الرسوم الجامعية تقهر الطلاب وذويهم

بقلم: سلامه ابو زعيتر

سلامه أبو زعيتر
  • د. سلامه أبو زعيتر
  • عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين

المتابع لحالة الطلبة وذويهم وما يعانوه من الإجراءات الجامعية في تحصيل الرسوم، وتكاليفها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، والتي يعاني منها كافة القطاعات والفئات الاجتماعية، يجد أن هذه القضية بما لها من أبعاد وانعكاسات على الطلبة والأهالي؛ يحتاج لوقفة جادة ومسؤولية وطنية واجتماعية وخصوصية لمراعاة الواقع والمستجدات، ومع انتشار فايروس كورونا (كوفيد19) وتداعياته على كل المناحي الحياتية، وما ترتب على إعلان حالة الطوارئ وتكرار الإغلاق والحجر الصحي، وما تسبب في انتقال العدوى بشكل كبير ومعاناة للمصابين وما أثر ذلك على العمال، ومحدودي الدخل، والموظفين، وأصحاب المشاريع الصغيرة والكبيرة، فحال الاقتصاد لا يخفى على أحد ما آلت إليه الأوضاع، فإقتصادنا الفلسطيني بالأساس هش، ولا يحتمل تداعيات هذه الأزمة ونتائجها مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتي تزيد عن 54%، وحسب الإحصاءات يعيش أكثر من 85% من شعبنا في غزة تحت خط الفقر وهم بحاجة لمساعدات لتعزيز صمودهم،...

 في ظل هذا الواقع المرير لا يجوز أن تستمر الجامعات والمعاهد والكليات بنفس سياساتها وإجراءاتها في الحالات الطبيعية، برغم  هذه الظروف وما طرأ من متغيرات على نظام التعليم للوقاية في مواجهة كورونا ليتحول إلى تعليم المدمج والافتراضي، الذي يعتمد على التقنيات الإلكترونية والوسائل الحديثة والرقمية، وهذا النظام يتحمل الجزء الكبير من أعبائه الطلاب وذويهم، لاعتماده على الطلاب بالدراسة المنزلية، والتي تحتاج لتوفير إمكانيات وتقنيات وأجهزة تناسب النظام الجديد، ورغم ذلك الجامعات مازالت متمسكة برسومها المرتفعة، والتي لا تناسب واقعنا الفلسطيني، وأساليبها في الضغط لتحصيل الرسوم والتي تمس وتحرج ذوي الطلبة في ظل فقرهم وقلة حيلتهم، فالأصل أن الجامعات مؤسسات وطنية خدماتية وتعليمية، وليست نظام رأسمالي ربحي منفعي يعاظم أرباحه على حساب الناس ووجعهم، وهنا يجب إعادة الحسابات والاندماج والتشارك مع الحالة الوطنية والتعاون لتخطي الأزمة، لا استخدام مزيد من أساليب القهر والتعذب لشبابنا وذويهم بممارسات تحرمهم الحق بالتعليم، وهو مكفول بالقانون، والواجب أن يكون مجاني ومتاح للجميع على قدر إمكانياته بعدالة، ولتسليط الضوء أكثر على القضية، ساستعرض بعض الإشكاليات والتحديات التي يعاني منها الطلبة وذويهم مع الجامعات وهي :

-        رسوم الجامعات في العديد من التخصصات عالية، وتكاليفها فوق قدرات الأهالي وتحتاج لتخفيض بنسبة لا تقل عن 30%.

-        التعليم الافتراضي والمدمج يكلف الطلبة والأهالي جهد ومصاريف وتكاليف عالية منها توفير الأجهزة والتقنيات والإنترنت والكهرباء، وهذه التكاليف يتحملها الأهالي، والجامعات مازالت على وضعها بالنسبة للرسوم ومتطلباتها.

-        لم تعالج الجامعات ما يترتب على التعليم الافتراضي من إشكاليات فيما يتعلق بالتحصيل الدراسي، ومتابعة الطلبة بشكل دقيق وإنصافهم بعدالة مقابل جهودهم أو منحهم العلامات التي يستحقونها بعيداً عن المزاجية بدون تصحيح حقيقي لامتحاناتهم.

-        الجامعات ما زالت تلزم الطلبة وذويهم بدفع الرسوم الثابتة، برغم عدم دوامهم بالجامعات ولا يستفيدون من الخدمات الجامعية التي يدفعون مقابلها.

-        هناك تمييز بين الطلبة في الرسوم بالنسبة لبعض المواد، فتجد طالب من تخصص علمي على سبيل المثال: يختلف بدفع قيمة الساعة والرسوم عن طالب بتخصص أخر بالرسوم لنفس المادة وهذا تمييز واضح.

-        إغلاق المودل على الطلبة في بداية كل شهر، وبشكل عشوائي، ومزاجي لضغط الطلاب وذويهم وأحياناَ يصادف ذلك تزامن امتحانات أو تسليم تعيينات، وهذا الإجراء عقاب جماعي وأسلوب يمس بكرامة الطلبة وذويهم ويحرجهم.

-        بعض الجامعات تضع رسوم ثابته لسعر الدينار يتحملها الطلاب وذويهم، لحماية سعر الدينار لصالح الجامعة .

-        بعض الأهالي لهم أكثر من طالب جامعي موزعين على عدة جامعات محلية، ولا يستفيدوا من الإعفاء الأخوي، وهذا أيضا يشكل عبء كبير، والأصل أن يكون النظام بالنسبة للإعفاء الأخوي عام، وضمن سياسات التعليم العالي، ويكتفي أن يثبت الطالب أن له أخ بالجامعة ليستفيد من الإعفاء الاخوي.

-        بعض الأهالي أصبح يؤجل لابنه أو إبنته تسجيل الفصل الدراسي، ويدفع رسوم الفصل التالي، ومنهم من يحرم ابنته ليعلم ابنه في الجامعة، وحدث ولا حرج آليات لكل أسرة كيف توفر لتعلم أحد أفرادها؟!..

-        يشكي الأهالي من مخرجات الجامعات، وعدم وموائمتها مع احتياجات السوق، وهذا ما أثبتته دراسات حول سوق العمل، فهناك فجوة كبيرة بين مخرجات الجامعات واحتياجات السوق، وذلك يحتاج تدخل لضبط الجودة والموائمة.

-        بعض التخصصات الجديدة لا يتوفر لها مادة عليمة أو كتاب جامعي، لكي يساعد الطلبة في دراستها والتعمق بها في التعليم الالكتروني، وهذا أرهق الطلاب في البحث، كما أن بعض المواد تحتاج مختبرات ولقاءات وجاهية، ولم تعالج الجامعات قضايا الطلبة حتى الآن.

-        استثناء الطلبة الحاصلين على معدلات فوق 90% من إعفاء الامتياز، واكتفاء الجامعة بمنح الأول على الدفعة الإعفاء من الرسوم فقط وهذا لا يحقق عدالة، ولا يحفز الطلبة ويشجعهم ....

-        هناك طلاب خريجين متبقي عليهم رسوم جامعية ترفض الجامعات حتى اعطائهم شهادة او افادة بأنهم خريجين، وهذا لا يساعد بعلاج مشكلتهم بل يحرمهم حق الحصول على فرصة عمل وبالاخر لن يكون لهم دخل لتسديد الرسوم وتحرير الشهادة.

ونحن ننظر للواقع نجد أن الحالة الفلسطينية والأزمة الاقتصادية كبيرة وأثرها وانعكاساتها على كل مكونات المجتمع، ولم يستثني من الضرر أحد، وهذا ما دفع العديد من المؤسسات للمشاركة والمساهمة في الحفاظ على التوازن، وخصم نسب على منتجاتها وصلت أحياناً 50% لتتخفيف عن المواطن ولتسويق منتجاتها، إلا الجامعات برغم مسئولياتها الاجتماعية لم نرى ونسمع منها إلا سوى تبرير لسياساتها بخصوص الرسوم، واستعراض لحجم خسائرها والمُبالغ بها، ولم نلمس أي مساهمات أو خطوات عملية تناسب الواقع وتخفف على الطلاب، برغم أن كوادرها من باحثين ومختصيين في دراساتهم وأبحاثهم اثبتوا حجم الأزمة ومخاطرها، وأوصوا بضرورة التضامن والتكافل والمشاركة من الجميع بمسئولية لتخطيها، والعمل على مراعاة المستجدات بما يحافظ على استمرارية التعليم والحق فيه للطلاب، وهنا يجب على الجامعات أن تغير من سياساتها، وتطور خططها التنموية وتستجيب لتخفض الرسوم، وتخفف التكاليف والإجراءات على الطلبة وذويهم وذلك بخطوات عملية منها:

-        تخفيض الرسوم الجامعية وتصنيف الطلاب لفئات وفق حالتهم الاجتماعية، والتعامل مع كل فئة بنظام يناسب دخلهم وظروفهم الاقتصادية لكفالة الحق بالتعليم لهم بعدالة، وإعفاء أبناء العمال العاطلين عن العمل.

-        تبني الطلبة المميزين وأفكارهم الإبداعية وتشجيعهم، وإنشاء مراكز لرعاية واحتضان الابداع والاختراع، فهناك طلاب بفكرة أو بمشروع ناجح من الممكن أن يضمن دخل كبير للجامعة، وهناك تجارب عالمية مشابهة.

-        ضرورة البحث عن مصادر جديدة لتمويل الجامعات من خلال مشاريع وتمويل خارجي، فالجامعات ليست شركات ربحية تعاظم أرباحها على حساب الحق بالتعليم، وهي استثمار خدماتي وليس رأس مالي.

-        على جامعات أن تبحث كل السبل لتخفيف مصاريفها، والتي تتركز في جوانب لا تتعلق بالبحث العلمي وأدواته، والمختبرات التي يحتاجها الطلبة بتخصصاتهم.

-        ضرورة التعاون والشراكة مع المجتمع ومؤسساته في دراسة الإشكاليات التعليمية والمستجدات للتشاركية في وضع الحلول والمشاكل، وإعطاء الطلبة حق المشاركة في تقرير السياسات التعليمية التي تخصهم.

-        على الجامعات أن تقوم بدورها البحثي للوقوف على الإشكاليات والمتغيرات بشكل علمي مدروس وممنهج لتقديم خيارات وأفكار موضوعية لتخطي الأزمة وتداعياتها.

-        ضرورة العمل على التواصل مع جامعات بالخارج لتبادل الطلاب والمعارف وربط الطلاب والجامعات والتخصصات، والاستفادة من التقنيات الحديثة بالاتصال والتواصل لتعزيز تجربة وخبرات الطلبة والأكادميين لتحقيق الهدف.

وعلى صعيد آخر هناك مسئوليات وواجبات على الحكومة وزارة التعليم العالي في دورها  بالرقابة على تنفيذ القانون، وحماية الطلاب وضمان استمرارية الجامعات بدورها، ووقف أي سياسات خاطئة قد تمس بالحق في التعليم لكل الفئات الاجتماعية بدون تمييز وبعدالة هذا يدعو إلى:

-        زيادة موازنة التعليم والبحث العلمي ودعم الجامعات وتغطية أي عجز تواجه الجامعات بمصداقية في حالة وجود الشفافية والوضوح.

-        وضع سياسات وضوابط لتنظيم التعليم العالي والتدريب المهني، وعلاقته بالمجتمع بما يحافظ على التوازن وحق الطلاب بالتعليم.

-        ضرورة العمل على ضبط سوق التعليم، والذي أصبح بحاجة ماسة للدراسة والتقييم حتى لا يقع طلابنا فريسة لتخصصات غير معترف بها أو غير مفيدة للعمل.

-        ضرورة العمل على ضبط جودة التعليم والتخصصات، وإذا دعت الحاجة لإغلاق بعضها لأنها استهلاكية وغير منتجة ولا توائم احتياجات السوق.

-        ضرورة تفعيل اللجان الاستشارية والشراكات بين الأطراف لتطوير السياسات العامة للتعليم العالي والتدريب التقني، والعمل على موائمة التعليم مع التطورات والمتغيرات في ظل كورونا وما بعدها.

-        ضرورة العمل على إنشاء صندوق لدعم الطالب وتوجيه القطاع الخاص ورجال الاعمال والمؤسسات لدعمه لمساعدة الطلاب المحتاجين لاستكمال دراستهم الجامعية.

-        ضرورة العمل على فتح تخصصات جديدة في الجامعات الحكومية وتطوير تقنياتها لتناسب احتاجات سوق العمل، باعتبارها الجامعات الأقل رسوم وتكلفة.

أخيراً لا يجوز استمرار هذا الواقع المجحف والمؤلم، فيجب التعاون والتشارك وإعادة النظر بسياسات الجامعات ورسومها المرهقة والمكلفة، فالدراسة الجامعية الأولى حقّ مكفول بالقانون، وما يترتب عليها من إجراءات للضغط  بحق الطلبة سيكون له انعكاساته وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية، ويجب أن تعالج هذه القضية بخطوات عملية وملموسة بتخفيض الرسوم، وإلغاء أي رسوم ثابت، ومراعاة الإعفاء الأخوي حتى وإن لم يكونوا بنفس الجامعة، وتخفيف أي تكاليف يمكن أن تساهم في منح الطلاب وذويهم مزيد من التسهيلات حتي يستطيعوا الإيفاء بالتزماتهم للجامعة، ويكفلوا الحق بالتعليم لكل أبنائهم والمساواة بينهم ذكوراً وإناثاً.

الأربعاء 6 يناير 2020

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت