«الركن الشديد» تشق طريقها نحو «الإستراتيجية الدفاعية» لغزة

بقلم: وسام زغبر

وسام زغبر
  • بقلم: وسام زغبر

عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

يشكل قطاع غزة ركناً أساسياً في المعادلة الداخلية الفلسطينية، ونبعاً للنضال الوطني التحرري، ولن يقبل يوماً ما كل محاولات تحييده عن المشاركة في المعادلة الوطنية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي و«صفقة ترامب- نتنياهو» ومخططات الضم والتطبيع.

لذلك بات ضرورياً إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني لشعب تحت الاحتلال الإسرائيلي في إطار برنامج وطني يكفل الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا، والذي يشكل قطاع غزة جزءً أصيلاً في خاصرة فلسطين سجل دوراً مهماً موازياً للضفة الفلسطينية في المعادلة الإقليمية بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005 وإزالة المستوطنات الجاثمة على أرضه اضطرارياً تحت ضغط المقاومة رغم أن إسرائيل أبقت على حصارها واحتفاظها بحقها في خيار التدخل والعدوان العسكري وقتما وأينما شاءت.

كل هذه المقدمات والدوافع جعلت من قطاع غزة أرضية خصبة لتطوير المقاومة وإمكانياتها لمجابهة العدوان والحصار الإسرائيلي المتواصل، وفرض إستراتيجية دفاعية موحدة واستكمال عناصرها وتوفير مقوماتها، من خلال إستراتيجية وطنية بديلة تطور دور غزة وتجمع بين العمل السياسي والمقاوم وعاملاً ضاغطاً لإنهاء الانقسام.

من المعلوم أن مسيرات العودة وكسر الحصار انطلقت في ذكرى يوم الأرض الخالد في الثلاثين من آذار(مارس) 2018 بتظاهرات شعبية أسبوعية على الحدود الشرقية لقطاع غزة باعتبارها إحدى المحطات النضالية الكبرى وتكتسب أهمية فائقة كونها تشكل العمل الجماهيري الذي يوحد الحركة النضالية الفلسطينية التي أبدع فيها الفلسطينيون، وبعثت رسائل للرأي العام أن غزة ما زالت تحت الحصار الإسرائيلي الظالم والذي يعد شكلاً من أشكال الاحتلال بصيغة أخرى، وأن المقاومة الفلسطينية باقية ومستمرة وتطور إمكانياتها وأدواتها وأساليبها وتكتيكاتها القتالية في إطار معركة تحرير الأرض الفلسطينية من الاحتلال الفاشي. كما شكلت مسيرات العودة رداً على كل محاولات شطب حق العودة ونزع الصفة القانونية عن ملايين اللاجئين ومحاولات فرض الحصار على وكالة الأونروا.

وأمام تلك المعطيات، فإن مسيرات العودة شكلت أهم التحركات الشعبية في النضال لانجاز العودة، لذلك كان مطلباً شعبياً مواصلتها ما دام حق العودة موضع صراع إلى أن يحقق الشعب الفلسطيني أهدافه المنشودة.

فمن موقعية قطاع غزة في العملية الكفاحية لعموم الشعب الفلسطيني في إطار البرنامج الوطني التحرري الموَّحد والموِّحد، باعتبار غزة القاعدة الكبرى من قواعد المقاومة الشعبية في إبداعاتها النضالية التي تجسدت عبر مسيرات العودة وكسر الحصار، وقاعدة كبرى من قواعد المقاومة المسلحة التي لم تتوقف عن تطوير قدراتها القتالية والتسليحية، وخطت خطوة محدودة نحو «ترسيم» الوضع عبر تشكيل غرفة عمليات مشتركة في 20 أيار (مايو) 2018 من الفصائل المشاركة في توقيع اتفاق التهدئة في العاصمة المصرية القاهرة بعد الحرب العدوانية الإسرائيلية التي استمرت لـ(51) يوماً على قطاع غزة عام 2014، وهذه الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة تشكلت لإيلام الاحتلال الإسرائيلي ورفع كلفته، ووقف تغوله على المتظاهرين في مسيرات العودة وكسر الحصار والدفاع عن أبناء شعبنا الفلسطيني في وجه العدوان الإسرائيلي .

إن تشكيل غرفة العمليات المشتركة من الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة وأبرزها «كتائب المقاومة الوطنية الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح، وكتائب أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وآخرين...»، أسست لقواعد اشتباك جديدة في مجرى النضال الوطني وقدمت زخماً موَّحداً في الدفاع عن أبناء شعبنا الفلسطيني، إلا أنها لم تتطور بعد وتكتمل بنيتها للوصول إلى جبهة مقاومة موحدة بمرجعية سياسية لضبط العملية النضالية في إطارها السليم وبما يخدم الصالح الفلسطيني العام في قيادة النضال الوطني في ظل مرحلة التحرر الوطني عملاً بشعار «شركاء في الدم.. شركاء في القرار».

وتبرز أهمية تشكيل غرفة العمليات المشتركة في إقرار فصائل المقاومة الفلسطينية كافة أنه لا يوجد أحداً مهما بلغت قوته أن يقوم بأعباء القتال دفاعاً عن القطاع لوحده في إطار إستراتيجية معروفة الأهداف والمقاصد السياسية، وخاصة أن المرحلة النضالية التي نعيشها هي مرحلة التحرر الوطني، وهذا يفتح الطريق نحو بناء إستراتيجية دفاعية لقطاع غزة بما تشمل القرار والعمل المشترك وتجسيد الوحدة الميدانية وتنظيم المجتمع كله ليصبح مجتمعاً مقاوماً يسخر كافة طاقاته للتصدي للعدوان وإجهاض أهدافه وتعزيز صمود الشعب والمقاومة دون استثناء لأي أحد في إطار خوض الحرب الشعبية طويلة الأمد.

ومن الواضح أن المناورة العسكرية المشتركة التي تحمل عنوان «الركن الشديد» وتضم في تشكيلها 12 ذراعاً عسكرياً للفصائل الفلسطينية، ويجري تنفيذها بالتزامن مع الذكرى الثانية عشرة للحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، تهدف لإبراز قوة المقاومة الفلسطينية في إطارها الدفاعي والهجومي لاختبار القدرات القتالية وتجسيد الوحدة الميدانية والجهوزية التامة بما يعزز التعاون والعمل المشترك بصورة فاعلة بين الأذرع العسكرية، وتظهر غزة في صورة إعلامية موحدة تجسد الميدان ولحمة الشعب الفلسطيني والتفافه حول مقاومته، وتبيان استعداد المقاومة وقدرتها على الرد وردع الاحتلال الإسرائيلي وتهديداته في حال تمادى في عدوانه وتغوله على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة.

فمن الواضح وجود علاقة تبادلية وطردية بين الشعب الفلسطيني ومقاومته، كون الجماهير هي توفر الحماية للمقاومة وتشكل درعها الصلب وتمدها بعناصر القوة وتصد عنها ضربات الأعداء، وهنا تعود بنا الذاكرة إلى أيام الانتفاضة الشعبية التي شكلت الدرع الواقي للمقاومة المسلحة في مواجهة الجولات الدموية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ولم تتوقف المقاومة يوماً ما في الدفاع عن الشعب الفلسطيني والتي كان آخرها المعارك البطولية الثلاث  (2008 + 2012 + 2014) إلى جانب عدة جولات قتالية محدودة خاضتها خلال العامين المنصرمين.

ختاماً، أصبح لزاماً أهمية استئناف الحوار الوطني الفلسطيني الشامل كونه الوسيلة الضرورية والوحيدة للوصول إلى توافق وطني وتعزيز الوحدة الداخلية بما يساهم في إنهاء الانقسام واستنهاض المقاومة الشاملة في الميدان وفي المحافل الدولية والخروج من اتفاق أوسلو بكافة قيوده والتزاماته وتوفير عناصر الصمود لشعبنا الفلسطيني، ويسقط ذريعة الحصار والتدخلات الإسرائيلية في الشأن الفلسطيني من بوابة الانقسام، ويفتح أفاقاً سياسية للحالة الوطنية بأكملها في مقاومة «صفقة ترامب- نتنياهو» ومشروع «دولة إسرائيل الكبرى»، وبناء إستراتيجية وطنية للقطاع تخرجه من أزماته السياسية والحياتية وتقدم نموذجاً لسلطة فلسطينية في القطاع مسنودة بحركة جماهيرية مجربة وفاعلة وناشطة، تغني التجربة النضالية لغرفة العمليات المشتركة

 

المصدر: قد -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت