ترامب وبايدن والرباعية الدولية ومستقبل القضية الوطنية

بقلم: معتصم حمادة

معتصم حمادة
  • معتصم حمادة

عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية

لتحرير فلسطين

[■ حسمت الانتخابات الرئاسية الأميركية مصير ترامب وإدارته، لصالح تأكيد فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، ليتولى الرئاسة في 20/1/2021.

وحتى ذلك التاريخ، تعيش الولايات المتحدة، ويعيش معها العالم، فترة انتقالية، مازال ترامب، يواصل فيها العبث بالشوؤن الأميركية الداخلية، عبر التشويش على نتائج الانتخابات، والإصرار على أنه الفائز فيها مدعياً أن خصومه الديمقراطيين قد زوروا نتائجها.

كما مازال الرئيس ترامب، في الأيام الأخيرة لإقامته في البيت الأبيض، يعبث، بشكل خاص، بأوضاع الشرق الأوسط، مسرحه المفضل للعبث السياسي، في ظل حلفاء محليين يقدمون له الولاء، مقابل توفير حمايتهم وحماية أنظمتهم من أية تطورات وأحداث مفاجئة.

في هذا السياق، رَحَّبَ الكثيرون برحيل ترامب، حتى أن البعض ذهب به التفاؤل، إلى حد التبشير برحيل «صفقة القرن» معه، ومعها مخطط الضم باعتباره إحدى ركيزتي «الصفقة» إلى جانب الركيزة الأخرى المتمثلة بالتطبيع.

في ظل هذا الغطاء الإعلامي المُزَيَّف، بدأت السلطة الفلسطينية تكشف عن استعدادها لتقديم التنازلات المجانية والمسبقة، تمهيداً لاستقبال الإدارة الأميركية الجديدة، في اعتقاد يسود أركان السلطة الفلسطينية، أن دعوة بايدن لما يسمى «حل الدولتين»، من شأنها أن تُفرج عن العملية السياسية المعطلة عملياً منذ العام 2000، والتي امتدت – متقطعة - على شاكلة علاقات عامة حتى العام 2014، قبل أن تعود إلى موتها السريري.

رهان السلطة على إدارة بايدن، ترافق مع رهانها على إعادة إحياء «الرباعية الدولية» ومسارها التفاوضي، مع تجميل لفظي لشروط المفاوضات، لا يغير في المضمون العملي شيئا.

  • فماذا تحمل الفترة الانتقالية للبيت الأبيض من مفاجآت؟
  • وهل حقاً سترحل صفقة القرن، وفي سياقها خطة الضم مع رحيل ترامب؟
  • وماذا تعني العودة إلى «الرباعية الدولية»، وماذا يمكن أن تقدمه للقضية الفلسطينية في ظل الوضع الراهن؟
  • وهل «الرباعية الدولية» وإعادة نبشها من القبور هي الخيار الفلسطيني الوحيد الممكن، أم أن في جعبة الشعب الفلسطيني، وقواه السياسية، خيارات أخرى، توفر له الضمانات المطلوبة لتحقيق أهدافه الوطنية؟]

 

 

 

(1)

الفترة الانتقالية في البيت الأبيض

وآثارها على منطقتنا

فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، شكل محطة جديدة تشي بتغيير ما هو قادم على العلاقات الدولية، بعد أن اتبع الرئيس ترامب سياسة قامت على الاستخفاف بالقوانين وقرارات الشرعية الدولية، وإدارة الظهر للإتفاقيات والمؤسسات الدولية، في محاولة منه لفرض سياسة الأمر الواقع، متبعاً في ذلك العديد من الأساليب، من بينها الانقلاب على الاتفاق النووي مع إيران، والخروج من إتفاقية المناخ، ومنظمة الصحة الدولية، أو اتخاذ إجراءات اقتصادية ضد دول ومؤسسات وأفراد، تحت مسمى «عقوبات»، وجد لكل منها ذرائعها، وفقاً للمعايير العدوانية لسياسته الهوجاء.

ولعل ما قام به في منطقتنا، وبشكل خاص بما يتعلق بالقضية الفلسطينية يشكل نموذجاً فاقعاً لهذه السياسة، حين نسف قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وأسبغ «شرعيته» الخاصة على ممارسات سلطات الاحتلال، باعتبارها تشكل الأساس «الواقعي» لحل القضية، وفقاً لرؤية وردت في «صفقة القرن» كاملة.

أن يتنفس العالم الصعداء لخسارة ترامب الانتخابات الرئاسية، كان أمراً متوقعاً، لكن هذا الرجل، ما زال يحمل في جعبته الكثير من المفاجآت، محاولاً أن يجعل من الفترة الانتقالية لاستلام الإدارة الديمقراطية مهماتها في 20/1/2021، أياماً ساخنة، يحاول من خلالها أن يثبت في الميدان أقصى ما يمكن من وقائع، تنسجم والسياسة التي اتبعها على مدى السنوات الأربع من عمر ولايته المنقضية، مستفيداً إلى حدٍ كبير، من حالة الاضطراب التي أحدثتها سياسته في إقليمنا.

على هذا يمكن أن نقدم ثلاثة أمثلة معبِّرة:

1- الأول: الزيارة «الوداعية» (19/11) التي قام بها وزير خارجيته مايك بومبيو إلى إسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة، وإلى الجولان المحتل، وتعمده زيارة المستوطنات الإسرائيلية، في محاولة منه لتأكيد ثبات ما سمي بـ «عقيدة بومبيو»، التي تقوم على الاعتراف بشرعية الاستيطان في تعاكس تام، وانتهاك فظّ، لقرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك قرار مجلس الأمن الرقم 2334 - 2016، المناهض للاستيطان.

زيارة بومبيو لمناطق فلسطينية وسورية محتلة، هي خطوة عدائية بكل المعايير، وهي تعبير فاقع عن طبيعة سياسة إدارة ترامب، وعن شخصيته وشخصية وزير خارجيته ومدى عدائهما للشعب الفلسطيني، وشعوب المنطقة دون استثناء.

2- المثال الثاني: هو جريمة اغتيال القامة العلمية الإيرانية الكبيرة محسن فخري زاده (27/11)، بعمل أميركي – إسرائيلي مشترك، سبقه الحديث عن احتمال عدوان مشترك أميركي - إسرائيلي يطال المواقع الإستراتيجية في إيران، في سعيٍ لقطع الطريق على الإدارة الأميركية القادمة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، الذي كانت قد توصلت إليه في ولاية الرئيس أوباما (14/7/2015).

إغتيال فخري زاده استهدف المشروع النووي الإيراني، وسيادة إيران، وشكل محاولة مكشوفة لجرّها إلى ردود فعل توفر الذرائع للتحالف الأميركي - الإسرائيلي لإشعال حرب في المنطقة، قد تمتد إلى أكثر من بقعة في الشرق الأوسط، ولاشك أن ضبط النفس الإيراني، فوّت على ترامب ومعه نتنياهو، فرصة للمزيد من العبث بأمن المنطقة واستقرارها، وإشعال نيران الحرب فيها.

3- أما المثال الثالث فهو تصاعد ضغوطه على العواصم العربية، لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، لبناء واقع جيوسياسي إستراتيجي جديد، تصل فيه إسرائيل، في علاقاتها ومشاريعها، واتفاقات التعاون مع دول التطبيع، إلى العديد من مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ فالتطبيع مع دولة الإمارات (13/8) ومملكة البحرين (11/9) وضعها على شواطيء الخليج، وعند مضيق هرمز. أما التطبيع مع السودان (24/10)، فقد فتح أمامها آفاقاً لدور أكثر فاعلية في القرن الإفريقي وفي البحر الأحمر؛ والتطبيع مع المغرب (10/12)، أفسح موطيء قدم لإسرائيل على شواطيء المتوسط من جهة، والمحيط الأطلسي من جهة أخرى؛ وهذه كلها تطورات ذات تداعيات كبرى، جيوسياسية وغيرها على أمن الإقليم، والنظام العربي الرسمي، والقضية الفلسطينية، وأية مبادرة دولية، أو إقليمية، قد تطرح لحل النزاع مع إسرائيل.

ويبدو أن إدارة ترامب أفرغت، من خلال هذه الخطوات، ما في جعبتها من مشاريع عدوانية لإنجازها في الفترة الانتقالية لحين تسلم إدارة بايدن مفاتيح البيت الأبيض، دون أن نسقط من حسابنا أن تلجأ الإدارة الراحلة إلى خطوات أخرى في إطار عبثها بأمن المنطقة. وفي هذا السياق، تواصل إدارة ترامب الضغط على الجسم العربي الرسمي الرخو والمفكك، ليستجيب لطلبات توسيع نطاق التطبيع مع إسرائيل

 (2)

«صفقة القرن» بعد رحيل ترامب

قبل أن تحزم إدارة ترامب حقائبها وتغادر البيت الأبيض، وقبل أن يتولى جو بايدن مهامه الرئاسية، وأن يكشف عن أوراقه، ومنها رؤيته لحل القضية الفلسطينية، قامت السلطة الفلسطينية بخطوة إنقلابية مفاجئة، حين تراجعت عن المسار الذي افتتحه في العلاقات الداخلية الفلسطينية، القرار القيادي في 19/5/2020، القاضي بالتحلل من الاتفاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، وعادت السلطة الفلسطينية إلى مسار أوسلو بشقيه الأمني والتفاوضي، وحاولت أن تبرر ذلك بأننا، مع رحيل ترامب، بتنا أمام مرحلة جديدة، لها استحقاقاتها السياسية والأمنية، وتتطلب العودة إلى استئناف المفاوضات بعدما أعلن بايدن تأييده لما يسمى «حل الدولتين»، وأكملت السلطة في تبريرها لكل هذا أنه مع رحيل ترامب، رحلت «صفقة القرن»، ومعها مخطط الضم.

مثل هذه الادعاءات تكشف حجم التضليل في محاولة تبرير العودة إلى أوسلو من خلال الحديث عن استحقاقات سياسية قادمة، من متطلبات استقبالها، الانقلاب على التوافقات الوطنية الفلسطينية التي افتتحها مسار 19/5، في محطاته المتتالية، والذي لقي مصرعه على يد وزير الإدارة المدنية في حكومة السلطة الفلسطينية، في حديثه عن «الانتصار» المزعوم الذي يُحَتِّم على السلطة والمؤسسة الفلسطينية، تجديد الإلتحاق بالتزامات أوسلو، والسياسات السابقة التي قضت وقائع الحياة بفشلها، فضلاً عن الكوارث التي تستجرها.

ولعل أخطر ما في تبريرات السلطة للعودة إلى مسار أوسلو، ربطاً بالتغيير المرتقب في البيت الأبيض مسألتان:

1- الأولى في القول إنه مع رحيل ترامب رحلت «صفقة القرن»، ورحل مشروع الضم، كونه مجرد جزء من هذه الصفقة. مثل هذا الادعاء يعطي صدقية لذرائع الأنظمة العربية المُطَّبِعة، التي ادعى بعضها أن التطبيع أدى إلى إلغاء مخطط الضم أو تعليقه، في وقت يدرك فيه الجميع أن الضم ما زال زاحفاً، ويأخذ أشكالاً مختلفة، في مواصلة الاستيطان (وكل استيطان هو خطوة ضم جديدة) وسلسلة الإجراءات التي لم تتوقف الإدارة المدنية التابعة للحكم العسكري الإسرائيلي وحكومة نتنياهو، عن اتخاذها، إدارياً وقانونياً، ما يجعل الضم أمراً واقعاً، بموجب الأجندة الإسرائيلية.

2- الثانية أنها تحاول أن توحي أن «صفقة القرن» هي خطة أميركية، وأن تتجاهل ما أثبتته الوقائع الدامغة، أن الصفقة هي صناعة إسرائيلية خالصة، صاغها نتنياهو بموجب عقيدته للحل في المنطقة، تبنتها إدارة ترامب وعملت على تطبيقها بقرارات منفردة، ووفرت الغطاء السياسي لسلطات الاحتلال، لتجعل منها أمراً واقعاً، ضاربة بعرض الحائط كل الاحتجاجات والاعتراضات الدولية، يقودها وعي يقوم على أن إدارة ترامب هي الفرصة التاريخية الثانية (الفرصة الأولى كانت إتفاق أوسلو)، التي على إسرائيل اغتنامها لفرض تسويتها التصفوية على الفلسطينيين، وتجاوز قرارات الشرعية الدولية. وبالتالي من الضروري لإدراك «صفقة القرن»، وإدراك أبعادها، ومخاطرها الحقيقية، إدراك «عقيدة نتنياهو»

(3)

«عقيدة نتنياهو»

[لم يقدم بنيامين نتنياهو ما يمكن أن يطلق عليه «عقيدة» للحل في المنطقة، كوثيقة متكاملة، لكن يمكن الوصول إليها بسهولة عندما نعمل على الربط بين مواقفه وتصريحاته، التي سبقت إطلاق «صفقة القرن» ورافقتها، وتحركت تحت سقفها، وعملت على تطبيقها ميدانياً تحت رعاية كثيفة من إدارة ترامب. يمكن الوصول إلى «عقيدة نتنياهو» عبر المحددات التالية:]

1- المحدد الأول: إسرائيل دولة يهودية [دولة للشعب اليهودي]، وقد ترجم ذلك بسلسلة من القوانين والإجراءات القضائية، آخرها قانون أساس «إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي»، الذي أقر بحق تقرير المصير «للشعب اليهودي» حصراً على كامل مساحة فلسطين التاريخية، ونزعه عن الشعب الفلسطيني، وألغى اعتماد اللغة العربية لغة رسمية، الخ.. أي بتعبير آخر نفى سياسياً وجود شعب فلسطيني، بكل ما يعنيه ذلك من نفي لحقوقه الوطنية المشروعة كما أقرتها الشرعية الدولية، وبكل ما يعنيه ذلك من نفي الحقوق القومية للفلسطينيين الذين يشكلون 20% من إجمالي سكان الـ 48.

2- المحدد الثاني: لا وجود لفلسطين ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، هي أرض إسرائيل («هذه أرضنا ... هذا بلدنا»). ولا مجال لتقاسمها مع أي شعب آخر، وهي أرض مفتوحة على مصراعيها للاستيطان، وكل استيطان هو خطوة نحو الضم. وبالتالي لا وجود لدولة ثالثة بين الأردن وإسرائيل، ولا وجود لما يسمى «خطوط 4 حزيران (يونيو) 67». الحدود الأمنية لإسرائيل هي نهر الأردن، وبالتالي فهي حدودها السيادية، أما ميدان حفظ أمنها فهو كامل مساحة إسرائيل الكبرى، من البحر إلى النهر.

3- المحدد الثالث: لا يعترف باتفاق أوسلو، ولا بالتزاماته. من الناحية القانونية لم يُقْدِمْ على إلغائه، لتبقى إلتزامات الاتفاق قيداً على الجانب الفلسطيني، أمنياً واقتصادياً بشكل خاص. لكنه عمل على إفراغ الاتفاق من مضمونه وألغى إلتزامات إسرائيل نحوه، حيث أُعيدت الإدارة المدنية لسلطة الاحتلال إلى العمل، وأُلغيت الفواصل بين مناطق (أ) و(ب) و(ج)، واستمر الاستيطان في انتهاك الإتفاق الذي نصَّ على عدم اللجوء إلى إجراءات تجحف بحقوق الطرف الآخر، أي إجراءات الأمر الواقع الإحتلالي. هذا إلى جانب إسقاط مقولة أن «الأرض متنازع عليها» وأعلنها أرضاً إسرائيلية في استباق مكشوف لمفاوضات الحل. شطب حق العودة، ونزع الصفة القانونية عن اللاجئين الفلسطينيين.. لم يتبقَ من أوسلو، إذن، إلا ما يُلزم الجانب الفلسطيني وحده، أي ما يبقيه قيداً عليه.

4- المحدد الرابع: نزع عن الشعب الفلسطيني حقوقه القومية والوطنية، وعن القضية الفلسطينية صفتها السياسية، وجعل منها مجرد قضية إنسانية لشعب، إذا ما توفر له القدر الكافي من حاجاته الاقتصادية، تَخَلَّى عن حقوقه وقبل بالحل الذي أطلق عليه «الحل الاقتصادي»، أو بمعادلة «السلام مقابل الاقتصاد» بديلاً «للسلام مقابل الأرض». وهو ما ترجمه الشق الاقتصادي من «صفقة القرن» في مؤتمر المنامة، الذي انعقد تحت عنوان «الازدهار من أجل السلام» (25-26/6/2019).

5- المحدد الخامس: صاغ معادلة للعلاقات الاقليمية، تقوم على اعتبار الإرهاب هو المصدر الحقيقي للخطر على إسرائيل ودول المنطقة عموماً، واعتبار إيران الدولة الحاضنة للإرهاب، مستفيداً من عاملين:

الأول، ما شهدته المنطقة (والعالم)، من مظاهر الإرهاب؛ والثاني، الصراع بين إيران ومحور المقاومة في الإقليم عموماً، وبين السعودية ومن يلتقي معها، ما يجعل إسرائيل، موضوعياً، أقرب إلى الفريق المناهض لمحور المقاومة، وإن من خلف الستار، وأقام على هذا التطور استراتيجية في العلاقات الاقليمية، مَكَّنَتَه من إقامة علاقات (سرية) مع بعض العواصم العربية، بنى عليها رؤية تدعو إلى تجاهل العنصر الفلسطيني في حل الصراع في المنطقة (نظراً لتعقيدات الحل) والذهاب إلى التفاعل مع المكوِّن العربي الرسمي الذي استجابت بعض أطرافه لهذه الدعوة، خاصة وأنها تلتقي مع نتنياهو في معادلته لمفهوم الإرهاب ودوره في صياغة العلاقات الاقليمية، ما وفر له الفرصة لرفع سقف شروطه للحل، منتقلاً من إطار «الحل الاقتصادي» وقاعدة «السلام مقابل الاقتصاد» إلى معادلة «السلام مقابل السلام»

(4)

تطبيقات صفقة القرن بعد رحيل ترامب

خطت صفقة ترامب خطوات تطبيقية واسعة. فعلى الصعيد الاقليمي، بات في حكم الأمر الواقع التحالف الأميركي - الإسرائيلي، مضافاً إليه العربي الرسمي، في مواجهة إيران من جهة، وفي تهميش القضية الفلسطينية من جهة أخرى، ومنح دولة الاحتلال شهادات في حسن السلوك، توفر لها الغطاء للمزيد من التغول في تطبيقات صفقة القرن، خاصة في مجال الضم الذي من شأنه أن يرسم علامات الحل الدائم، كما تخطط له إسرائيل.

إن ما تحقق على الأرض بات أمراً واقعاً، لن تدعو إدارة بايدن للتراجع عنه. ربما تدعو على سبيل المثال، إلى تجميد الاستيطان مؤقتاً على غرار دعوة إدارة أوباما (ولم تستجب لها إسرائيل آنذاك) لكنها لن تلغي ما بات أمراً واقعاً من إجراءات ميدانية وقانونية (بموجب الأجندة الإسرائيلية) في ترسيم مكانة المستوطنات وضمها لإسرائيل، وتشريع البؤر الاستيطانية وتسمينها.

كذلك لن تلغي إدارة بايدن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل (ولا بالسيادة الإسرائيلية على الجولان). وهي، مع استئنافها للدعم المالي لوكالة الغوث، لن تذهب إلى الاعتراف بحق اللاجئين في العودة، ولعل أفضل ما يمكن أن تدعو له، [إفتراضاً] ولن تصل حتى إلى ما سبق لإدارة كلينتون أن قدمته ضمن ما أسمته معايير أو مقترحات كلينتون، التي حددت المواطن الخمسة المحتملة للاجئين كمايلي: 1- دولة فلسطين؛ 2- مناطق في إسرائيل ستنتقل إلى فلسطين ضمن تبادل الأراضي؛ 3- إعادة توطين في الدولة المضيفة؛ 4- إعادة توطين في دولة ثالثة؛ 5- الإدخال إلى إسرائيل (راجع بهذا الخصوص الملحق).

أما مستقبل الدولة الفلسطينية، فإن «حل الدولتين» ليس سوى شعار غامض، يقابله تأكيد بايدن في مجلة «الفورين بوليسي» (آذار/ مارس 2020) تمسكه «بضمان أمن إسرائيل»، أي أن أمن إسرائيل سيكون هو معيار «حل الدولتين»، إن بما يتعلق بالشروط الأمنية (الحدود) أو غيرها من الشروط التي من شأنها أن تنزع عن «الدولة الفلسطينية» علاماتها السيادية الكاملة، وأن تمنح بالمقابل، إسرائيل العديد من الامتيازات، ما يبقيها ذات اليد العليا في المنطقة، ودوماً على حساب الاستقلال والسيادة الفلسطينيين.

إن رحيل ترامب لا يعني رحيل صفقة القرن، حيث ستبقى بعض عناصرها الرئيسية (ضم القدس، التطبيع، الخ..) قائمة، ووصول بايدن إلى البيت الأبيض، لا يعني بالضرورة التقدم نحو «حل الدولتين» كما تدعو له الولايات المتحدة، في ظل الرفض الإسرائيلي لأي حل قد يشتم منه رائحة «دولة» للفلسطينيين، لذلك أقصى ما يمكن أن يتوقعه المرء، هو أن تدير إدارة ترامب أزمة المنطقة، وأن تغادر المظاهر الفاقعة للإنحياز لإسرائيل، لكن المفاوضات، أياً كانت أسسها وآلياتها، لن تنجح في إلغاء ما بنته حكومة نتنياهو من وقائع ميدانية. إن تغيير الوقائع الميدانية، وبناء وقائع بديلة، يتطلب المواجهة في الميدان، فالميدان هو الذي سيحدد وجهة العملية التفاوضية التي تراهن السلطة الفلسطينية على استئنافها

(5)

العودة إلى الرباعية .. العودة إلى ماذا؟ وإلى أين؟

التراجع عن القرار القيادي في 19/5/2020، والمسار السياسي الذي دشنه هذا القرار، كان إنتقالاً إلى مسار سياسي آخر، بديل لمسار أوسلو. إن هدف هذا التراجع هو الوصول إلى طاولة المفاوضات تحت رعاية الرباعية الدولية، ما يعني تجاهلاً للتجارب التفاوضية المرة على امتداد ربع قرن من دربها العقيم، وتجاوزاً للتطورات العاصفة التي شهدتها المناطق الفلسطينية المحتلة، منذ أن توقفت العملية السياسية ووصولها إلى الطريق المسدود، بفعل التعنت الإسرائيلي، ما أرغم جون كيري، وزير خارجية أوباما، للإعلان في نيسان (إبريل) 2014 عن وفاة العملية السياسية؛ كما أن التراجع عن قرار 19/5 يعني تجاهلاً وتنكراً للتجارب المرة للمفاوضات برعاية الرباعية الدولية، في ظل النفوذ الأميركي الطاغي عليها، والذي شرحه باستفاضة رئيس دائرة المفاوضات في م.ت.ف، الراحل د. صائب عريقات في كتابه الشهير «الحياة مفاوضات»؛ كما أنه يعني تجاهلاً وتنكراً لتجارب الدعوات المزيفة للمؤتمرات الدولية، التي انتهت كلها إلى مفاوضات ثنائية فلسطينية – إسرائيلية، في ظل إختلال فاقع لموازين القوى لصالح الجانب الإسرائيلي، خاصة لكون المفاوض الفلسطيني كان يحجم على الدوام عن استعمال أوراق القوة الفلسطينية التي يملك، بذريعة الحفاظ على الخيار السلمي.

 الحديث عن «المؤتمر الدولي»، الذي تدعو له السلطة الفلسطينية عبارة تحمل في طياتها تضليلاً للرأي العام، وتوحي وكأن الدعوة تندرج في سياق الالتزام بقرار المجلس الوطني في دورته الـ 23 - 2018 الذي دعا إلى عملية سياسية في إطار مؤتمر دولي.

المؤتمر الدولي كما اعتمده قرار المجلس الوطني، هو مؤتمر تدعو له الأمم المتحدة، ويرعاه مجلس أمنها [بديلاً لاتفاق أوسلو الذي تم تجاوزه، ولم يعد حسب قرار المجلس الوطني ملزماً للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك إنهاء العمل بالمرحلة الانتقالية]، جدول أعماله – أي المؤتمر الدولي - هو وضع آليات لتطبيق قرارات الشرعية الدولية [وليس التفاوض على مضمون هذه القرارات وتفسيرها وحدود الالتزام بها]، ورسم سقف زمني للمؤتمر [ بديلاً لمفاوضات مديدة قد تمتد سنوات إضافية].

المؤتمر الدولي، قراراته ملزمة للجميع [وليست خاضعة للامتحان الإسرائيلي ولمدى انسجامها مع «مصالحه» الاستعمارية الاستيطانية]، ورسم أجندة زمنية لتطبيق هذه القرارات في ظل إشراف دولي من الأمم المتحدة، يضمن المصالح الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني كما تكفلها قرارات الشرعية الدولية.

مثل هذا المؤتمر، بالمحددات التي رسمها المجلس الوطني، لم تتوفر الظروف حتى الآن لانعقاده. فلا الواقع الميداني يلزم إسرائيل والولايات المتحدة بهذه المحددات، ولا انعقد الشرط الدولي، أي ميزان القوى في مجلس الأمن، وبين الدول الكبرى، للاستجابة لهذه المحددات. وإذا كان بايدن قد لَوَّحَ قبل تسلم مهامه، بـ «حل الدولتين»، فليس هذا معناه على الإطلاق أنه سيسلك طريقاً تفاوضياً غير الطريق الذي سلكه سلفه أوباما، الذي اكتفى بإدارة العملية التفاوضية السياسية، إنطلاقاً من التزام الولايات المتحدة الثابت بالمصالح الأمنية لإسرائيل كأولوية إقليمية لا تراجع عنها، وملزمة لكل الإدارات الأميركية، وانطلاقاً أيضاً، من التزام الولايات المتحدة بالتوافقات والإلتزامات الاستراتيجية بينها وبين إسرائيل، وهي كذلك ملزمة لكل الإدارات الأميركية على اختلاف ألوانها

(6)

التجارب الفاشلة لما يسمى «المؤتمرات الدولية»

شهدت القضية الفلسطينية خلال ثلاثة عقود ثلاثة مؤتمرات وصفت بأنها «دولية»:

مؤتمر مدريد - 30/10/1991، برعاية مشتركة من الاتحاد السوڤييتي (الذي بات آنذاك على حافة الانهيار) والولايات المتحدة. شكل مؤتمر مدريد حفلاً إفتتاحياً، ألقيت فيه كلمات الوفود، ثم تحول إلى مفاوضات ثنائية، فلسطينية – إسرائيلية، برعاية منفردة من الولايات المتحدة، إنعقدت جولاته كلها في واشنطن، ووصل مساره إلى الطريق المسدود، بعد أن رفض الجانب الإسرائيلي وقف أعمال الاستعمار الإستيطاني. وهو المسار الذي خرجت عنه قيادة م.ت.ف، لصالح مسار أوسلو، بكل ما حمله من كوارث.

مؤتمر أنابوليس - 27/11/2007، دعت له الولايات المتحدة، باعتباره مؤتمراً دولياً، حضرته وفود أوروبية وعربية وأجنبية أخرى، إلى جانب أركان الرباعية الدولية، وممثلين عن الأمم المتحدة. لم يكن مؤتمر أنابوليس سوى مهرجاناً خطابياً، كان الرئيس الأميركي بوش الابن نجمه الساطع، استغلت فيه الولايات المتحدة وإسرائيل حالة الضعف التي أصابت السلطة الفلسطينية بعد انقلاب حماس في حزيران (يونيو) من العام نفسه، ووجدت فيه السلطة الفلسطينية وأركانها محطة «دولية» لتجديد شرعيتها في المعادلة السياسية. انفض حفل أنابوليس، ليتحول إلى مفاوضات ثنائية فلسطينية – إسرائيلية تحت الرعاية الأميركية المنفردة، وبغطاء من الرباعية الدولية. ووضعت خاتمته الدموية الحرب العدوانية التي شنتها دولة الإحتلال على قطاع غزة في اليومين الأخيرين من العام 2008.

مؤتمر باريس الذي دعت له فرنسا منذ توقف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في نيسان (إبريل) 2014، واضطرت لتأجيله أكثر من مرة، مراعاة لأجندة وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري الذي كان يحزم حقائبه لمغادرة منصبه. إنعقد المؤتمر في العاصمة الفرنسية على دورتين: الأولى في 3/6/2016، والثانية في 15/1/2017، في الأيام الأخيرة لولاية أوباما، دعا له الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند، ورعاه وزير الخارجية إيرولت، اللافت للنظر أن المؤتمر إنعقد بحضور ممثلي 66 دولة و 4 مؤسسات دولية وإقليمية، إنما بغياب طرفي النزاع، الإسرائيلي والفلسطيني. لقد رفض رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو الدعوة وقاطع المؤتمر، مما اضطر فرنسا، نزولاً عند الضغط الأميركي، ومراعاة للجانب الإسرائيلي، لاستبعاد الجانب الفلسطيني الذي راهن على المؤتمر باعتباره مدخلاً لاستئناف المفاوضات الثنائية. لكن ما نتج عن المؤتمر لم يتعدَ البيان الختامي، الذي دعا هو الآخر، إلى «حل الدولتين»، تاركاً التفاصيل لطرفي النزاع، ودون أن يرسم سقفاً للحل وآلياته ودون أي فحوى لمضمون الدولة الفلسطينية التي يفترض أن تقوم إلى جانب دولة إسرائيل

(7)

«الرباعية الدولية» و«الرباعيات» الأخرى

تشكلت «الرباعية الدولية» في نيسان (إبريل) من العام 2002 بدعوة من رئيس وزراء إسبانيا آنذاك جان ماريا أزنار، باعتبار بلاده هي الراعية لمؤتمر مدريد، ومن أجل تعزيز الدور الأوروبي في رعاية العملية التفاوضية. سبق ذلك اجتياح إسرائيل للضفة الفلسطينية في عملية «السور الواقي»، وما نتج عنها من ضغوط أميركية – أوروبية على قيادة السلطة الفلسطينية، لإدخال تعديلات على النظام السياسي يفصل بين مؤسستي رئاسة السلطة ورئاسة حكومتها، بكل ما يقتضيه هذا من تقليص صلاحيات رئيس السلطة ياسر عرفات، لصالح رئيس الحكومة، كما تشكلت بعد إطلاق «مبادرة السلام العربية» في قمة بيروت (آذار/ مارس 2002) للتسوية مع إسرائيل، وفق مبدأ «إقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل في إطار إتفاق شامل، مقابل الإنسحاب الكامل من الأراضي العربية والإسرائيلية المحتلة بعدوان 67، الخ...». وقد أدخلت الولايات المتحدة على الرباعية الدولية تعديلات ضمنت لها أن تبقى هي اليد العليا في إدارة العملية السياسية.

وكانت أولى ثمار هذا التطور، إطلاق «الرباعية الدولية» خطة «خارطة الطريق»، للتسوية وفق مبدأ «حل الدولتين»، في تطبيقات تُبقي اليد الإسرائيلية هي العليا في رسم المسار. وقد أثبتت تحفظات رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون الـ 14 على «خارطة الطريق»، التي أفرغتها من مضمونها، وتأييد الرئيس الأميركي بوش الإبن لهذه التحفظات، ورسائله إلى شارون، ورئيس حكومة السلطة أحمد قريع، وملك الأردن، في 14/4/2004، أن «الرباعية الدولية» لم تتمكن من الحد من النفوذ الأميركي واستفراده في إدارة العملية السياسية ورعايتها، بل إن بيان الرباعية في 1/7/2016، الذي دعا إلى تقاسم المنطقة (ج) بين إسرائيل والسلطة، فضلاً عن اتهام السلطة الفلسطينية بالفساد، وتحميلها مسؤولية إعاقة الوصول إلى «التسوية» بسبب ممارستها العنف والتحريض، خطوات نافرة أكدت بشكل فاقع مدى هيمنة «الراعي» الأميركي على «الرباعية الدولية»، ومدى نفوذه في إدارة العملية السياسية ورعايتها، ومدى انحياز الرباعية الدولية إلى الجانب الإسرائيلي، وتعاميها عن سياسة الاحتلال، بما في ذلك الزحف الاستيطاني الذي لم يتوقف لحظة، وظل شعاره «نبني في يهودا والسامرة كما نبني في تل أبيب».

مع توقف العملية السياسية في نيسان (إبريل) 2014، بعد إعلان وزير خارجية إدارة أوباما، الوزير جون كيري فشله في إلزام حكومة نتنياهو تجميد الاستيطان، ولو جزئياً، دخلت «الرباعية الدولية» في الموت السريري، إلى أن حاولت السلطة الفلسطينية، أن تستعيدها من عالم الفناء، وأن تعيد إليها شكلاً من أشكال الاعتبار، في رسالتها المرفوعة إلى «الرباعية الدولية» في حزيران/ يونيو 2020 (راجع ملحق2)، والتي أبدت فيها استعدادها لإعادة إحياء مفاوضات «الحل الدائم»، بكل ما في هذا الاستعداد من تنازلات مسبقة ومجانية. ومنذ ذلك التاريخ، أي من قبل رحيل إدارة ترامب، كانت السلطة وما زالت تراهن على العملية التفاوضية برعاية «الرباعية الدولية»، لا بل برئاستها، حيث أكد رئيس الحكومة الفلسطينية د. محمد اشتية أثناء استقباله وزير خارجية البرتغال في 22/12/2010 على «ضرورة تشكيل تحالف دولي ترأسه الرباعية الدولية لإعادة إحياء عملية السلام، الخ...»

(8)

«الرباعية العربية» و«الرباعية العربية - الأوروبية»،

والوصاية على القرار الفلسطيني

تشكلت «الرباعية العربية» في مؤتمر القمة العربية شرم الشيخ نهاية شهر آذار/ مارس 2015، وضمت إلى جانب مصر والأردن كلاً من دول الإمارات العربية والمملكة المغربية، ثم حَلَّت العربية السعودية محلها، وتولت «الرباعية العربية» نيابة عن الدول العربية متابعة الأوضاع الفلسطينية، خاصة قضايا المصالحة، ودعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وخاصة في دعم العملية السياسية.

وجعل الأداء الفلسطيني الرسمي من «الرباعية العربية»، مرجعيته السياسية بديلاً للجنة التنفيذية في م. ت. ف نظراً للتوافق السياسي بين القرار الرسمي الفلسطيني، و«الرباعية العربية» بشأن العملية السياسية وما كانت تمليه على الجانب الفلسطيني من خطوات، إذ رأى المستوى الفلسطيني الرسمي في «الرباعية العربية» غطاءً سياسياً لأدائه، يتسلح به في مواجهة أصوات المعارضة الفلسطينية في اللجنة التنفيذية وخارجها.

ومع جمود العملية السياسية، تَحَوَّلَ أداء «الرباعية العربية» نحو معالجة قضايا الإقليم، خاصة في التمحور القائم بين الجمهورية الإسلامية في إيران من جهة، وبين العربية السعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى.

الإشارة لإعادة إطلاق دور «الرباعية العربية» جاء هذه المرة من العاصمة الأردنية عمان في 26/11/2020، حين انعقد الاجتماع الإفتراضي المصري - الأردني – الإماراتي - السعودي، نقلت نتائجه إلى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وفي دعواتها لاستئناف العملية السياسية، تحت رعاية «الرباعية الدولية»، تلحظ السلطة الفلسطينية على الدوام، مكاناً للرباعية العربية ودول عربية أخرى في محاولة للإيحاء بأن المفاوضات القادمة لن تقتصر على حضور «الرباعية الدولية».

 ■تشكلت «الرباعية العربية – الأوروبية» من وزراء خارجية كل من فرنسا وألمانيا، ومصر والأردن بقرار من مؤتمر الشراكة الأوروبية - المتوسطية. عقدت مؤخراً إجتماعين، الأول في القاهرة في 7/7/2020، والثاني في 24/9/2020 في العاصمة الأردنية عمان. تناولت في الاجتماعين الملف الفلسطيني وتطوراته، وخلصت في الاجتماعين إلى الدعوة لاستئناف المفاوضات الثنائية الفلسطينية - الإسرائيلية تحت رعاية الرباعية الدولية، الأمر الذي شجع السلطة على التقدم في مسار اجتماع الرباعية الدولية، عبر الكشف عن هذا المسار وإعلان تبنيه بشكل رسمي + توجيه رسالة من وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية في 7/10/2020 إلى «منسق نشاطات الحكومة الإسرائيلية في المناطق»، تنص على مايلي: «لقد طلبنا رداً على سؤال من جانبنا، ونحن لم نتلقَ إجابة حتى الآن، السؤال هو: هل حكومة إسرائيل ملتزمة بالإتفاقيات والمعاهدات الموقعة من منظمة التحرير الفلسطينية أم لا؟ والتي تشكل مرجعاً للعلاقات الثنائية بين الطرفين منذ عام 1993. نأمل الحصول على إجابة».

وقد رأت «الرباعية العربية - الأوروبية» في رسالة السلطة الفلسطينية إلى «الرباعية الدولية» تبدي استعدادها لاستئناف المفاوضات تحت رعايتها، ضوءاً أخضر، شجعها على التحرك بهذا الاتجاه، عبر سلسلة التصريحات لوزرائها في اسناد دعوة السلطة، لمفاوضات جديدة، تحت رعاية الرباعية الدولية.

في 10/10، إلتقى مديرا المخابرات الأردنية والمصرية، في رام الله مع الرئيس عباس في اجتماع نقلا فيه نتائج المشاورات الرباعية من بين أمور أخرى. والتقى عند الحدود الأردنية - الفلسطينية، في 3/12 وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، مع وزير خارجية دولة الاحتلال أشكنازي، نقل إليه نتائج الاجتماع، وجدد الاتفاق معه على حق الأردن في رعاية المقدسات الدينية في القدس، دون أية مزاحمات عربية أو إسلامية أخرى، قد تنتج عن تطورات التطبيع مع بعض دول الخليج. كما كان الصفدي، قبل ذلك قد زار رام الله، والتقى الرئيس عباس، ونقل إليه الموقف الرباعي العربي – الأوروبي، ودعمه لموقف السلطة في الدعوة لاستئناف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي. ومن المؤكد أن هذه التحركات – في إطار التقدير السياسي- شجعت السلطة الفلسطينية على استئناف الاتصالات مع سلطات الاحتلال، التي أسفرت عن قرار السلطة في 17/11/2020 العودة إلى أوسلو بشقيه الأمني والتفاوضي وتجاهل كل ردود الفعل الفلسطينية المعارضة والإفصاح عن تجاوزها لقرارات المجلس الوطني وتعريفه للمؤتمر الدولي، لصالح التعريف الواضح والصريح الذي أعلن عنه رئيس حكومة السلطة محمد اشتيه كما أوردناه سابقاً: تحالف دولي (بديلاً لمؤتمر دولي) ترأسه الرباعية الدولية (بديلاً للأمم المتحدة بمجلس أمنها)

(9)

وهم العودة إلى المفاوضات،

والعودة إلى قرارات الشرعية الفلسطينية والشرعية الدولية

  في ضوء ما شهدته القضية الفلسطينية، والملفات ذات الصلة، من تطورات منذ أن توقفت العملية السياسية في نيسان/ إبريل 2014، يجب الجزم أن الذهاب إلى المفاوضات في ظل الظروف الحالية، ما هو إلا انزلاق خطير نحو مسار لن يعود على الفلسطينيين  إلا بالكوارث. فالظروف والوقائع وموازين القوى التي أحاطت بالعملية التفاوضية منذ نيسان/ إبريل 2003، مع إطلاق خطة «خارطة الطريق»، حتى نيسان/ إبريل 2014، مع فشل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في توفير متطلبات استئنافها، بما في ذلك التجميد الجزئي للاستيطان، شهدت المنطقة تطورات كبرى لا يمكن أن يغفل عنها أي مفاوض، ولا يمكن إلا أن يأخذها بعين الاعتبار في تقديره لمدى قدرته على الوصول عبر مفاوضات جديدة، إلى « حل متوازن»، سقفه كما يقال «حل الدولتين»:

  • فحل الدولتين مازال حلاً غامضاً وحتى تفسير السلطة الفلسطينية له، في رسالتها إلى «الرباعية الدولية» تجاوزته الأحداث والوقائع، وتجاوزته أطماع الاحتلال الإسرائيلي، وما فرضه من وقائع ميدانية جعلت من تصور السلطة لـ «حل الدولتين» جزءاً من الماضي الآفل.
  • والقدس المحتلة باتت بموجب صفقة القرن، عاصمة لدولة إسرائيل، تعتبر إسرائيل أن اعتراف الولايات المتحدة بها، أسبغ عليها الشرعية، وبالتالي، لن يستطيع أي مفاوض في ظل موازين القوى، أن يعيد القدس إلى طاولة المفاوضات، وحتى ولو أعادها، فلن يستطيع أن يلغي القرار الأميركي، بالاعتراف بها عاصمة لإسرائيل. ولن يستطيع أن «يساوم» سلطات الاحتلال على «حل ما» للقدس، يتيح للسلطة موطيء قدم داخل حدودها الإدارية المعترف بها في إسرائيل عاصمة للدولة.
  • أما إسرائيل نفسها، فقد باتت دولة يهودية بموجب قانون أساس «إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي»، وبات هذا القانون، هو مرجعية البت بمصير الأرض المحتلة، لدى إسرائيل، وليس أية مرجعية أخرى. ولا يملك المفاوض الفلسطيني، في ظل موازين القوى الحالية، أن يقنع نتنياهو أن يتراجع عن شعاره في وصف المناطق المحتلة بقوله: «هذه أرضنا.. هذا بلدنا».
  • والاستيطان، منذ العام 2014 وحتى الآن قفز قفزات مجنونة، تحول عبر سلسلة من الإجراءات الميدانية والقانونية (بموجب الأجندة الإسرائيلية) إلى ضم زاحف، لن توقفه المفاوضات، بل ربما ستدفع نحو تسعيره في محاولة إسرائيلية لكسب الوقت. فضلاً عن أن المفاوضات لن يكون بإمكانها أن تلغي أياً من الوقائع الميدانية التي بنتها سلطات الاحتلال وأن تعيد الزمن إلى الوراء.
  • والرهان على الإدارة الأميركية الجديدة هو رهان على المجهول، فلا تكفي وعود نائبة الرئيس كامالا هاريس، ولا وعود وزير خارجيته بلينكن، لتشكل أساساً كافياً للإدعاء أننا سنكون أمام إدارة أميركية جديدة تلغي كل ما أقدمت عليه الإدارة السابقة من خطوات وإجراءات في دعم الجانب الإسرائيلي، وتهميش الجانب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
  • كما أن ميزان القوى العربي، بات شديد الإختلال لصالح الجانب الإسرائيلي، بعد خطوات التطبيع والشراكة بين عدد من العواصم العربية وإسرائيل، الأمر الذي جعل من بعض الأطراف العربية «حليفاً» لإسرائيل، وبعضها الآخر أقرب إليها في موقفه السياسي من القضية الفلسطينية، خاصة وأن هذه العواصم شرعت في عقد اتفاقيات ومعاهدات وتفاهمات عملية مع الجانب الإسرائيلي، بينما لازال «دعمها» للقضية الفلسطينية لا يتجاوز في أحسن الأحوال البيانات الإعلامية.
  • وأخيراً وليس آخراً، لا يغيب عن البال هشاشة الوضع الفلسطيني الداخلي، إن في إطار م.ت.ف، التي تعيش مؤسساتها حالة شلل، أو في إطار السلطة الفلسطينية التي تغرق في الملفات الإقتصادية والأمنية والإدارية والمالية، والتي لم توفر لها حتى الآن حلولاً مقنعة ما أدى إلى إضعاف هيبة السلطة في أعين المواطنين، عَبَّرَ ذلك عن نفسه بالأحداث المتواترة التي تشهدها الضفة الفلسطينية بين فترة وأخرى.
  • كذلك مازال الانقسام جرحاً يستنزف الجسد الفلسطيني، ويشوه صورته أمام الآخرين، ويضعف قدرته على استقطاب التأييد الرسمي والشعبي معاً، دون أن يغيب عن البال أن الذهاب إلى المفاوضات في ظل غياب التوافق الوطني، من شأنه أن يعمق الإنقسام والتشققات والخلافات السياسية بين الفصائل الفلسطينية وفي الشارع السياسي، طبقاً للإصطفافات السياسية والفصائلية.

 أثبتت الوقائع الميدانية التي تحققت مع مسار 19/5/2020 وتداعياته، وصولاً إلى اجتماع الأمناء العامين في 3/9/2020، أن تجاوز اتفاق أوسلو، والتحلل، والتحرر من قيوده، والانفكاك عن بروتوكول باريس، واعتماد وثيقة الوفاق الوطني، واطلاق المقاومة الشاملة بما في ذلك المقاومة الشعبية، تحت رعاية وتوجيه القيادة الوطنية الموحدة، وانجاز وثيقة وطنية للمواجهة الشاملة، وإنهاء الإنقسام، هو الطريق، في ظل الموازين الحالية والظروف السائدة، نحو شق مسار وطني للقضية الوطنية، تستعيد عبره، موقعها في المعادلات الإقليمية والدولية، حركة تحرر وطني لشعب تحت الإحتلال، تشكل قرارات المجلس الوطني في دورته الأخيرة سلاحها وغطاءها الشرعي، وصولاً إلى موازين قوى تمكن من فرض الشرعية الدولية أساساً للحل، وعلى قاعدة البرنامج الوطني (البرنامج المرحلي) بأركانه المعروفة.

وهذا ما يجب أن يشكل الموضوع الرئيسي على جدول أعمال الحركة الوطنية بفصائلها المختلفة لقطع الطريق، عبر الحوار والضغط الشعبي، أمام إنزلاق القيادة الرسمية مرة أخرى نحو كوارث سياسية تبدو جليَّة وواضحة لكل من يقرأ التطورات والتوقعات اللاحقة

29/12/2020

 

 

 

ملحق1

مقترحات (معايير) كلينتون لاتفاق سلام

بين إسرائيل والفلسطينيين – 23/12/2000([1])

[..] اللاجئون

أشعر بأن الخلافات تتعلق بدرجة أكبر بالصياغات وبدرجة أقل بما يجري على مستوى عملي.

أعتقد بأن إسرائيل مستعدة للاعتراف بالمعاناة المعنوية والمادية التي تَعَرَّضَ لها الشعب الفلسطيني نتيجة لحرب 1948 وبالحاجة إلى تقديم المساعدة للمجتمع الدولي في معالجة المشكلة.

ينبغي إنشاء لجنة دولية لتنفيذ كل الجوانب التي تنجم عن إتفاقكم: التعويض، إعادة التوطين، إعادة التأهيل، إلخ..

إن الولايات المتحدة مستعدة لأن تقود جهداً دولياً لمساعدة اللاجئين.

الفجوة الأساسية تدور حول كيفية التعامل مع مفهوم حق العودة. أعرف تاريخ القضية وكم سيكون صعباً بالنسبة إلى القيادة الفلسطينية أن يبدو أنها تتخلى عن هذا المبدأ.

لم يكن باستطاعة الجانب الإسرائيلي أن يقبل بأية إشارة إلى حق في العودة ينطوي على حق للهجرة إلى إسرائيل من غير اعتبار لسياسات إسرائيل المستقلة في ما يتعلق بدخول أراضيها أو موافقتها أو بطريقة من شأنها تهديد الطابع اليهودي للدولة.

إن أي حل يجب أن يعالج احتياجات كلا الطرفين.

الحل يجب أن يكون منسجماً مع مقاربة الدولتين التي قبلها الطرفان كلاهما لإنهاء النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي: دولة فلسطين كوطن للشعب الفلسطيني، ودولة إسرائيل كوطن للشعب اليهودي.

وبموجب الحل على أساس الدولتين، ينبغي أن يكون المبدأ المرشد هو أن الدولة الفلسطينية ستكون نقطة الإرتكاز للفلسطينيين الذين يختارون أن يعودوا إلى المنطقة من دون استبعاد أن تقبل إسرائيل بعض هؤلاء اللاجئين.

أعتقد بأننا نحتاج إلى تبني صياغة بشأن حق العودة توضح أن ليس هناك حق محدد في العودة إلى إسرائيل نفسها ولكنها لا تلغي تطلع الشعب الفلسطيني للعودة إلى المنطقة.

في ضوء ما تقدم أقترح بديلين:

1- يعترف الجانبان كلاهما بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى فلسطين التاريخية، أو...

2- يعترف الجانبان كلاهما بحق اللاجئين في العودة إلى وطنهم.

سيحدد الإتفاق تنفيذ هذا الحق العام بطريقة تتوافق مع الحل القائم على أساس دولتين، وسيحدد المواطن الخمسة المحتملة للاجئين: 1- دولة فلسطين؛ 2- مناطق في إسرائيل ستنتقل إلى فلسطين ضمن تبادل الأراضي؛ 3-إعادة تأهيل في الدولة المضيفة؛ 4- إعادة توطين في دولة ثالثة؛ 5- الإدخال إلى إسرائيل.

سيوضح الاتفاق في سياق تعداد هذه الخيارات أن العودة إلى الضفة الغربية، وقطاع غزة، والمناطق التي تتم حيازتها ضمن تبادل الأراضي ستكون حقاً لجميع اللاجئين الفلسطينيين.

هذا بينما سيعتمد التوطين في البلدان المضيفة، وإعادة التوطين في بلدان ثالثة والاستيعاب داخل إسرائيل على سياسات تلك البلدان.

تستطيع إسرائيل أن توضح في الاتفاق إلى أنها تعتزم إعتماد سياسة يتم بموجبها إستيعاب بعض اللاجئين في إسرائيل بما يتفق مع قرار إسرائيل السيادي.

أعتقد بأن الأولوية يجب أن تعطى للاجئين في لبنان.

يوافق الجانبان على أن هذا هو تنفيذ للقرار 194

 

ملحق 2

نص رسالة السلطة الفلسطينية([2])

إلى «الرباعية الدولية» حول اتفاق السلام – حزيران/ يونيو2020

 

  • نعيد تأكيد موقفنا الثابت بأن السلام الشامل والعادل يتمركز في حل الدولتين على 1967، بناء على القانون الدولي الذي تمت ترجمته إلى اتفاقات ومرجعيات محددة، التي التزمنا بها في خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، والتي تجسدت بقرار مجلس الأمن رقم 1515 ومازالت تمثل خيارنا الاستراتيجي، بأن دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية، ستعيش إلى جانب دولة إسرائيل بسلام ضماناً للتعاون الإقليمي لصالح الأمن والتطور للجميع.
  • نؤكد التزامنا بالقانون الدولي وبمرجعية قرارات مجلس الأمن بما يتعلق بحل قضايا الصراع، بما في ذلك القرار 242/338، وقد حددت اتفاقيات أوسلو إن الهدف من عملية السلام هو لتنفيذ هذين القرارين بالشروط المتفق عليها كمرجعية للطرفين متضمنة الاعتراف الثنائي والمتبادل بين دولة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
  • مع الأخذ بالاعتبار بأن كلا الطرفين قد اتفق على مفاوضات ثنائية في إطار إعلان مباديء بشأن الحكم الذاتي للمرحلة المؤقتة، في سياقه يشكل الفلسطينيون سلطة إدارة ذاتية في غزة والضفة الغربية لمدة خمس سنوات، وبحيث يتم الاتفاق على قضايا الحل الدائم، في موعد لا يتجاوز العام 1999، بما يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في 4 حزيران/ يونيو عام 1967.
  • حسب اتفاقات المرحلة الانتقالية، لا يحق لأي من الطرفين أن يقوم بإجراء أحادي من شأنه أن يغير الوضع في الضفة الغربية وغزة باعتبارها وحدة إقليمية واحدة، ولن يقوم بأي خطوة تؤثر على حل القضايا الجوهرية، (الحدود، الأمن، المياه، القدس، الأسرى، اللاجئون ...) بانتظار نتيجة المفاوضات والتوصل إلى معاهدة سلام.
  • مع التذكير أن اتفاق أوسلو نص على آلية تفصيلية لانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكما هو منصوص عليه بالبند رقم (5) من اتفاق المرحلة الانتقالية عام 1995، حيث نص على أن يدخل كلا الطرفين في مفاوضات حول الوضع النهائي، للتفاوض على ما ورد أعلاه لتسوية شاملة لجميع القضايا وتوقيع معاهدة السلام.
  • مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الاستيلاء على الأراضي بالقوة هو انتهاك للشرعية الدولية، فإن الحكومة الإسرائيلية تواصل انتهاك مباديء النظام العالمي وجميع مواثيق الأمم المتحدة ذات الصلة، والقرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والاتفاقات الموقعة، ومواصلة تعزيز سياساتها الاستيطانية، بهدف قطع الطريق على قيام دولة فلسطينية مستقلة.
  • تجدر الملاحظة هنا بأن اتفاق المرحلة الانتقالية الموقع في 1995 بين الطرفين قد أقر بأن يكون للسلطة الفلسطينية كامل السيادة الجغرافية والأمنية على الضفة الغربية وقطاع غزة باستثناء القدس، الحدود، المستوطنات، ومواقع الجيش المحددة التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع النهائي.
  • وفقاً لإعلان المباديء، أجرينا انتخابات وطنية ديمقراطية حرة في الأعوام 1996/2005/2006 لمجلسنا التشريعي وللرئاسة في قطاع غزة، والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، كوحدة إقليمية جغرافية واحدة (الارتباط الاقليمي بين الضفة الغربية وقطاع غزة) قررنا أن نجري انتخابات جديدة كوسيلة أساسية لاستعادة الوحدة الفلسطينية وبناء سلطة ودولة، ذات سيادة كاملة، وسلطة واحدة وقانون واحد وسلاح شرعي واحد.
  • بهذا الخصوص، تجدر الملاحظة أن المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي قد قطعت شوطاً طويلاً خاصة مع مفاوضات أبو مازن - أولمرت حول قضايا الوضع الدائم. ضمن هذا السياق نعبر عن استعدادنا لاستئناف المفاوضات الثنائية من حيث انتهت.

لا أحد يستفيد أكثر من الفلسطينيين من تطبيق معاهدة السلام ولا أحد سيخسر من غياب السلام أكثر من الفلسطينيين، ولهذا السبب قطعنا شوطاً طويلاً في المفاوضات مع نظرائنا الإسرائيليين حول جميع قضايا الحل الدائم كالآتي:

1- الحدود

بالإشارة إلى قرارات الأمم المتحدة التي نصت على حدود 4 من حزيران/ يونيو 1967، نحن على استعداد للتعامل مع التعديلات الطفيفة المتفق عليها بشكل متبادل من حيث الحجم والقيمة. مع صون التواصل الإقليمي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، آخذين بعين الاعتبار مصالح كلا الطرفين.

2- الأمن

مع الأخذ بالاعتبار احتياجات ومخاوف كلا الجانبين، نواصل التزامنا بالتنسيق الأمني الثنائي. نوافق أن يكون لدينا دولة منزوعة السلاح، وبقوات شرطة قوية لضمان القانون والنظام، ومستعدون لقبول تفويض طرف ثالث بقرار من مجلس الأمن للأمم المتحدة للتواجد في دولة فلسطين لضمان تنفيذ اتفاق السلام بشأن الأمن والحدود. نوافق أن يقوم بهذه المهمة حلف شمال الأطلسي باعتباره الطرف الثالث ممثلاً القوات الدولية شريطة ألا يكون هناك تواجد عسكري أو مدني لإسرائيل في دولة فلسطين. سيكون لدولة فلسطين كامل السيادة على أجوائها ومياهها وشواطئها الساحلية ومعابرها الدولية، ومرافئها.

تجدر الإشارة إلى أننا وقعنا 84 اتفاقية أمنية مع دول مختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة الإرهاب الدولي بغض النظر عن مصدره أو أسبابه، والمساهمة بالأمن العالمي (الدولي)، نحن على استعداد لمتابعة تعاوننا الإقليمي والدولي في هذا الميدان.

3- القدس

كما هو منصوص عليه في مباديء الإعلان فإن القدس هي من القضايا المحورية للتفاوض حول الحل الدائم حيث أن القدس الغربية ستكون عاصمة إسرائيل، والقدس الشرقية عاصمة فلسطين، علاوة على ذلك، فإن عاصمتنا القدس الشرقية يمكن أن تكون مفتوحة ونحن نضمن حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة والاحترام الكامل لكافة الأديان.

4- المستوطنات

تعتبر المستوطنات غير قانونية تبعاً للقانون الدولي، وانتهاكاً لقرارات الأمم المتحدة، بما فيها قرار مجلس الأمن رقم 2334-2016. وكما ذكرنا سابقاً بأنه على الطرفين ألا يتخذا إجراءات أحادية بما في ذلك بناء المستوطنات والضم بغرض فرض الأمر الواقع على الأرض.

5- اللاجئون

إنه من الضروري إيجاد حل عادل وشامل لقضية اللاجئين، مبني على مبادرة السلام العربية - 2002، والتي نصت على «حل عادل ومتفق عليه لقضيته اللاجئين بناءً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194».

6- المياه

سيتم حل القضايا المتعلقة بالمياه، السطحية والجوفية بما في ذلك حوض نهر الأردن، البحر الميت، ومخزون المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة على أساس القانون الدولي والذي سيضمن حقوقنا في البحر الأبيض المتوسط.

7- الأسرى

قبل التوقيع على معاهدة السلام، نشدد على مبدأ إطلاق سراح جميع الأسرى من السجون الإسرائيلية، بما في ذلك الدفعة الرابعة من الأسرى لما قبل أوسلو. وبما أن المجتمع الدولي يواجه تحديات مرض كورونا المستجد 2019، فإننا نطالب بالإفراج الفوري عن كل المعتقلين السياسيين، والمرضى منهم، إضافة إلى النساء والأطفال وكبار السن، مؤكدين على أن كل  السجناء الفلسطينيين سيتم إطلاق سراحهم بدون شرط فور توقيع معاهدة السلام.

في الختام

 ندعو أعضاء اللجنة الرباعية الدولية إلى عقد مؤتمر دولي بحضور أعضاء الرباعية وآخرين، من أجل إعادة استئناف المفاوضات الثنائية المبنية على القانون الدولي، والاتفاقيات للموقعة وبشروط مرجعية متفق عليها، واضحة وبسقف زمني محدد لا يتجاوز العام الواحد، مع ضمان عدم قيام أي طرف بأفعال غير مشروعة أو أحادية كالاستيطان والضم.

بالتالي، إذا قامت إسرائيل بضم أي جزء من الأرض الفلسطينية، فهذا يعني بالضرورة إلغاء جميع الاتفاقات الموقعة.

نحن نعلن هنا بوضوح، بأن جميع الاتفاقيات الثنائية والتفاهمات مع دولة إسرائيل والولايات المتحدة ستكون لاغية وباطلة،  وجميع قضايا الوضع النهائي المذكورة أعلاه للتوصل إلى سلام تاريخي ستكون خارج الطاولة، إذا قامت إسرائيل بضم أي جزء من الأراضي الفلسطينية من جانب واحد■

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1])) راجع هذه المقترحات بالنص الكامل، ص 112-116 من كتاب «السور الواقي» الصادر عن «شركة التقدم العربي - بيروت»، و «الدار الوطنية الجديدة - دمشق»، ط1: آب (أغسطس) 2003.

[2])) عن مجلة «الحرية» العدد 1780، تاريخ 5-11/7/2020.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت