اللاجئون الفلسطينيون بين مطرقة الأزمة الاقتصادية اللبنانية وسندان كورونا

بقلم: وفاء بهاني

وفاء بهاني
  • بقلم الإعلامية وفاء بهاني

عاصر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان انواعا متعددة من التحديات منذ اللجوء عام ١٩٤٨ وكل تحدي له طعم ونكهة مختلفة، والحديث هنا ليس عن نوع من الطعام، بل عن انواع من الغذاء العنصري اللاانساني والبعيد كلياً عن الانسنة.

المرحلة الاولى، بدايتها كانت بإقتلاعهم من ترابهم الاساس حيث مضوا الى منفاهم القسري، معتقدين انها فترة ستكون بضيافة اخوتهم من أمتهم العربية. غالباً ما يكون طعم الاقتلاع على يد العدو أهون ومستساغ على الصعيد الفكري والوعي النفسي كون هذا العدو كان ولا يزال جزءاً من ثقافة نتربى عليها .

وعمل اللاجئون على مقاومة هذا العدو الصهيوني في بلدان لجوئهم عبر ابتكار اليات نضالية كثيرة حتى توجت بالكفاح المسلح الذي كان الالية الجديدة المقتبسة عن كثير من الشعوب المقهورة عبر الكرة الارضية .

تخطت مرحلة اللجوء كل ما هو متعارف عليه في التاريخ الانساني يقيم أكثر من نصف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان البالغ عددهم أكثر من (460 ألفًا)  بحسب الإحصائيات المؤخرة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، ويعمل أغلبهم في البناء والسباكة والزراعة، كونهم محظورين من مزاولة مهنتهم الجامعية والتعليمية لأكثر من 40 مهنة حيث يقيمون في 12 مخيما منظما ومعترفا به لدى الأونروا هي: نهر البارد، البداوي، برج البراجنة، ضبية، مار الياس، عين الحلوة، الرشيدية، برج الشمالي، البص، شاتيلا، ويفل (الجليل)، المية مية.

ويقيم باقي اللاجئين في المدن والقرى اللبنانية، إضافة إلى تجمعات سكنية جديدة نشأت بسبب تطورات الأوضاع في لبنان. ومن أهم هذه التجمعات غير المعترف بها من الأونروا: المعشوق، جبل البحر، شبريحا، القاسمية، البرغلية، الواسطة، العيتانية، أبو الأسود، عدلون الغازية، الناعمة، سعد نايل، ثعلبايا وغيرها.

وكانت الأونروا تشرف على 16 مخيمًا رسميًّا، دمرت منها ثلاثة أثناء سنوات الحرب، وتحديدا منذ عام 1974 وحتى عام 1976، ولم يعد بناؤها من جديد وهي: مخيم النبطية في جنوب لبنان، ومخيما دكوانة (تل الزعتر) وجسر الباشا في بيروت. وهناك مخيم رابع هو مخيم جرود في بعلبك أجلي أهله منه ونقلوا إلى مخيم الرشيدية في منطقة صور.

يجدر ذكره، أن هذه الأرقام غير دقيقة 100% لأنها تعتمد على معلومات يتقدم بها اللاجئون طواعية ليستفيدوا من الخدمات التي يستحقونها، وكذلك لا تشمل الأرقام الزيادة الطبيعية، فهناك لاجئون فلسطينيون في منطقة عمليات الأونروا غير مسجلين لديها رغم استحقاقهم ذلك. إضافة إلى أن بعض هؤلاء المسجلين يعيشون خارج منطقة العمليات.

تخنق الأزمة المعيشية والاقتصادية والصحية الشارع اللبناني يومًا بعد يوم، إثر التدهور الكبير لسعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي في السوق السوداء، وتهافت اللبنانيين على شرائه، حيث سجلت الليرة اللبنانية حوالي 8000 مقابل الدولار الواحد، أي خمسة أضعاف عما كان عليه قبل ثمانية أشهر، رغم تحديد سعر صرف الليرة عند الصرافين ب 3910 كحد أقصى.

هذا الأمر ينعكس مباشرة على أسعار السلع، والتي تسجل ارتفاعًا كبيرًا خاصة السلع المستوردة، الأمر الذي يساهم بفقدان بعضها من السوق، كالأدوية والمازوت، مع تسجيل إغلاق لمؤسسات ومحال تجارية لأبوابها، بالإضافة إلى ارتفاع في معدلات البطالة، والتي هي الأعلى لها منذ عشرات السنين، حيث قدرتها استطلاعات بأكثر من مليون عاطل عن العمل في لبنان، لدولة يقدر عدد مواطنيها بنحو 6 ملايين شخص.

لم يكن حال اهالي مخيمات اللاجئين الفلسطينين في لبنان بأفضل من غيره وسط ازمة اجتماعية باتت تلوح في معظم المخيمات المنتشرة على الاراضي اللبنانية. ما دفع أبناء المخيمات الفلسطينية الى دق ناقوس "الخطر الداهم" من "الانفجار الاجتماعي"، الذي ينذر ب"كارثة انسانية" قد تصل الى حدود "المجاعة"، بعدما بدأوا يئنّون تحت وطأة الجوع و الفقر المدقع معا، اثر تضاعف مأساتهم انعكاسا للحراك الاحتجاجي وعدم تشكيل الحكومة اللبنانية ،من جهة وتقليص مساعدات منظمة الانروا من جهة ثانية دون أن تلوح في الأفق بوادر حلول قريبة،مع العقبات السياسية التي تحول دون ولادة الحكومة ، ومع استمرار الأزمة المعيشية والاقتصاديّة الخانقة.

ان جملة من الأسباب المتداخلة تضافرت لتنذر من الانفجار الاجتماعي، وتزيد من معاناة أبناء المخيمات فوق الوصف، وأبرزها عدم نجاح وكالة "الاونروا" بإطلاق "نداء استغاثة" لتقديم المزيد من الدعم المالي لها إستجابة لسد الفوراق في ارتفاع كلفة المعيشة نتيجة الغلاء وارتفاع الاسعار وفق ما كان متوقعا، وقد برّر المدير العام للوكالة في لبنان فيليب لارزيني السبب، أن الأزمة لا تطال مجتمع اللاجئين الفلسطينيين بعينه، بل هو امتداد للأزمة اللبنانية، ما يعني استحالة اطلاق "نداء استغاثة" خاص بهم، ناهيك عن ارتفاع نسبة البطالة بعد توقيف العشرات من أبناء المخيمات عن العمل بسبب إقفال المؤسسات أو إفلاسها أو تخفيض عدد العمال، فإزداد الفقراء فقرا، في ظل عجز القوى والفصائل والجمعيات الفلسطينية عن تأمين البديل.

وتعاني المخيمات الفلسطينية منذ سنوات من الفقر المدقع، والذي دفع بالكثير من أبنائها وعائلاتها الى الهجرة بهدف الخلاص من الواقع المؤلم.

في المقابل، تقدمت المبادرات الانسانية والخيرية لبعض القوى والجمعيات الفلسطينية تحت شعار "التكافل الاجتماعي" بهدف تجاوز المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، اذ حرصت وكالة "الاونروا" على دفع رواتب موظفيها بالدولار الاميركي للمرة الاولى، ووقّعت عقدا مع أحد المصارف لهذه الغاية، في محاولة لتعويض الموظفين من فروقات سعر صرف الدولار .

وفيما إستغربت أوساط فلسطينية التحرك السياسي الجماعي الخجول للقوى والفصائل الفلسطينية والذي ترجم بعدم عقد أيّ اجتماع موسع لهيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان القيادة السياسية الموحدة لوضع خطة طوارىء موحدة او تشكيل خلية أزمة" لمواجهة التداعيات السلبية.

 لا شك في أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان داخل المخيمات وخارجها يعانون الأمرين من الظلم والاضطهاد .فمنذ اللجوء عام 1948 ومع تعاقب السنوات ازدادت المأساة والمعاناة، وبالرغم من أن لبنان كان من الدول المصادقة على معظم بنود بروتوكول الدار البيضاء عام 1965، ذلك البروتوكول الذي ينص على ضرورة معاملة الفلسطينيين في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة شعوبهم في إقامتهم وسفرهم وتيسير فرص العمل لهم مع احتفاظهم بالجنسية الفلسطينية، ولكن امام العنصرية اللبنانية تتكسر كل القرارات الدولية الانسانية وتبقى حبرا على ورق .

ان القرارات العنصرية اللاإنسانية تتوالى قرار بعد قرار.

فبعد القرار الجائر من وزارة العمل اللبنانية والتي كلفت الاجهزة الامنية بملاحقة العمال والمؤسسات الفلسطينية ضاربة الحقوق الانسانية والدولية عرض الحائط. وبقي اللاجئون الفلسطينيون في لبنان يعاملون كأجانب محرومين من أبسط الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية ،وما يتفرع عنهما من حقوق كثيرة، ورغم أن لبنان قد أكد في مقدمة دستوره احترامه للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، إلا أن واقع الحال يشير بخلاف ذلك.

ويتناقض مع قرار القوى اللبنانية الذي أقرته وشرعته السلطات اللبنانية في عام 2010 عندما سمحت للفلسطينيين بالعمل في نحو 40 مهنة بناء على منحهم إجازات عمل مجانية وايضا وحرمانه من العلاج حيث لا تقدم الدولة اللبنانية ادنى خدماتها في العامل الصحي للفلسطينيين تطعيم الاطفال على الاقل، اتى قرار اخر صدم اللاجئين الفلسطينيين حيث صدر قرار من نقابة الصيارفة في لبنان بمنع اللاجئ الفلسطيني من شراء الدولار وحصر شرائه في اللبنانيين فقط. وليس هذا فقط، بل دون اكتراث لآثار اقتراحه وانعكاساته على أكثر الفئات المهمشة في لبنان، قال وزير الاقتصاد اللبناني، راوول نعمة: إنه قدم اقتراحاً لمجلس الوزراء برفع الدعم عن المواد الأساسية، الخبز والمحروقات، عن الأجانب في لبنان والفلسطينيون منهم

جاء تصريح نعمة أثناء جولة له في طرابلس وأمام المتظاهرين المحتجين على سوء الأوضاع الاقتصادية وتدهور قيمة العملة اللبنانية.

ويعني رفع الدعم أن يجري زيادة سعر صرف الدولار على المحروقات والقمح، من 1515 ليرة إلى سعر السوق، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الخبز والمحروقات بشكل خيالي.

فسعر الصرف الدولار تجاوز، عتبة 8 آلاف ليرة لبنانية، في السوق السوداء،كما ذكرنا اعلاه .

ونظراً لعدم وضع تعريف واضح من قبل القوانين اللبنانية للاجئ الفلسطيني في هذا البلد، فقد أثار هذا التصريح تخوفاً كبيراً لدى الفلسطينيين بأن يشملهم الاقتراح إذا ما تحول إلى قرار رسمي، على اعتبار أن سبق وتم معاملتهم كأجانب خلال إجراءات لوزارة العمل السابقة .

إن اللاجئ الفلسطيني لا يستطيع العودة إلى بلاده ، وكل ما ينتجه داخل لبنان يبقى فيه، ما يعزّز الدورة الاقتصادية للبلاد سواء أكان مصدرها من أصحاب المشاريع الصغيرة أو من تعب العمال والحرفيين، كما أن لبنان يستفيد من حجم الأموال المتدفقة من خلال موازنة الاونروا والبالغة 80 مليون دولار ، إضافة إلى ما تصرفه المنظمات الدولية في المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وما يرسله المهاجرون الفلسطينيون إلى ذويهم اللاجئين في لبنان والتي تقدر بعدة مئات الملايين من الدولارات.

ولتزيد طينة اللاجئين بلة اجتاحت كورونا المخيمات الفلسطينية في لبنان فبعد الازمات السياسية والأمنية والمهنية تلاحقها، وتمددت اليوم إلى الصحيّة، إذ انتشر الهلع والخوف من الفيروس بين صفوف أبنائها مثل كل اللبنانيين، مع فارق كبير، فإجراءات الدولة وهيئاتها الصحية وإجراءاتها الوقائية لم تشملهم، توقفت عند مداخلها، وبقي الأمر "متروكا" على كاهل وكالة "أونروا" بعجزها المالي و"مؤسسات المجتمع المدني" بإمكاناتها المتواضعة.

وكما ذكرنا اعلاه ان هناك 12 مخيما في لبنان ، إضافة إلى عدد من التجمعات الفلسطينية، ليست جزرا معزولة عن محيطها اللبناني، تتأثر بها وتتكامل معها في ارتباط دورة الحياة، ما يفرض على أبنائها اتخاذ الإجراءات الوقائية ذاتها، بينما غالبيتهم لا قدرة لهم على شراء مواد التعقيم في الحد الأدنى، مع ارتفاع أسعارها في خضم الإقبال الكثيف عليها، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يترنح منها لبنان والتي تنعكس سلبا ومضاعفا عليهم.

إن الجهات المعنية والمسؤولة مباشرة عن المخيمات الفلسطينية واللاجئين في لبنان لم تكلف نفسها عناء اتخاذ أي إجراءات حالية على أرض الواقع لمنع تفشي هذا الوباء فيها، فالوزارة اللبنانية ليست معنية لأنها تعتبر أن المخيمات خارج نطاق عملها، وبالتالي فهي لا علاقة لها وأنها ليست المسؤول عن اتخاذ التدابير اللازمة في ظل وجود "أونروا" ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولا يوجد سوى مبادرات فردية من المجتمع المحلي وأهالي المخيمات.

النظر إلى خيارات العلاج المتاحة للفلسطينيين يشي بحالة مزرية تبدو ذاهبة نحو التدهور في ظل تزعزع وضع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وما يعكسه ذلك من تقليصات متزايدة في تقديماتها الأساسية في جميع المجالات، وفي مجال الصحة خصوصاً.

إن المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول المضيفة ومجتمعاتها، ملزمة بتقديم الحقوق الأساسية والحريات للاجئين ضمن حدودها. إن هذه الالتزامات تنبثق من قوانين حقوق الإنسان الدولية، علاوة على النظام العالمي لحماية اللاجئين، وفي العقود الثلاثة الماضية، كان هناك تصديق واسع النطاق على كل اتفاقيات حقوق الإنسان من قبل دول الشرق الأوسط

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت