- اللواء د. محمد أبوسمره ــ مؤرخ ومفكر فلسطيني/ عربي ، رئيس مركز القدس للدراسات والإعلام والنشر ــ فلسطين
ناقش الاتحاد الأوروبي في اجتماعه الأخير، ورقة بعنوان (أجندة أوروبية ـــــ أميركية من أجل تغيير عالمي) تحدد استراتيجية الشراكة الجديدة مع الولايات المتحدة، واعتمادها كرؤية أوروبية جديدة للعلاقة مع الولايات المتحدة، واقترحت بروكسل عقد قمة أميركية ــــــ أوروبية في النصف الأول من العام 2021، لإعادة التأكيد على قوة العلاقة الاستراتيجية بين الشريكين والحليفين عبر الأطلسي.
وتبنى المجلس الأوروبي بياناً حدد فيه الخطوط الرئيسة للعلاقات المستقبلية بين بروكسل وواشنطن، وشدد البيان على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، من أجل الوصول إلى الامكانات الكاملة للشراكة عبر الأطلسي، ودعا المجلس الأوروبي الرئيس بايدن إلى العمل "معا" للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، ووصفه، بأنَّه ( ركيزة أساسية للهيكل العالمي لعدم إنتشار الأسلحة النووية، ويجب تعزيز إنجازات الاتفاق النووي، وتضمينه تحديات مستقبلي، وستجتمع الدول التي ما زالت موقعة على الاتفاق النووي "ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وإيران" في فيينا، لمناقشة مستقبل الاتفاق).
ويبذل الأوروبيون قصارى جهودهم لإقناع طهران بالعودة للاتفاق النووي، مقابل عودة واشنطن للانضمام إليه مجدداً، ورفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب، وتتزايد الدعوات البريطانية والألمانية والفرنسية لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، وتستعد أوروبا للاتفاق على استراتيجية جديدة تشمل رؤيتها من الملف النووي الايراني، لعرضها على إدارة الرئيس بايدن، ونشر دبلوماسيون أوروبيون رسالة مشتركة على موقع (المعهد الأوروبي للعلاقات الدولية)، تدعو لعرض خريطة طريق واضحة على إدارة بايدن للعودة للاتفاق النووي.
ويتوزاى التقاطع الأوروبي ــــ الأميركي حول (إيران والاتفاق النووي)، مع تقاطع آخر حول (تركيا والعقوبات المزدوجة عليها) ، ووقع مؤخراً في هذا السياق تطوران هامان :
ـــــ التطور الأول: قررت قمة الاتحاد الأوروبي تشديد العقوبات ضد تركيا بسبب أعمالها بالتنقيب في البحر المتوسط، ولكنَّه أجّل تطبيق العقوبات حتى شهر مارس/آذار 2021، وأمهل تركيا لتغيير موقفها بشأن التنقيب في المتوسط وحل المشاكل العالقة مع اليونان واستئناف المفاوضات معها، وتفعيل مسار القضية القبرصية وإعادة إطلاق المفاوضات حول التسوية فيها برعاية الأمم المتحدة، وأبلغ رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هاتفياً بقرار القمة الأوروبية، ودعاه للحوار، وأكد له على ضرورة خفض التصعيد في البحر المتوسط.
التطور الثاني: رغم المحاذير التي تفرضها القوانين الأميركية، وبعد سنوات من المماطلة وتجاهل ضغوط (الكونغرس)، قرر دونالد ترامب فرض عقوبات على تركيا، لعدم تراجعها عن صفقة شراء منظومة (إس 400) الروسية للدفاع الصاروخي، ومنعت وزارة الخارجية الأميركية التعاملات مع هيئة المشتريات العسكرية التركية ورئيسها وثلاثة من كبار المسؤولين، مما ينذر بتدهور في العلاقات بين البلدين قبل تسلُّم الرئيس المنتخب جو بايدن لمهامه، الذي لديه هو الآخر أيضًا سياسة متشددة تجاه تركيا، وسيواصل ممارسة الضغوط عليها. ويعتبر قرار ترامب بمثابة هدية لبايدن، ويمهد الطريق لإدارته تولي مهامها دون أن تكون في مسار تصادم مباشر مع أنقرة، وستتسب العقوبات الأميركية بضررٍ حقيقي للصناعات الدفاعية التركية، التي تعتمد بشكلٍ كُلي على الواردات الأميركية، خصوصاً أنَّه هذه الصناعات تطورت كثيراً وشهدت نقلةً نوعية كبيرة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، وارتفعت ميزانيتها من خمسة مليارات دولار في عام 2002 إلى 60 مليار دولار خلال العام 2020.
وتعتبر تركيا بالغة الأهمية لاستراتيجية الدفاع لحلف (الناتو)، ولكنها بحاجةٍ إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكثر من غيرها في مواجهة العزلة الإقليمية، حيث يواجه اقتصادها مصاعب وأزمات متزايدة، وقد تزامنت العقوبات الأميركية مع اختتام الاتحاد الأوروبي قمته، بالاتفاق على فرض عقوبات على الأفراد والكيانات الأتراك المرتبطين بالتنقيب في شرق البحر المتوسط، وسيظل نجاح بايدن فيما يتعلق بتركيا رهناً بقدرته على ممارسة المزيد من ضغوط عليها بالتعاون مع الأوروبيين. وشجب أردوغان العقوبات الأميركية، ووصفها بأنها هجوم صارخ على حليف في الناتو، وأعلنت الخارجية التركية رفض وإدانة قرار الولايات المتحدة، معتبرةً الخطوة "خطأً جسيماً"، وأكدت أن تركيا ستتخذ الإجراءات التي تراها ضرورية لحماية أمنها القومي، ومواصلة الطريق بتطوير الصناعات الدفاعية المحلية رغم العقوبات الأميركية. وأكد قادة الاتحاد الأوروبي إنهم سيقوموا بالتنسيق مع البيت الأبيض قبل اتخاذ قرار بشأن عقوبات أشد، مثل حظر الأسلحة، في قمتهم المقبلة في آذار/ مارس2021، وفي حال اتفاق بايدن وأردوغان بحلول ذلك الوقت على خطة لرفع عقوبات، فقد يعود الاتحاد الأوروبي مرة أخرى إلى مسلك أكثر ليونة تجاه تركيا، وإن لم يحدث ذلك فستأخذ الأمور منعطفًا أكثر سوءاً...
وتعتبر منظومة الدفاع الجوي الروسية(إس 400)، التي أثارت صفقة شراء تركيا لها غضب الولايات المتحدة وأوروبا، أكثر تفوُّقاً من المنظومة الروسية السابقة(إس 300)، في الأداء والقدرات، وهي منظومة دفاع جوي بعيد المدى، بينما (إس 400)، الأحدث والأكثر تنوعاً وشمولاً، وبفضل أربعة أنواع مختلفة من الصواريخ، تستطيع ضرب الأهداف القريبة والبعيدة، ويمكنها أن تضرب في وقتٍ واحد80 هدفاً، و160 صاروخاً موجهاً.
وبالتوازي مع هذه المستجدات والمعطيات، أعلنت الولايات المتحدة يوم الخميس 17ديسمبر/ كانون أول2020، عن إستراتيجية بحرية لاستهداف ما أسمتها بـ"التحركات العدوانية" من الصين وروسيا للسيطرة على الممرات المائية الدولية الرئيسة، والتي ستنفذ بشكل مشترك بين القوات البحرية ومشاة البحرية وخفر السواحل، وأصدرت هذه القوات الأميركية تقريراً مشتركاً بعنوان (أفضلية في البحر)، جاء فيه:(تتفاعل قواتنا البحرية المنتشرة عالمياً مع السفن الحربية والطائرات الصينية والروسية يومياً، ونشهد بشكل مباشر تطورها المتزايد وعدوانيتها المتزايدة)، وتابع التقرير:(أفسح التفاؤل بأنَّ الصين وروسيا قد تصبحان قائدين مسؤولين يسهمان في الأمن العالمي)، وأوضح التقرير، أنَّ :(الطريق للاعتراف بأنهما منافسان قويان، والمجال البحري جزء لا يتجزأ ليس فقط لأمن الولايات المتحدة وازدهارها، إنَّما أيضاً لأمن جميع الدول، والاستراتيجية تلزم الولايات المتحدة بالعمل مع الدول الحليفة والشريكة لإبراز قوتها في الممرات البحرية المتنازع عليها لردع الخصوم المحتملين، وستنشر الولايات المتحدة في حالة اندلاع القتال غواصات هجومية وطائرات من الجيل الخامس وقوات استطلاع بحرية ومركبات آلية وغارات بحرية للتغلب على دفاعات العدو).
وكانت تعرضت مؤسسات عسكرية وأمنية واستراتيجية أميركية منذ شهر مارس/ آذار2020، وحتى منتصف شهر ديسمبر/ كانون أول2020 لخروقاتٍ سيبرانيةٍ مستمرة ومتواصلة وخطيرةٍ، استهدفت عدة وزارات وهيئات سيادية واستراتيجية، مما أدى إلى استنفار واسع للاستخبارات الأميركية، والتي كشفت أنَّ:(عملية التسلل إلإلكتروني، أصابت شبكات حكومية، وأضرت الحملة التي ماتزال متواصلة بالشبكات الإلكترونية داخل أجهزة الحكومة الفيدرالية، والوضع قابل للتطور، فيما نعمل على معرفة الحجم الكامل لهذه الحملة).
ونقل موقعُ (أكسيوس) عن مسؤولٍ أمريكي، قوله:(مازالت السلطاتِ الأمريكيةَ لا تعرفُ تفاصيلَ الهجماتِ الإليكترونيةِ وحجمَ الأضرارِ التي تعرضت لها العشراتُ من الوزراتِ والمؤسسات). بينما نقلَ موقعُ بوليتيكو (Politico) عن مسؤولينَ أميركيينَ آخرين، أنه:(جرى اختراقُ الإدارةِ الوطنيةِ للأمنِ النووي خلالَ الهجماتِ الإلكترونيةِ الأخيرة، ووقعت وزارة الأمن الداخلي المكلفة بحماية البلاد من هجمات إلكترونية، ضحية لحملة تجسس إلكتروني كبيرة من قبل الحكومة الروسية، بالاضافة الى التجسس على رسائل البريد الإلكتروني في وزارتي الخزانة والتجارة الأميركيتين).
وشكَّل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن السيبراني، وأمن البُنى التحتية ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية المرتبط بوزارة الأمن الداخلي، فريقاً موحداً للتنسيق فيما بينهم، بينما تعقد اجتماعات يومية في البيت الأبيض لاتخاذ الاجراءات المناسبة للرد على الحادث، وقطع مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض روبرت أوبراين رحلته إلى الشرق الأدنى وأوروبا، وعاد إلى واشنطن للنظر في تداعيات هذا الهجوم، وفتح مكتب التحقيقات الفيدرالي تحقيقاً لتحديد المسؤولين عن الاختراق ومتابعتهم، أما وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، فقد ألمح بتوجيه الاتهام إلى موسكو، وزعم بأنَّ :(الحكومة الروسية قامت بعدة محاولات متكررة لاختراق شبكات الحكومة الأميركية).
وكشفت مجموعة (مايكروسوفت)، إنَّ :(الطرق المستعملة في الهجوم تشير إلى مسؤولية جهة تتبع دولة، لكنها لم تحددها). واتهمت جريدة (واشنطن بوست) الأميركية، المجموعة الروسية (أي . بي . تي . تسع وعشرين)، وتعرف أيضا باسم(كوزي بير)، وتتبع أجهزة الاستخبارات الروسية، بالقيام بعمليات الإختراق والهجوم السيبراني، وزعمت الصحيفة أنَّه سبق لها أن اخترقت مواقع للإدارة الأميركية خلال فترة رئاسة باراك أوباما، وقالت السفارة الروسية في الولايات المتحدة، أنَّ: (محاولات الإعلام الأميركية اتهام روسيا بشن هجمات إلكترونية على هيئات حكومية أميركية لا أساس لها).
ويبدو أنَّ العام الجديد يحمل معه الكثير من التوترات والمفاجآت والاحتمالات على مستوى العديد من الملفات الرئيسة والهامة والساخنة على مستوى العالم ومستوى الإقليم والمنطقة، ورغم خطورة وحساسية الملفات التي تشعل الصراع في مختلف أنحاء العالم، ستبقى فلسطين أم القضايا، والقضية المركزية الكبرى على مستوى المنطقة والإقليم والعالم، الحاضرة في كافة التفاصيل، وكافة الأوقات وكافة الظروف، رغم المحاولات المستمرة من أعداء فلسطين والأمة لتغييبها وتصفيتها، وطالما أنَّ الشعب الفلسطيني المظلوم والصابر والمرابط لم يحصل على كافة حقوقه التاريخية ويقيم دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فإنَّ العالم أجمع لن يعرف الاستقرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موبايل / واتس أب ـــــ فلسطين 00970595611621
ـــــ البريد الإليكتروني [email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت