والفصائلية على حد سواء، فما كانت الدول المطبِّعة لتتجرأ على الهرولة باتجاه التطبيع مع العدو، لو كانت علاقاتنا قوية مع مكوناتها الداخلية، والتي كانت ستصبح حتما سدا منيعا في وجه هذه الهرولة، فالتطبيع لا يمكن إيقافه مالم يتم رفع منسوب وعي الشعوب والقوى والحراكات العربية، لبكن الجهود المبذولة في هذا الاتجاه تبدوا غير كافية بل وقاصرة عن بلوغ هذا الهدف.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت