- اعادة صياغة: عماد عفانة
هذا المقال ليس رد على مقال القيادي في حماس غازي حمد الذي كان تحت عنوان "انتخابات حماس.. بين النمطية التقليدية والتجديد المطلوب"
بل هو تعديل وإعادة صياغة لذات المقال، مع حذف واضافة بعض الكلمات او العبارات فقط:
كي تصبح الانتخابات الديموقراطية التي يتميز بها نظام حركة المقاومة الاسلامية حماس الداخلي، خطوة على طريق تجديد الرؤى والسياسات لجهة اعتماد خطط وتحقيق انجازات, تنعكس ايجابيا على الوضع التنظيمي الخاص بها، كما على الحالة الوطنية الفلسطينية بشكل عام، بات لزاما على حماس أن تضع في الاعتبار توظيف فعال لأوراق القوة التي تمتلكها، كالقوة البشرية، والقوة العسكرية، والتنظيم الواسع, وقوة التصاقها بالجماهير، وتمسكها بالثوابت الوطنية، وتمترسها بقوة المقاومة المسلحة، وعلاقتها الممتدة بعدد من الانظمة والاحزاب والتيارات الاسلامية والوطنية، عند رسم استراتيجياتها وخططها بعيدة وقريبة المدى.
الأمر الذي سيؤهلها حتما للعب دور سياسي ووطني أكبر مما هي عليه الان, لجهة اصلاح وقيادة المشروع الوطني، واعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وتقديم بديل للمسار السياسي الفاشل والمأزوم الذي يقوده عباس على مدار ربع قرن.
ان تصويب الحالة الوطنية واعادة الاعتبار لمشروع التحرر ومعالجة الكوارث التي ألمت بالحالة الوطنية، يلزمها بنية تنظيمية قوية، وبنية وطنية متماسكة.
الاستراتيجية والرؤية الشمولية التي تتمتع بها حركة حماس، والذي توفره لها قياداتها المنتشرة في عدد من الساحات الداخلية - غزة، ضفة، سجون- وفي الساحات الخارجية – كثير من الدول العربية والأوربية والآسيوية-، واستعانتها بالخبراء من أبناء الأمة في شتى المجالات، فضلا عن آراء ونصائح كثير من محبيها المنتشرين حول العالم، أمر يحول دون وقوعها في شرك الأعداء الذين يحاولون اغراقها في مشاكل غزة، كما يمنع من استنزافها من الضغوط الآنية والظروف القاسية والمتقلبة.
ان حماس, وهي تستوي على سوقها الوطني, ليست بعيدة عن استخلاص العبر من المحطات الكثيرة- سواء الناجحة او الفاشلة - التي مرت بها, وهي ترسم مسارها الوطني والسياسي بثبات واحكام متقن.
انتخابات متجددة
منذ 33 عام وحركة حماس تجري انتخابات دورية، تفرز العديد من الهيئات والقيادات السياسية المتتالية, وكي لا تصبح هذه الهيئات روتينية، ولكسر تابوهات التقليد الذي دأبت عليه منذ سنوات، ولإحداث تغييرات جذرية على مستوى النهج التنظيمي بكل تفرعاته ونشاطاته, كما على مستوى اصلاح الحالة الوطنية بشكل عام, بات ينبغي على حماس:
البحث في امكانية اعتماد نظام آخر أكثر انفتاحا للقاعدة الانتخابية على المرشحين كالمؤتمر العام على سبيل المثال.
واضافة مسار النهوض بوعي صفها التنظيمي سياسيا وفكريا وثقافيا، الى جانب مسار مراكمة القوة البشرية والعسكرية للحركة.
بالإضافة الى تقوية جهازها الرقابي، ومنحه مزيد من الصلاحيات الكفيلة بمنع بعض الشوائب من أن تعلق بانتخاباتها الديمقراطية التي يغبطها عليها الأخرون, كي لا تنغص حلاوتها أو تضيع بهجتها.
حماس لا ينقصها العلماء أو الخبراء، كما لا تنقصها الحكمة لالتقاط كل نصح على طريق التطور والنهوض، الأمر الذي يشجعنا على الأمل بأن تغير حماس النمطية التقليدية التي تحصر نتائج الانتخابات في اختيارات وخيارات محدودة، كي لا يتم الاستمرار في فرز الاعضاء والقيادات حسب مفاهيم تنظيمية روتينية, بل فرزهم بناء على الحالة الوطنية، وبناء على درجة الوعي السياسي, وبناء على الكفاءة والمهارة الادارية والمهنية. الأمر الذي يلزم معه منح الاعضاء القدرة على التواصل والانفتاح وتنقيح القيادات والمواقف, وعدم حصر الاختيار في مناطق جغرافية محدودة.
الأمر الذي سيفتح حتما باب التنافس الابداعي بين الاعضاء في طرح الرؤى والافكار, والمزاحمة في اصلاح الوضع الحركي, و المدافعة في اجتراح معالجات وطنية ذات جدوى.
مما سيخرج الانتخابات حتما مما يؤخذ عليها كونها نمطية تضمن تكرار القيادات وتكرار العمل والنشاط التنظيمي دون ان يترجم ذلك الى تغيير حقيقي وملموس.
ان الانفتاح الذي باتت تشهده قاعدة حماس بحكم تعاملها مع الافق المفتوح لمواقع التواصل الاجتماعي، سيساهم في تسريع توعيتها وتثقيفها سياسيا، وتنويع ثقافتها لجهة خلق تجربة ناضجة في ادارة الحكم والدولة، ومعالجة القضايا السياسية الكبرى بمهنية واحتراف, يصقله النقاش المفتوح وتبادل وتنقيح الآراء والخيارات والبدائل.
إن اعادة تأهيل قاعدة حماس – فكريا وسياسيا- هي نقطة قوة في خلق حركة متجددة ذات ابداع وذات مساهمة اكبر في الشأن العام.
وباتت فكرة توسيع دائرة الوعي والتفاعل يقودها كوادر فاعلة في التنمية البشرية في حركة حماس، الأمر الذي تدل عليه صالوناتها السياسية المنتشرة في مناطقها الكبرى والفرعية على حد سواء .
تجنب الغرق في التفاصيل
أحسنت حماس عندما جنبت قيادتها السياسية من الغرق في تفاصيل ومشاكل الحياة اليومية, وأسندت هذه المهمة الى لجنة حكومية من وكلاء الوزارات، ما منح قيادة حماس القدرة على التفكير الاستراتيجي، ورسم خطط مستقبلية محكمة في معالجة الكوارث الوطنية، وادارة الصراع مع الاحتلال من خلال رؤية شمولية، جنبها الانسياق وراء خيارات ليس من صناعتها ولا من تدبيرها, أو دفعها لتقديم تنازلات لا تحقق الاهداف المرجوة.
على سبيل المثال لا الحصر, فان مجاراة عباس لإجراء الانتخابات سواء متزامنة او غير متزامنة, باعتبارها مدخلا لمعالجة الوضع الوطني المترهل، مكن حماس من جر مختلف القوى والفصائل الأخرى إلى مربعها، وعزلت في المقابل حركة فتح عباس التي ما تلبث تضع العراقيل والشروط.
وسواء نفذت الانتخابات ام لم تنفذ فإنها لن تكون أكثر سوءً من مأزق الحالة الوطنية ذاتها, فمجاراة حماس لعباس يساهم في توفير الارضية الصلبة التي يجب ان نقف عليها لتحقيق الاجماع الوطني لصالح برنامج سياسي يضمن اصلاح منظمة التحرير.
وما خطاب هنية الأخير والذي كشف فيه عن رسالته لعباس ورسالة عباس الجوابية، حول الالتزام بإجراء الانتخابات بصورة متتالية خلال ستة أشهر بضمان عدد من الدول الكبيرة، إلا خطوة على طريق سحب الذرائع، وخطوة على طريق تشجيع عباس على اتخاذ قرار اجراء الانتخابات بمعزل عن التأثيرات والضغوط الخارجية.
فيما يصنف البعض رسالة هنية لعباس بالخطوة الذكية في وقت حساس وخطير، يقف فيه الاقليم على اعتاب حرب اقليمية، وكأن حماس تريد التحزم بالرؤية الاستراتيجية والالتفاف الوطني والخيارات الواقعية لحماية غزة تحت مظلة الاجماع والاتفاق الوطني من تأثيرات وشواظ هذه الحرب المتوقعة، ما قد يؤهل حماس لحمل لواء المبادرة وتجسيد الحالة الثورية الكفاحية وحماية الكينونة الفلسطينية .
ارتباط الانتخابات بالحالة الوطنية
ان الانتخابات الداخلية سمة مميزة للحركة, بحيث يمكن اعتبارها انجاز يُتغنى به ويصب في صالح تحصين الثمرة الحقيقية للانتخابات.
لسنا في اجواء مستقرة كي تخرج حماس بشكل كلي من النمطية التقليدية التي حمتها حتى الان من التأثيرات والتدخلات الخارجية المعادية، وفي ذات الوقت يتوجب على حماس كحركة شعبية ووطنية ذات بعد وامتداد عربي واسلامي أن تنفتح انفتاح عاقل منضبط يأخذ في الاعتبار كل المحاذير الامنية المتوقعة، كي تبقى الحركة قوية ومتماسكة وغير قابلة للانشقاق, لكن في ذات الوقت كي تصبح الحركة علامة فارقة في حياة شعبنا الفلسطيني كما في حياة الأمة، ومنارة وعنوان لكل القوى الثورية والمناضلة، وهي ترسم طريقة آمنة لممارسة الديموقراطية الثورية رغم أنف حراب الاحتلال على طريق التحرر والانعتاق.
لم تعد حماس كحركة واسعة ملك لنفسها، بل ملك للشعب الذي أحبها ومنحها الثقة، وملك للأمة التي تعتبرها رأسها حربتها في مواجهة عدو الأمة، الأمر الذي بات معه الانفتاح وزيادة الوعي، وتحويل الانتخابات الى حلبة تنافس فكري وسياسي وساحة استعراض للمنجزات, بعيدا عن الشعارات الفضفاضة, ليس ترفا ولا اختيارا، بل واجبا يفرضه موقع وواقع الحركة وتمددها المضطرد.
الأمر الذي قد يسهم حتما برفد الحركة بدماء جديدة، وقدرات مبدعة وخلاقة، في صناعة نهضة حركية فلسطينية وعربية حقيقية في جميع النواحي, الفكرية والسياسية والادارية.
لذلك فان انتخابات الحركة يجب ان ترتبط ببعدين مهمين: الاصلاح الحركي, والقدرة على ترميم الحالة الوطنية بل والعربية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت