ماذا نفهم من كتاب أوباما "أرض الميعاد"

بقلم: بدر أبو نجم

بدر أبو نجم
  • بقلم: بدر أبو نجم

الشعب العربي يحكمه القمع السلطوي، ولا شك في ذلك إن أردنا أن نكون موضوعيين في هذا المقال، فمنذ قرن من الزمان كان وما زال جلّ اهتمام الأنظمة العربية هو الحفاظ على بقائها ومصالحها التي كونتها عبر السنين من حُكمها، والتي نجحت خلالها بالقضاء على كل أشكال الديمقراطية، وكبح جماح الأحزاب المعارضة أو التي أطلقت على نفسها الأنظمة الإصلاحية، وقوبل كل من ينادي بالإصلاح سواء كان حزب أو جماعة بيد من حديد، وقمعتها بشتى الطرق كالإعدامات وتحت بند القوانين السارية في كل قُطر.

لم يكن للمواطن العربي بعد أن أصبح الإستبداد والفقر والبطالة جزءاً من حياته إلّا أن يوهم نفسه بأنه إنسان يعيش حياة كباقي شعوب العالم، في ذات الوقت تَعرِفُ الأنظمة العربية جيداً في قرارة نفسها أن الإنسان العربي أصبح مشحوناً ولحظة الإنفجار قاب قوسين أو أدنى، بعد أن خاض معارك هامشية واختار أعداء وهميين وخاض معارك غير حقيقية، وأدرك أخيراً أنه بعيد عن الانتصارات الحقيقية.. لكنه مغلوب على أمره فلا حول له ولا قوة.

وفوق هذا وذاك لم تستسلم الأنظمة العربية لاستبدادها، بل بدأت بالتهافت للتطبيع مع "اسرائيل"، بعد أن كان تحت الطاولة، وفتحت دواليبها لها، وهذا لخيرُ دليلٍ على أنها أنظمة باتت قلقة على وجودها أكثر من أي وقتٍ مضى، واعتقدت أن بانضمامها إلى حظيرة التطبيع قد ترتكز على قوة جديدة كدولة الاحتلال وأوهمت نفسها بأن إسرائيل ستقوم بحمايتها وأنظمتها وستحافظ على وجودها بين شعوبها التي تنتظر أن تنقضّ عليها في أقرب فرصة سانحةٍ، فإذا كان أول الرقص حنجلة، فإن أول بشائر انهيار هذه الأنظمة هو التطبيع مع كيان الاحتلال.

ولو كنتم تعلمون، فإن كتاب " أرض الميعاد"، للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي أصدره قبل أقل من شهر من تاريخ كتابة هذا المقال، لأكبر دليل أيضاً على مدى ظلم بعض الأنظمة العربية التي تحدث عنها في كتابه، فقد ذكر أسماء الرؤساء بعينهم ووصفهم على هيئتهم التي بَطّن فيها مواصفاتهم بالشخصيات الاستبدادية، وعنون في حديثه عن الشرق الأوسط في إحدى ملصقاته وقال حرفياً: "الشرق الأوسط.. "حكامٌ مستبدون".

بيد أن أوباما لم يكن حسب كتابه يتصور مدى الإستبداد الذي تعاني منه شعوب تلك الدول في الشرق الأوسط. صحيح أن الولايات المتحدة كانت سبباً في ارتكاب المجازر وخوض الكثير من الحروب في بقاع كثيرة من العالم إلّا أن أوباما في كتابه كان يريد أن يغير الكثير عند توليه سدة الحكم، خصوصاً في مواضيع الحريات، فيستطرد من خلال المشاهد عند زيارته لمصر والسعودية، ويروي لنا أنه عند مرور موكبه في شوارع تلك الدول التي قام الأمن حينها بإفراغها تماماً من المارّة، حيث صُدم من الشعور بالقمع والحزن الذي يولّده مثل هذا المشهد وكم تلك الأنظمة صارمة مع شعوبها، فيتساءل في كتابه عن سبب إفراغ الناس من الشوارع على طول أميال كثيرة.

ثمة تفاصيل كثيرة في كتاب أرض الميعاد، فيمكنك التحديق وتصور وصف أوباما لرؤساء الأنظمة العربية، وهم يجلبون له الهدايا الثمينة والنفيسة، لا لشيء وإنما لإثبات ولائها ونيل الرضا من الولايات المتحدة، فقدَّم أوباما رسومات مثيرة للاهتمام للقادة العرب ولم يُخفي الصورة القاتمة لكثير من قيادات الشرق الأوسط.. فهل هي الهدايا فعلاً التي كانت تشغل أوباما أثناء توليه رئاسة أقوى دولة في العالم بعد صدور كتابه وكشفه لتفاصيل غابت عنا كثيراً خلف الكواليس.

يكشف أوباما في كتابه أيضاً، عن تفاصيل زيارته للقاهرة قبيل توليه الرئاسة الأمريكية، وتحدث عن انطباعه الذي سيصبح مألوفاً في تعامله مع الحكام المستبدين المسنين كما وصفهم في كتابه، ووصف شعوره أثناء تواجده في القاهرة وبعد إلقاء خطابه المعروف في جامعة القاهرة، واجتماعه مع الرئيس الراحل حسني مبارك قائلاً: " يعيشون في عزلة بقصورهم، وكل تفاعل لهم يجري بوساطة موظفين جامدي المشاعر وخنوعين يحيطون بهم، لم يكونوا قادرين على التمييز بين مصالحهم الشخصية ومصالح شعوبهم".

ويقدم الكتاب بإسهاب السيرة الذاتية السياسية لأوباما التي كشفت الكثير وصورت لنا كشاشة عرض واضحة كيف تتعامل بعض الأنظمة في الشرق الأوسط مع شعوبها، والتي صّبت اهتمامها منذ نشوئها لتبنيج شعوبها، وتوجيههم إلى الاهتمام بأمور وقضايا بعيدة عن انتقاد سياستهم أو قضايا الفساد أو الحديث عن إصلاح النظام، لأنها في الحقيقة ليست إلا شركات تجارية ربحية وليست أنظمة تحكم بين الناس وتطبق القوانين العدل.

لطالما تحدّث الكثير من المحللين والسياسيين أن الولايات المتحدة تتعامل مع بعض دول الشرق الأوسط باستخفاف كبير، واللافت حسب ما جاء في الكتاب أن مسألة إزاحة رئيس أو بقائه في سدة الحكم لا يتطلب إلا مكالمة هاتفية من أي رئيس أمريكي ذهب أو سيأتي، فعلى سبيل المثال طلب أوباما من الرئيس المصري الراحل حسني مبارك أن يتنحى عن الحكم حقناً للدماء وبالفعل تنحى ولم يتطلب ذلك إلا مكالمة هاتفية فقط، وهذا ما ذكره أوباما في كتابه، حيث طلب من مبارك الرحيل فرحل فوراً، في ذات الوقت تساهل مع البحرين التي تُعتبر قاعدة أمريكية مهمة في المنطقة وبقي النظام البحريني حتى الآن، نعم هي مكالمة هاتفية فقط، ولا يتطلّب أكثر من ذلك بالنسبة للمتحدة، فاتخاذ قرار قتل أسامة بن لادن كما وصفه أوباما في كتابه اتخذه بمفرده في غرفة المعاهدات بالبيت الأبيض، مع تشغيل لعبة كرة السلة في الخلفية.

في النهاية التعامل مع بعض الدول يكون من خلال هاتف خلوي عادي، ربما جرى استخدامه أيضاً لطلب البيتزا، أو للاطمئنان على ابنة أوباما مالياً أو ساشا.

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت