مقال بصفحة 2-2021

الغرب والاسلام بين الواقع والاسلاموفوبيا

بقلم: رائف حسين

رائف حسين
  • الكاتب والمحلل والمفكر الاستراتيجي د. رائف حسين

 

عدد المسلمون بالعالم بتزايد مستمر منذ سنين طويله ويرجح الخبراء ان يصل عددهم مع حلول العام 2050 الى حوالي 2760 مليون، وهذا ما يعادل حوالي 30% من سكان العالم اجمع.

الزيادة العددية ليست فقط في الدول الاسلاميه وحدها بل وتقريبا بذات النسبه في كل انحاء المعمورة. زيادة عدد المسلمون بالغرب يشكل للغرب تحدي اجتماعي واجتماعي- سياسي كبير جداً. ففي العام 1990 كان نسبة المسلمين في اوروبا حوالي 4,1% من مجمل عدد السكان الكلي وارتفع حتى العام 2020 ليصل الى حوالي 6% اي ما يعادل 50 مليون مسلم في اوروبا. ومن المتوقع ان تصل النسبه بحلول العام 2050 الى حوالي 10,2% اي ما يساوي 71 مليون مسلم في اوروبا.

هذه الزيادة يعتبرها البعض في القارة الاوروبيه خطر ديمغرافي قادم وعلى اوروبا ان تواجهه باغلاق حدودها وتحديد نسبة الهجرة من المسلمين لاوروبا. ولا يتوارى هؤلاء من تضخيم الخطر على المجتمعات الاوروبيه ويتكلمون بصراحه عن " اسلمة المجتمع الاوروبي" وزيادة الاجرام والعنف واضمحلال للحضارة الغربية وتراجعها. هذا التصوير الترهيبي المضخم نطلق عليه في العلم اسم اسلاموفوبيا. والبعض الاخر في اوروبا يرى بزيادة نسبة المسلمين بالقارة تحدي ممكن تطويره الى واقع ايجابي لتمكين السلم العالمي والتفاهم بين الاديان وبين الشعوب. ويروا بهذا المزيج الثقافي اغناء للثقافة الاوروبيه ويعود عليها بالمستقبل وعلى مجتمعاتها بالمحصلة الاجماليه بالخير .

هذا الصراع تشهده اوروبا منذ عقود طويلة ويتراشق الطرفان الحجج لدعم موقفهم يومياً بالتصريحات والدراسات والاخبار اليوميه من الواقع الحياتي. ودخل هذا الموضوع الى السياسة من بابها الواسع وارغم معظم الاحزاب الاوروبيه من جميع الوان الطيف السياسي ان تسجل مواقفها الواضحه من الاسلام في اوروبا والتعامل مع الاقلية المسلمة في بلدانها في برامجها السياسية وحملاتها الانتخابيه. احتد هذا الصراع بعد الهبات الشعبية في الشرق الاوسط وما اصبح معروف باسم "الربيع العربي" والقلاقل في الدول الاسلامية الكبرى بافريقيا وشرق اسيا الذي دفع الملايين من شعوب هذه المناطق الى الهجرة الى العالم الغربي.

النظرة الشمولية التي يتبناه بعض علماء التاريخ والسياسة والاجتماع في العالم وفي اوروبا، وانا منهم، التي تقول بان ما سلبته اوروبا من الدول الاسلاميه من خيرات وموارد وارواح في فترة استعمارها المباشر لها وبعدها في الاستعمار الغير مباشر، يضاهي بمئات المرات ما تصرفه اوروبا اليوم من مال ومجهود على القادمين اليها من الدول الاسلاميه… نحن نعتبر فتح ابواب اوروبا امام هؤلاء المهاجرين ومهاجرين اخرون من امريكا اللاتينية وافريقيا واستيعابهم بمجتمعاتها واقتصادها جزء بسيط من القسط الذي على اوروبا دفعه أصلاً كتعويضات عن بشائعها في هذه المناطق. هذه النظرة لا يجب ان تعمينا عن رؤية الحقيقة والواقع الكاملين والمخاطر الجمة التي يأتي بها صراع الاطراف في اوروبا حول الاسلام والمسلمين.

في هذا السياق علينا ان نطرح السؤال الوجيه عن سبب النظرة السلبية للاسلام والمسلمين في الغرب وخصوصاً في اوروبا وعن من يغذيها وعن كيفية مواجهتها ؟

 

كما هو الحال في كل المجتمعات فان الصورة التي تنطبع في رأس المواطن العادي عن حضارة اخرى او عن دولة معينه او عن ديانه ما، تنبع بالاساس من مراقبته ومعايشته لاهل هذا البلد او مخالطة حاملي ثقافه معينة او من ينتموا الى هذه الديانة او تلك… بكلمات اخرى المواطن العادي في اوروبا يبني صورته عن الاسلام بمعايشته اليوميه للمسلمين في حارته وفي بلدته وفي دولته اي انه لا يقرأ القرآن والاحاديث والقصص النبويه عن النبي محمد والصحابه تماما كما هي الصورة عند المواطن العادي في الدول الاسلامية عن الاوروبيين والمسيحيين التي يستقيها ويرسمها في عقلة وخياله من معايشتهم ومراقبة تصرفاتهم واعمالهم … المسلمون بغالبيتهم العظمى لم يقرأوا الانجيل ولا القصص الانجيلية واجزم ان الاكثرية الساحقة منهم لم تمسك يوماً انجيلا بيدها.

هذا الامر طبيعي جداً وهو حالة اجتماعية ثقافية طاغيه ولا علاقه لها بدرجة العلم والتطور التقني والامكانيات المتاحه.

تكتمل الصور عن الاخر في اعمال السياسيين من بلد الاخر وتصرفاتهم واقوالهم وترسخ في الذهن وتصبح هذه الصوره هي الصورة الاولى والصورة الاوضح التي يراها المواطن العادي عن دين الاخر وحضارة الاخر وثقافته.

في هاتين الحقيقتان عن تكوين ورسم الصورة عند المواطن الاوروبي العادي عن الاسلام تكمن الطامة الكبرى والمصيبة العظمى.

الاوروبي لا يعرف، وليس من الضرورة ان يعرف، المثاليات التي يرددها أئمة المسلمون من على منابر الجوامع في اوروبا والعالم الاسلامي… هو يرى ويراقب كيف يتصرف المسلمون من حوله في مدينته وحارته. بالنسبه للانسان الاوروبي العادي تصرف المسلم حوله هو الاسلام. والاخبار التي يسمعها من بلاد المسلمين هي الاسلام. والاعمال التي تقوم بها جماعات الاسلام هي الاسلام. واعمال واقوال حكام المسلمون هي الاسلام.

 

الواقع في اوروبا ان المسلمين، بتصرفات اغلبيتهم الساحقه هنا، هي التي تشوه صورة الاسلام وتطبع في رأس المواطن الاوروبي العادي صورة مزيفه عن الاسلام وتفتح الباب على مصراعيه للسياسيين الغربيين العنصريين لبث الخوف من المسلمين والاسلام وجعل الاسلاموفوبيا تنتشر بهذه السرعة وتخيم على عقول البشر في اوروبا.

المسلم باوروبا الذي اتى لدولها للدراسه او العمل او انه لجأ لها من ويلات الحروب وظلم الحاكمين في بلاد المسلمين ينعم بامتيازات اجتماعيه وحياتية تحلم اكثرية ابناء الامه الاسلاميه بها ومع هذا فهو يسب الالمان والهولنديين والسويديين والنمساويين وينعتهم صباحا مساءاً بأسوا الاوصاف واقلها انهم كفار! نعم المسلم في اوروبا يشرب من البئر ويبصق به… واكثر من ذلك هو يكذب صباحاً مساء فيعمل بالاسود ويتقاضى الضمان الاجتماعي بالكذب له ولاولاده. يُزّوِر اوراقه ويقدمها للجهات المسؤلة ويذهب بعدها للصلاة… يفرض على ابنته الطفله في الابتدائية ان تلبس النقاب ولا تشترك في دوس الرياضه والسباحه ويعلل ان هذا من اركان الاسلام ! يذهب للصلاة في الجامع الذي تدعمه "حكومة دار الكفر" ويجمع تبرعات لدعم الارهاب الاسلامي في "دار السلام". ويقتل بناته ونساءه بإسم الشرف الاسلامي وتراه في ساحات المدن الاوروبيه يعاكس الشقراوات منهم…

ينتقد حكومات اوروبا لقلة دعمها للمنكوبين في بلاد الاسلام ويغض النظر عن بذخ حكام المسلمين. ويعتبر ميركل كافرة وابن سليمان حامي بيت الله ومحمد السادس امير المؤمنين!

هذه الصورة التي يقدمها المسلم لجاره الغربي الاوروبي ونستغرب لماذا هذا الاوروبي يمقت الاسلام؟

وما يتابعه الاوروبي يومياً من اخبار المسلمين وافعالهم في بلاد الاسلام من بذخ، وعنجهية واستبداد، وقتل، وذبح، وانتهاك لحقوق الانسان يكمل الصوره عن الاسلام في مخيلته.

فما نحن فاعلون ؟

الجواب اورده سيدنا لمسيح في الإنجيل المقدس في متى ٧: ٣ وقال:

 

«لماذا تنظر إلى القشة في عين أخيك، ولا تبالي بالخشبة في عينك؟ بل كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القشة من عينك، وها هي الخشبة في عينك أنت؟ يا مرائي، أخرج الخشبة من عينك أولًا، حتى تُبصر جيدًا فتُخرج القشة من عين أخيك.»

7.01.2021                                                                               

 

 

 


 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت