رأى مراقبون فلسطينيون أن متغيرات خارجية دفعت أخيرا بحل عقدة الخلاف بشأن إجراء أول انتخابات فلسطينية عامة منذ عام 2006، بما يمثل خطوة يؤمل منها إنهاء أزمة الانقسام الداخلي المستعصية على الحل منذ سنوات.
غير أن المراقبين أظهروا شكوكا بشأن الالتزام بالمضي قدما في إجراء الانتخابات أو حتى قدرتها على إحداث اختراق جوهري لإنهاء الانقسام وتوحيد الموقف الفلسطيني.
ووجهت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) رسالة خطية قبل أيام إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تعلن فيها موافقتها على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وأخرى لمنظمة التحرير الفلسطينية بالتتالي دون اشتراط التزامن.
وطيلة الفترة الماضية كانت حماس تطالب بتزامن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسة والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما كان محل خلاف مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بزعامة الرئيس عباس.
ورحب الرئيس الفلسطيني بخطوة حماس، وأعلن أنه سيبدأ مشاورات مع لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية بشأن الخطوات والترتيبات اللازمة لإصدار المراسيم الخاصة بالانتخابات، لكن من دون تحديد مواعيد رسمية حتى الآن.
وأجريت اخر انتخابات فلسطينية للمجلس التشريعي مطلع عام 2006 وأسفرت عن فوز حركة حماس بالأغلبية، وذلك بعد عام من انتخابات للرئاسة فاز فيها محمود عباس.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي من رام الله هاني المصري، أن الأطراف الفلسطينية تراهن على المتغيرات والتطورات الخارجية الحاصلة، وأهمها الإعلان عن فوز الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن.
وقال المصري لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن بايدن يتبنى حل الدولتين، ويدعم إجراء الانتخابات لتجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية وقد يدعم دمج حماس في السلطة أسوة، بما فعله رئيسه السابق باراك أوباما في انفتاحه على حركات الإسلام السياسي.
ومع ذلك يعتقد المصري أن طريق إجراء الانتخابات الفلسطينية الشاملة ليست سالكة تماما "لأن الحوار حول أسس الشراكة والقضايا الأخرى سيبدأ بعد صدور المراسيم، وإمكانية الاتفاق عليها أقل من عدم الاتفاق حولها".
واعتبر أن نجاح خيار إجراء انتخابات حرة وديمقراطية تتطلب الاتفاق أولا على الهدف الوطني وأشكال النضال والمفاوضات وأسس الشراكة الوطنية والعمل الجدي لإنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات أولًا كمدخل لإجراء الانتخابات.
ويعاني الفلسطينيون من انقسام داخلي بدأ منتصف عام 2007 إثر سيطرة حركة حماس على الأوضاع في قطاع غزة بعد جولات من الاقتتال الداخلي مع القوات الموالية للسلطة الفلسطينية.
وفشلت سلسلة اتفاقيات بين حركتي فتح وحماس تضمنت مبدأ إجراء الانتخابات في وضع حد فعلي للانقسام الداخلي، وهو ما يبقي الشكوك قائمة بشأن النجاح هذه المرة.
وقال الدبلوماسي الفلسطيني السابق نبيل عمرو، إن ثمة شكوكا شعبية واسعة النطاق بشأن المضي فعلا بإجراء الانتخابات نظرا لكثرة التجارب المخيبة وإطلاق الوعود مرارا من دون الالتزام بها.
ورأى عمرو أن الجديد هذه المرة قد يكون حسم خلافات فتح وحماس وبضمانات وتدخلات من أطراف إقليمية بشأن ملف الانتخابات عبر التفاهم على انتخابات متتالية.
وقال "ربما الأمور نضجت لأن ما يقال عن السلطة الفلسطينية في الخارج والداخل يجب أن يقرع جرس إنذار بالنظر ويدفع للانتخابات كاستحقاق ضروري لتجديد المؤسسات والشرعيات".
وأضاف عمرو أن "الإمكانيات أصبحت مواتية لإجراء الانتخابات مع التحذير من خطورة أن يكون هدفها تكريس الأمر الواقع بمعني أن لا تشكل مدخلا جديا لإنهاء الانقسام".
ويعد إجراء الانتخابات مطلبا رئيسيا للأوساط السياسية والشعبية الفلسطينية بالنظر إلى خطورة المرحلة التي تواجهها القضية الفلسطينية وتراجع مكانتها إقليميا ودوليا.
وبرز ذلك في الاتفاقات بين إسرائيل وكل من دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب برعاية الولايات المتحدة الأمريكية في الأشهر الأخيرة لإقامة علاقات رسمية والتخلي عن موقف عربي تقليدي بضرورة حل القضية الفلسطينية قبل التطبيع.
ودفعت التطورات الإقليمية حماس وفتح لإجراء محادثات ثنائية نهاية العام الماضي أثمرت عن تقارب في خطابهما الرافض لخطة السلام الأمريكية ومخطط إسرائيل لضم أراض فلسطينية، بما في ذلك تنظيم فعاليات مشتركة.
وتضمنت المحادثات بين الحركتين اتفاقا مبدئيا لإجراء انتخابات عامة تستهدف في المقام الأول تجديد شرعية المؤسسات الرسمية، وهو مطلب أصبح ملحا من الأطراف الدولية لتأكيد شرعية النظام الفلسطيني الرسمي.
ويبرز الكاتب والمحلل السياسي من رام الله رجب ابو سرية، أهمية "خيار الديمقراطية كأداة كفاح وطني" لتعزيز الموقف الفلسطيني داخليا وخارجيا عبر تجديد شرعية المؤسسات وتمثيلها.
وقال ابو سرية إن أحد أبرز أسباب الضعف الداخلي الناجم عن الانقسام القائم منذ انتخابات العام 2006 وحتى الآن، هو غياب الديمقراطية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية.
وأشار إلى أن عدم إجراء الانتخابات طوال كل هذه السنوات عطل ممارسة الشعب الفلسطيني لسلطته على سلطتي الحكم في غزة والضفة الغربية لذا من الطبيعي أن يكون المدخل لوضع الحد للانقسام هو إجراء الانتخابات.
وشدد ابو سرية على الحاجة الملحة إلى "اللحظة التي ينفتح فيها الباب للشعب ليقول كلمته ويمارس سلطته على طرفي الانقسام وكاستحقاق شعبي واجب التنفيذ دون تأخير أو إبطاء".
وإلى جانب الخلافات الداخلية، يخشى الفلسطينيون من أن تمنع إسرائيل إجراء الانتخابات في الجزء الشرقي من مدينة القدس الذي يطالبون بأن يكون عاصمة لدولتهم.
ولم تصدر إسرائيل أي تعليق رسمي بشأن التوجه لإجراء الانتخابات الفلسطينية أو موقفها من احتمال السماح بإجرائها في شرق القدس، رغم أن ذلك يبقى مستبعدا في الأوساط السياسية.